طالعتُ بدهشة واستغراب المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء العراقي الأستاذ نوري المالكي، والذي تطرّق فيه إلى أكثر من موضوع، داخلي وخارجي، وكان من أبرز تلك المواضيع هو قضية الأزمة مع الأكراد وصفقة السلاح الروسية المشبوهة.
وكعادته في مثل هكذا مواقف، ظهرَ دولة الرئيس مُتشنــّجاً في أطروحاته الإنشائية المعهودة، والتي شابتها الكثير من المُغالطات والتناقضات الصريحة الواضحة، وخصوصاً فيما يخص صفقة السلاح، والتي لمّحَ فيها من خلال أجوبته على أسئلة الإعلاميين على أحقيـّة المُعترضين على نزاهتها، حين أعلمَ الحاضرين بربط إقالة الناطق باسمه الدكتور علي الدباغ بالفساد في هذه الصفقة، بالإضافة إلى إبدال كل الوفد المفاوض السابق بما فيهم وزير (الثــقاع) الدليمي، بوفد جديد برئاسة الفريق الركن المشمول بإجراءات المسائلة والعدالة عبود قنبر.
ومن خلال هذه الأجوبة وصلت إلى المُتلقـّي إشارات واضحة لا تحتاج إلى بيان أو توضيح أو شرح، أكدت على صدق الطعون في نزاهة هذه الصفقة، وبشهادة رئيس الوفد وهو دولة رئيس الوزراء، وكما يقول المثل الدارج (من فمك أدينك).
ولكن ما لفت انتباهي من كل هذا المؤتمر الصحفي المليء بالمفرقعات، هو ردة الفعل التي لحقت برئيس الوزراء بعد طرح موضوع حجب الثقة، إذ أنَّ أجوبته بهذا الخصوص جاءت بشكل مُتشنـّج ومتخوّف وعاطفي، بعيدة كل البعد عن الطرح الموضوعي الدستوري والقانوني.
والأغرب من ذلك أنَّ إجابته لم تتوقف عند حدود عدم قدرة المُعترضين على نهجه في إدارة الحكم من حجب الثقة عنه، بل حوت ردوده وبشكل واضح على تهديد ووعيد لشركائه وأصدقائه السابقين في العملية السياسية إنْ فكّروا بهذا الموضوع مُجدداً!!.
وقد تناسى دولة الرئيس أنَّ حجب الثقة عنه كان قاب قوسين أو أدنى لولا تدخل إحدى دول الجوار الإقليمي وفي اللحظات الأخيرة، وإنقاذه من هذه الورطة الخانقة له ولحزبه الحاكم، وذلك من خلال الضغط على رئيس الجمهورية وفي وسط معقله وداخل داره، والذي دعا فخامته بالنتيجة إلى التخلي عن التعهد الذي أعطاه لكل المُشاركين معه في اجتماع اربيل، بعكس ما جاء في كلام دولة الرئيس من أنَّ تلك القوى فشلت ولم تستطع حجب الثقة عنه في وقتها؟!!.
لذا أقول لدولة الرئيس ناصحاً: عليك أنْ لا تندفع بعواطفك وتسير خلف إرشادات مُستشاريك وبعض رواد الملاهي والمراقص في لبنان والتي وضعتكَ هذه الاستشارات في معزل عن الجميع بما فيهم أعضاء حزبك ورفقاء دربك، الذين يخبروننا بين حين وحين من خلال المُراسلة معهم والتداول المُباشر بأنَّ وضع الحزب أصبح جحيماً لا يُطاق، وأنَّ القرارات التفرّدية والتمسك بسياسة الرجل الواحد أصبحت هي الطاغية على هذا الحزب منذ الوهلة الأولى لترأس رئيس الوزراء له، علماً أنَّ هذه السياسة الفردية دعت إلى انعزال العديد من الأعضاء البارزين في الحزب عن الصورة، وفي مقدمهتم وزير التعليم العالي علي الأديب، والنائب حيدر العبادي وغيرهم كثير ممن لا يسمح لنا بذكر أسمائهم، أو التطرق لهم.
وليعلم دولة الرئيس جيدا أنَّ هذه الاستشارات الغير مُجدية والنابعة من التزلـّف والتملـّق من أولئك المُنتفعين لشخصه ومنصبه لن تستطيع إيقاف زحف الإرادة وشحذ الهمة، فيما إذا قررت القيادة الصدرية هذه المرة المضي في مشروع حجب الثقة.
إلا أنَّ الأوضاع الداخلية بشكلها العام لا أظنها تسمح بطرح مثل هكذا قرارات في الفترة الراهنة، خصوصاً مع ما يجري من تطور إقليمي مُتسارع يحيط بالعراق، والذي سيخلف ويترك نتائج وأحداث كارثية ستلقي بظلالها في المستقبل القريب على الشأن الداخلي للعراق.
لذا يا دولة الرئيس لا تختبر إرادتنا وعزمنا، فنحن قوم إذا قلنا فعلنا…والسلام على من اتبع الهدى.