23 ديسمبر، 2024 8:57 م

التجربة الأبداعية بين التنزيل والاكتساب – 4

التجربة الأبداعية بين التنزيل والاكتساب – 4

بعد هذا الاستعراض لثلاثة من ابرز التيارات الفكرية  والاعتقادية المتحكمة في مسار الفكر والاعتقاد في العالم نتناول المشهد العربي الاسلامي الذي ضل غائبا ليس عن الساحة الدوليه فحسب بل عن ساحته نفسها. عائش في احضان سبات مكظوم!
العالم الذي بدء يتململ ويصحو على ورطته  وماساته وعلى تحكم الاخر فيه قتلا ونهبا واذلالا … وانحسار مده السيادي داخل ارضه … حتى بلغ حد الاستهانة به غوره! واصبح الموت افضل من البقاء في ظلها … موت التصحيح لاموت الاستكانة. موت والذين اذا أصابهم البغي هم ينتصرون … الاستهانه التي وصلت حد محاولات تغير كنز المنطقه المفاهيمي في وضح النهار. الاستنصار المعرفي الممهد للانتصار العام والله لا  يحق الحق الا بكلماته! كلمة الحق الصادق! لكشف مفاهيم الزيف الغادر … القوه هي الحق وارجاع الصواب الى الارض الحق هو القوه!
ولا شك ان خير من يعبرعن هذا المد هو فنان المنطقه وفصها الواعي المستبطن لجراحات امته وتاوهاتها الصانع للتطلعاتها وابحاراتها في البناء الجديد.
الفنانون الذين هم رسل التعبير عن هذه الصحوه بل في تفعيل هذه الصحوه و تفجيرها. الفنانون الذين خرجوا من انتماءاتهم  الضيقه ببعديها الجغرافي والعرقي الى فضاء الكون الواسع و انسانية الانسان.
الفنانون اللذين فهموا ثوابت مشهدهم الكوني وساحوا يوظفون المتغيرات والمعطيات المتوفره باتجاه استنزال عنفوان ثوابت المشهد الكوني في مشهدهم الجزئي الحزين واثقين من سلامة الطريق ومستيقنين من استجابة الظروف الموضوعيه للنداء. لقد قالها الفنان المستشرف على قوانين ربه … اذ الشعب يوما اراد الحياة … فلا بد ان يستجيب القدر!
الفنانون اللذين فهموا الفراغ والتفرغ كمدخل للامتلاء … الامتلاء باتجاه التفريغ الابداعي الجديد … الفنان المثابر الواثق والصموت والذي لا يعرف الصخب والفرقعات ولا يجيد تسويق الذات ولا يشتت ذهنه في العوابر بل يغوص في فضاءات ذاته مستحثا اناشيد الروح التي صمتت طويلا ممدودا على بساط المجاهده الابداعيه الخلاقه غائرا في الصمت الذي لا يتحدث! الفنان الذي فهم اليات الارتقاء … اليات الصمت و العزله والسهر والجوع.
الفنان  المناجز و المبارز في ميدان التجريب و البحث الدؤؤب الزاهد في الظهور المصر على الغياب الغارق في خلوات التامل والبحث عن الحقيقه لتاطيرها ابداعيا برسالة تبقى مع الايام.
الفنان الذي ناى بنفسه عن المالوف والمكرور ورحل بنصه صوب النص الاسلامي المتروحن المركوز في اساس و تضاعيف العرفان الصوفي .
نصوص ابداعية تنفر من الجاهز والمالوف وتشحن بلمسات روحانيه تتقمص الشكل واللون المفتوح والكلمه الطائره. الفنان الذي بلغت عنده الذائقه التشكليه والتلوينه تخوم متقدمه  أفضت به الى تسلق معارج الروح المستشرفه … فهي لم تعد ترى الالوان جامده بل امواج راحله في جماليات الواح التلوين ولا الاشكال هياكل واقفه بل ذبذبات راقصه في حلبات التكوين … الفنان الذي تعالت نفسه على قوالب الجنس المغاليه في التميز! وعرف ان الابحار الابداعي يجب ان يبقى مربوطا بخالق الابداع  بديع السموات والارض شهادة وانذارا تبشيرا ودعوة وخلق المثال الجميل!
الفراغ الجاهز والقابل للتشكل في اي حيز جديد … الفراغ الذي يمثل المدخل الى تفعيل حيوية ونبالة الانسان. والفراغ الذي يمثل الرديف الملازم للسكون … السكون الذي يمثل فضاء التنزل … وله ما سكن! وهو بنفس الوقت المدخل الى  الذكر و التذكر مستلزمات استنزال الطمئنينه … الا بذكر الله تطمئن القلوب.
ذكر الابداع لا ذكر الاعتياد. ذكر الذوبان في النقطه وامتداداتها وليس الوقوف عند ذكر النقطه!
نرجسية الانسان الغربي المفضيه الى الموت الشائه لا موت اليقين.
الفراغ الايجابي لا الفراغ السلبي ولعل اكثر من ادرك تللك الحقيقيه الرسل.
الرسل الذين نقلوا تجاربهم في ارقى اطار ابداعي في سياق بيئهم. 
[email protected]