منذُ نحو منتصف الشهر الماضي والى نهاية هذا الشهر , هي ذكريات قد لايمكن توثيق كافة تفاصيلها وجزئياتها في أعنفِ معركةٍ عالمية في التأريخ الحديث , ومن المفارقات أنّ العراقيين هم من أقلّ الشعوب التي إطّلعت وعرفت بتلك او ببعض التفصيلات التي جرى نشر الكثير منها في وسائل الإعلام وبعضها لم ينشر , ويعود سبب ذلك الى القيود القاتلة التي انفرضت على العراق جرّاء الحصار , وبما فيها عدم امكانية دخول الصحف العربية والدولية , وخصوصاً أنّ القنوات الفضائية لم تكن تحت الخدمة في العراق , أما الشبكة العنكبوتية فلم تأتِ كما معروف إلاّ بعد الأحتلال .
نشير اوّلاً أنّ هذه المقالة لا علاقة لها بالسياسة ولا بالنظام السابق , وهي تتعلق فقط بالعقل العسكري العراقي وبطولات الجيش العراقي , نقول هذا كي لا يستغلّ ذلك سلباً ايّاً من ذوي الأفق الضيق او المقفل بالكامل .
في تل ابيب التي دكّتها الصواريخ العراقية قبل مدن يافا وحيفا وسواها , كان الأسرائيليون يغادرون ويهربون من عاصمتهم عبر العجلات والمركبات يومياً وقبل غروب الشمس , وقد بلغ طول طابور تلك السيارات نحو 40 كيلومتر في ضواحي تل ابيب وفق المصادر الأسرائيلية والمراسلين الحربيين الأجانب هناك , وقد بلغ التأثير النفسي لسقوط الصواريخ العراقية أن اذاع التلفزيون الأسرائيلي بأنّ إقبالاً هائلاً من الصهاينة على الصيدليات لشراء المهدئات والمسكّنات في عموم مدن اسرائيل .
وإذ من طباع الإسرائيليين التحسّب لما هو بعيد مسبقاً < وهذا أمرٌ صائب > فقد ظهر مذيعوا القناة التلفزيونية الرسمية في عرضهم للبرامج ونشرات الأخبار وهم يرتدون كمّاماتٍ طبية ضدّ الغازات الكيمياوية , حيث كان ما يؤرّق اسرائيل ودول الغرب احتمال أن تكون الصواريخ العراقية محمّلة برؤوسٍ كيميائية .
في تلك الحرب التي استمرت لنحو شهرٍ ونصف , فقد قامت قوات التحالف الدولي او العالمي بِ 44 الف طلعة جويّة ضد القوات العراقية , و 24 الف طلعة جوية للسيطرة على الجوّ , كما قاموا بِ 16 الف طلعة جوية للتزوّد بالوقود .! , وبجانب ذلك فقد كانت هنالك 5 آلاف طلعة جوية لشنّ الحرب الألكترونية , هذا وأنّ مصطلح ” الطلعة الجوية ” في علم الطيران او في العمليات الحربية يسمى SORTIE
الأمير – الجنرال السعودي خالد بن سلطان الذي كان يشغل منصب قائد قوات الدول العربية المشاركة في تلك الحرب بقيادة الجنرال الأمريكي ” نورمان شوارتسكوف ” ذكر في كتابه < مقاتل من الصحراء > الذي صدر بعد تلك الحرب بفترةٍ وجيزةٍ نسبياً , إذ قال في أحد فصول كتابه : < لمْ نتمكّن من إسقاط الصواريخ العراقية بصاروخ الباتريوت الأمريكي , لأنّ خط سيرها لم يكن قوسيّاً كما في كلّ الصواريخ في العالم , حيث كانت تسير بشكلٍ متموّج بأنخفاضٍ وصعود > .! , ولعلّه من الطريف أنْ قرأتُ ذات مرة تعليقاً لأحد المعارضين العراقيين بعد صدور ذلك الكتاب قال فيه : < لرداءة وتخلّف الصواريخ العراقية فأنها كانت تتأرجح في الجو ولا تسير كما صواريخ الدول > .!
بعد انتهاء الحرب بنحوِ شهرين التقى رئيس الوزراء البريطاني السابق جون ميجور بمجموعة من حاخامات اليهود وابلغهم أنّ بريطانيا قد ضحّت بالكثير والأعز لسلامة اسرائيل من الصواريخ العراقية , حيث وبعد انطلاق اوّل صاروخ على تل ابيب قامت طائرات الشينوك البريطانية بأنزال مجاميع متفرّقة من الكوماندوز < وحدة الخدمات الجوية للقوات الخاصة المسماة SAS > خلف الخطوط العراقية لأجل كشف مواقع منصات الصواريخ العراقية , لكنه بدا أنّ الأستخبارات العسكرية العراقية قد رصدتها , فقامت بتشكيل وحدات شبه عسكرية لتتبّع الكوماندوز البريطاني , وشارك بتلك الوحدات عشائر كربلاء والنجف والأنبار , وحدثت على إثرها اشتباكات وصدامات بين الطرفين , وجرى قتل معظم افراد القوات الخاصة البريطانية وغرقَ اثنان منهم في النهر , وتمكّن احدهم من الفرار الى الآراضي السورية , وفي الواقع لم يجر توثيق معلوماتٍ دقيقة لتلك العملية , فجرى اعتماد معلومات وزارة الدفاع البريطانية التي اعترفت بفشل العملية بالكامل , واجرت تحقيقات عسكرية حول المسؤولين عن التسبب في قتل الكوماندوز الأنكليزي .
وإذ لا يمكن الإسترسال وسرد جزئيات وجزيئيات تلك المعارك التي غطّت عليهاالأحداث وسنوات الحصار وخصوصاً الحرب واحتلال البلاد في عام 2003 وما اعقبها وما افرزته الى هذا اليوم ولما سوف يليه ايضاً .! , فسنكتفي ” هنا ” في حديثنا الصاروخي لتلك الحقبة من الزمن بالإشارةِ الهامّة عسكرياً , بأنّ صواريخ الباتريوت الأمريكية التي كانت تلاحق الصواريخ العراقية ولم تفلح بتفجير معظمها , فأنها ” الباتريوت ” كانت تسقط ايضا على او قرب الهدف الذي تدمّرهُ الصواريخ العراقية سواءً في المدن والمواقع الأسرائيلية او في التجمعات والتحشدات العسكرية السعودية – الأمريكية .! , مّما افادونا ونفعونا في زيادة ومضاعفة اعداد قتلاهم .! وهذا مّما لا يذكرهُ الإعلام .!