الأمر لا يحتمل النقاش ، وعقارب الساعة ، في دوراته الأخيرة ، والساعات المتبقية لا يمكن تعويضها ، أو أعادتها الى الوراء ، لذا …… سأدخل في صلب الموضوع :-
١- كركوك عبارة عن ساحة لثلاث أنواع من الصراعات ، ( القومية والطائفية والحزبية ) ويتجلّى هذا الصراع بشكل واضح عند تكرار موسم الأنتخابات .
٢- المتضررون من هذا الصراع في كركوك هم ( العرب والتركمان )، لعدم وجود رؤية موحدة لدى المكونين ، ما يجمعهم في محور واحد ، بل أن التخبط في القرارات لدى قياديي الطرفين ، ونتيجة المنافسة في كل موسم أنتخابي ينقسم كل مكون الى قسمين على أساس طائفي ، فيزداد الطين بلة ، و تكون النتيجة (عربي/شيعي-سني) (تركماني/شيعي-سني) ، أضف الى ذلك المنافسة الحزبية التي تزيد من شقة الأنقسام ، والمنافسة المناطقية داخل الطائفة الواحدة والحزب الواحد .
٣- وهذا ماشهدناه في الدورتين السابقتين من الأنتخابات ، من المكونين العربي والتركماني ، عكس ما كان يجري لدى المكون الكردي ، الذي كان يضع جانباً الخلاف الحزبي والمناطقي ، عند كل موسم أنتخابات ، فكانت النتائج غلبة المكون الكردي في الأنتخابات البرلمانية والمحلية .
٤- لقد عانى كلا المكونين ( العربي والتركماني ) الويل طيلة الـ(١٥) عاماً السابقة من أجحاف وتهميش ومصادرة الحقوق والأنتهاكات والأغتيالات ، بسبب الأدارة الأحادية ، وضعف دعم الحكومة المركزية بل أنعدامها ، بسبب الوضع الذي كان يمر به البلد وخصوصاً بعد دخول داعش ، وأنشغال كلا المكونين بالتهديدات التي طالت أبناءهم وأراضيهم ،أبتداءاً من آمرلي الى الطوز وداقوق وأنتهاءاً بالحويجة والحدود المتاخمة لمدينة الشرقاط .
٥- لقد كان لدخول القوات الأتحادية الى كركوك يوم (١٦ أوكتوبر ) وبالطريقة التي شهدناها ( دون مقاومة ) نقطة أنقلاب تأريخية سبقت جميع الأنتصارات التي تحققت في معارك داعش ، وكان هذا واضحاً وجلياً خلال أحتفالات أبناء كركوك التي أستمرت لأسابيع ، وكان الجميع يرددون ( أن تأريخ ١٦/أوكتوبر هو التأريخ الحقيقي للتحرر بالنسبة لأبناء كركوك )
( وأن السيد العبادي … والحشد ، قد حققوا المعجزة )
وبشغف وشوق ، حقق أبناء كركوك ، أمنيتهم عندما تجمعوا أمام مبنى المحافظة ورفعوا العلم العراقي .
٦- أعتقد من الأجحاف أن تضيع ثمرة هذا الأنتصار ، وبالذات في كركوك ، ونترك المكونين الرئيسيين اللّذيْنِ توحّدا وتقاربا ولأول مرة بعد ( ١٥ ) عاماً ونتركهما ضحية أجتهادات القادة المحليين للأحزاب ، الذين يحاولون أعادة أسس الأنقسام السابقة نفسها ، منطلقين من مآرب شخصية أو حزبية أو مناطقية ضيقة ، ظناً منهم بأن هذا هو السبيل الوحيد لكسب المواقع وأسترداد الحقوق ، وهم بذلك يعيدون نفس الخطوات السابقة التي قادتهم الى الفشل وضياع حقوقهم وعدم تحقيقهم النصاب الذي يستحقونه .
٧- هنالك قناعة حقيقية لدى أبناء كركوك من كلا المكونين (العربي والتركماني ) وقسم من أبناء المكون الكردي ، بأن كل الذين كانوا يدورون في فلك الأنفصال من المركز ، سواءاً كانوا من المُنادين بالأنضمام الى أقليم كردستان ( الأنفصاليون ) أو المحسوبين على داعش ( المعارضون للحكومة المركزية ) ، هم الخاسرون ، وأن الضمان الحقيقي للتمتع بالحقوق الكاملة ، هو أتباع الحكومة المركزية ، وهنالك رغبة صادقة بالتقرب منها ولكن المشكلة …..!!! من سيمثل الحكومة المركزية في الأنتخابات في كركوك ؟؟؟؟؟
٨-يجب درج الحقائق التالية :-
التحالفات بدأت تأخذ نفس المنحى السابق ، وأن الأحزاب شرعوا بتكرار نفس الأخطاء ، وكل حزب لديه ما يقدمه لتبرير موقفه ، فبدأت ملامح التقسيم تلقي بظلالها على الواقع ، حيث شرعت الجبهة التركمانية والأحزاب المؤتلفة معها برفع شعار ( أن معركتنا معركة وجود قومي وليس طائفي ، ويجب الألتفاف حول هذا المحور ) والأغلبية من التركمان مع هذا التوجه ، وشرع القسم الآخر من التركمان بالألتفاف حول تحالف ( الفتح ) وتحت شعار ( لن نكون ناكري جميل وأننا سنصوت لصالح الجهة التي أستقدمت أبن الجنوب والوسط لتحريرنا ولن نكون داعمين لقائمة مدعومة أقليمياً !!! ) ، وكذا الحال للمكون العربي الذي من المتوقع أن يشمله التقسيم ما بين تحالف ( الفتح ) مقابل الأحزاب المؤتلفة تحت عنوان المكون السنّي المناهض للكتل الشيعية ( المدعومة أقليمياً !!!! )
٩-مع وجود الرغبة لدى الأغلبية بالتمسك بالحكومة المركزية والرغبة بالتقرب الى من يمثلها ، ينبغي أن يكون أئتلاف ( النصر ) وبالذات في كركوك بعيداً عن أية صبغة قومية أو طائفية ، وإن كتب لهذا الأئتلاف التوفيق بالنزول في قائمة واحدة تضم مختلف الأحزاب ، فلا يجب توكيل أدارة وقيادة الأئتلاف لأي حزب محلي في كركوك لأن ذلك سيؤدي الى نفور الآخرين ، بل يجب التعامل بالتساوي مع جميع الأحزاب التي ترغب بالدخول ضمن أئتلاف النصر ، وتلك مهمة عسيرة !!!!! .
١٠- تبقى النقطة الأساسية في القضية هي أن على قائمة جبهة تركمان كركوك ( بأعتبارها صاحبة القاعدة الجماهيرية الكبرى ) أن تبادر الى ضم القوائم الأخرى ( النصر والفتح ) أو التحالف معهما بقائمة واحدة ، وعدم تجاهل الموضوع ، لكي لا تخسر قسماً من جمهورها من المكون التركماني الشيعي ، دون النظر في الخلافات الأخرى ، لسببين رئيسيين ، الأول لكون قائمة (النصر) الأوفر حظاً في الفوز في عموم العراق والمدعومة دولياً ، وأن التركمان بحاجة الى التقارب مع ممثلي الحكومة المركزية ودعمهم ، والثاني أن قائمة ( الفتح ) هي الأخرى من القوائم التي تمتلك الحظ الأوفر بالفوز في عموم العراق ، وأنهم يمتلكون مفاتيح لا تتوفر عند الآخرين .
وينبغي على الحكماء أدراك هذه المعايير وعدم تجاهلها ، وعدم الأصرار على حث الجماهير على تجاهل القوائم الأخرى ( النصر والفتح ) على أساس أنهم لا يمثلون التركمان ، بل هم موجودون ويمتلكون قاعدة جماهيرية ، ولديهم قناعة ، ولديهم شهداء ، ولديهم أصرار على أيصال مرشحيهم ، بل أن ترك الأمور سائبة هكذا ، سيلحق الضرر بالجميع .
مادام الوقت المتبقي يسمح بالمجازفة ، وهذه المجازفة تستحق المحاولة ، ما دمنا ندرك أستحالة تشكيل تحالف بين القوائم العربية والتركمانية .