للأسف الشديد وصل بنا الحالُ نحن العراقييون الى الحال الذي لم يكن معهوداً لدينا عبرَ تاريخنا الحديث ، وأصبحنا – ونحن سادة العطاء والمآثر والكرم – نعلق آمالنا على مؤتمر هنا ومؤتمر هناك بحثاً عمّن يتصدّقُ علينا بمنحةٍ أو بقرض أو بعطف وشفقة . وبغض النظرعن تلك المؤتمرات ان كانت حسنة النوايا أم من باب ( المآرب الأخرى ) فان العراق بشهادة الجميع ليس بلدا فقيراً ولم يكن يوماً ما من البلدان التي تقتات على صدقات الدول المانحة وقروضها المشكوك بأمرها . فالحمد لله لدينا ثروات طبيعية وبشرية تجعلنا نستطيع الاعتماد عليها للوصول الى الهدف المنشود . بلْ كلّ ما نحتاجُ اليه وجود مسؤولين وطنيين مخلصين قادرين على تحمل المسؤولية بكفاءة عالية . نحتاج الى من يصون الأمانة ومن يفي بالوعود ومن يلتزم بالمواثيق . نحتاج الى من ينبض قلبه للعراق ، ومن يشعرُ بهموم ومعاناة المواطنين ، ومن ترتقي طموحاته وأحلامه من المجال الشخصي المحض الى المجال الوطني العام . والأحداث الممتدة منذ عام 2003 ولحد الآن تؤكد هذا المضمون بلا ريب أو شك . فالأموال العراقية المسروقة والمهدورة من قبل المسؤولين خلال تلك السنوات تفوق بحجمها كل المنح والقروض والهدايا والعطايا . كما أن انعدام الرؤى الاقتصادية الصحيحة وانعدام التخطيط العلمي الدقيق جعلا البلد أسيراً لما يفرضه النفط علينا من معادلات وأسعار متغيرة دون أن تكون لدينا مصادر اقتصادية أخرى ترحمنا من مفاجئات أسواق النفط وما تعكسه على المجالات الحياتية الأخرى . كما أن بعض المحسوبين على السلطة السياسية الذين يتسنمون مناصب عليا كانوا سببا لاشعال البلد بالنار الطائفية ، وسبباً مباشرا أو غير مباشر لسقوط بعض المدن العراقية من قبل مسلحي القاعدة و( داعش ) ممّا كلف البلد أموالا طائلة جدا لقتالهم وتحرير تلك المدن . ومن هنا يتضح أن خروج العراق من ( عنق الزجاجة ) لا يحتاجُ الى مثل تلك المؤتمرات – وهي على الأرجح مؤتمرات فضائية أو ذات غايات مختلفة – ولوْ جدلاً قبلنا بالرأي الذي يؤيدها ويدعمها فهل هي الحلُ الصحيح في بيئة سياسية فاشلة لا تملك العقل الراجح ولا اليد البيضاء النزيهة ولا الضمير الحيّ ؟ ولوْ فرضنا أن دول العالم بأسره سوف تمنحنا الأموال التي لا عدّ ولا حصرَ لها من باب الحرص على بلدنا وعلينا ، فهل سيشبعُ السادة المسؤولون ولن يسيلَ لعابُهم مرّة أخرى طمعاً بتلك الأموال ؟ والى متى سيبقى اقتصادنا معتمدا على موردٍ واحد ٍ متأرجح بين المدّ والجزر ؟ ومن سيضمن لنا أن البلد لن يتعرّض لــ ( داعش آخر ) ولن نحتاج الى أموال أخرى ضخمة لمنازلته من جديد ؟ ومن سيضمن لنا أيضا العمل بالقاعدة الصحيحة ( الرجل المناسب في المكان المناسب ) بعيدا عن المحاصصات والمجاملات والمغازلات ؟ وللجواب على تلك الأسئلة المنطقية يختزلها جواب واحد لا غير هو : وجود مسؤولين شرفاء مخلصين همهم الوحيد انقاذ العراق . وان تحقق هذا الأمر فلن نحتاج الى منحة أو قرض أو شفقةٍ من أحد .