16 نوفمبر، 2024 11:50 ص
Search
Close this search box.

تصورات الأمة المعاصرة

تصورات الأمة المعاصرة

تصورات الأمة المعاصرة: دراسة تحليلية لمفاهيم الأمة في الفكر العربي الحديث والمعاصر
المؤلفون/ ناصيف نصار
​فيلسوف وباحث في الاجتماعيات، ساهم في وضع الأسس الوطيدة لمدرسة عربية في الفلسفة منبثقة من مشروع نقدي تحليلي يتجه إلى نهضة عربية ثانية. حائز شهادة الدكتوراه في الآداب من جامعة باريس (السوربون). عميد سابق لكلية الآداب ومعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية. نال جائزة سلطان العويس (2000). صدر له عشرات الكتب والدراسات.

حين ألّف الباحث اللبناني ناصيف نصار كتابه تصورات الأمة المعاصرة: دراسة تحليلية لمفاهيم الأمة في الفكر العربي الحديث والمعاصر ، الصادر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (الطبعة الثالثة، 528 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا)، جعل محوره تصوّر الأمة في الفكر العربي الحديث والمعاصر. وليس المقصود بتصوّر الأمة هنا التصوّر المنطبق على الأمة العربية وحدها، بل أي تصوّر نظري للأمة من أجل معرفة أشد مطابقة للواقع من المعرفة الأيديولوجية الخاصة بالقومية العربية.

حلل الباحث نصوصًا طرحت تعريفات للأمة، صراحة أو ضمنًا، أو نصوصًا قدّمت أي عنصر يمكن استغلاله لتركيب تصوّر معين للأمة، فتبيّن له أن ما أنتجه الفكر العربي الحديث والمعاصر من تعريفات للأمة يتوزع إما على التصورات الدينية وإما على التصورات اللغوية وإما الإقليمية وإما السياسية التي تجعل من الدولة المحدد الأساس الأول للأمة.

التصورات الدينية للأمة
يضم الكتاب ثلاثة أقسام، في القسم الأول، التصوّرات الدينية، ثلاثة فصول. في الفصل الأول، التصور الديني التوفيقي، يفصّل نصار التصور الديني التوفيقي للأمة الذي هدف إلى إحياء قدر معين من الوحدة بين المسلمين، نظرًا إلى تعذر تحقيق الوحدة الشاملة التامة بينهم، ويقوم على إرادة إخراج المسلمين من وضع الانحطاط والتفكك، باستلهام الأنموذج الأصلي لوحدتهم، وبالنظر إلى إمكانات تحركهم نحو الوحدة. وهو توفيقي لأنه صادر عن اقتناع أن الأنموذج الأصلي لوحدة الأمة الإسلامية لا يمكن تحقيقه مرة ثانية، إلا بمواجهة التعدد المذهبي والتعدد القومي أو الوطني، وتحدي الحضارة الغربية الحديثة.

في الفصل الثاني، التصور الديني السياسي، يرى نصار أن التصور الراديكالي المثالي للأمة ناتج من نظرة سلفية راديكالية مصممة على تجاوز الواقع في اتجاه بعث الوحدة الإسلامية الشاملة. والمعبّر الأقوى عن هذه النظرة الراديكالية هو جماعة الأخوان المسلمين الموصوفة بحق أنها كبرى الحركات الإسلامية الحديثة. وبحسبه، يستطيع المؤرخ تركيز بحثه على فكر جماعة الإخوان المسلمين من دون التنبه إلى الصلات العميقة التي تربط هذا الفكر بتعبيرات شبيهة، بعيدة أو قريبة في التاريخ، ومن دون التنبّه إلى أن مسألة درجة الأصالة في التصور هي إحدى المسائل التي ينبغي اعتبارها في التاريخ العيني للفكر الاجتماعي فحسب، وليست بالضرورة المسألة الأهم.

في الفصل الثالث، التصور الديني اللاسياسي، يعني الباحث بهذا التصور ذاك الذي يرى أن وحدة الدولة ليست مقوّمًا ضروريًا من مقوّمات الأمة القائمة على رابطة الدين، “ويستتبع هذا التعريف القول إن تعدد الدول في إطار الأمة الدينية ليس مجرد تجزئة سياسية لهذه الأمة، وإنما هو مظهر لتعدد الجماعات، القومية وغير القومية، فيها، ومدخل إلى فهم الاختلافات والفواصل بين عامل الدين وعامل السياسة”. ويمكن وصف هذا المسلك بأنه واقعي نقدي؛ إذ وجد أن الواقع التاريخي العميق تخطى طور الوحدات الدينية الشاملة وطور تركيز الدولة على الدين، وترك الباب مفتوحًا لأشكال جديدة من الاتحاد في الدين.

التصورات اللغوية للأمة
يتألف القسم الثاني، التصوّرات اللغوية، من خمسة فصول. في الفصل الرابع، التصور اللغوي البسيط، يقول فيه نصار إن الشيخ حسين المرصفي قدم أول تعبير نظري صريح عن مقولة الأمة – اللغة في الفكر العربي الحديث. ويجد الباحث أن اللغة تظهر في كتابات بطرس البستاني ورفاعة الطهطاوي في عداد عوامل الهوية القومية، من دون أن تكون العامل الحاسم الذي يقرر نطاق الوجود القومي.

في الفصل الخامس، التصور اللغوي العنصري، يجد الباحث أن التصور اللغوي للأمة بين الثورة العرابية والاحتلال البريطاني لمصر والحرب العالمية الثانية تلوّن “بلون كان خافتًا في المرحلة السابقة في كتابات زعماء النهضة اللغوية والأدبية، وهو لون العنصرية. وشاع في هذه المرحلة الحديث عن العنصر العربي، إضافةً إلى اللغة العربية وخصائص أخرى يتميز بها العرب، حيث يمكن التوقف فيها عند ملامح تصوّر لغوي عنصري للأمة”.

في الفصل السادس، التصور اللغوي التاريخي، يقول نصار، باحثًا في أفكار ساطع الحصري، إذا كان التاريخ هو شعور الأمة وذاكرتها، وإذا كان يمكن استعادة الشعور والذاكرة بالعودة إلى تاريخها الخاص، فمعنى ذلك أن التاريخ تابع للأمة، يساعد في تحديد نوعية وجودها، لا على تكوين هذا الوجود أصلًا. واللغة هي قوام الجماعة التي تسمى أمة، وهي روحها وحياتها. والشعور والذاكرة بالنسبة إلى الأمة هما وجهان من وجوه الكائن الحي القائم الذي هو اللغة أو الجماعة الناطقة بها.

في الفصل السابع، التصور اللغوي الميتافيزيقي، يبحث نصار في فكر زكي الأرسوزي ليجد أن الدولة، مهما علا شأنها واتسعت وظائفها، تعمل من دون التدخل في الصميم الذي هو محراب العناية. ما يعني أن البعد الميتافيزيقي للأمة يقتضي ألا تكون الدولة في صلب مفهوم الأمة. ومن ينظر إلى علاقة الأمة بالدولة هذه النظرة، لا بد له من أن يصطدم بأولئك الذين ينكرون كل دور للعناية وللعوامل الغيبية في المصائر التاريخية للشعوب والأمم، ويبنون على هذا الإنكار أو ذاك الاختلاف موقفًا آخر من علاقة الأمة الواحدة بالدولة الواحدة.

في الفصل الثامن، التصور اللغوي السياسي، يحلل نصار مستندًا إلى أفكار نديم البيطار تصورًا للأمة يرفض أن تظل الدولة خارجًا عن مفهومها. فالدولة بحسب هذا التصور لا تأتي بعد الأمة، لا من حيث الكيان ولا من حيث التكوين. والدولة عامل رئيس من عوامل تكوين الأمة، إن لم تكن العامل الرئيس بامتياز.

التصورات الإقليمية للأمة
في القسم الثالث، التصوّرات الإقليميّة، أربعة فصول. في الفصل التاسع، التصور الإقليمي الوطني، يحدد الباحث التصور الإقليمي الوطني للأمة بأنه تصور لكيان الأمة وخصائصها مبني على تصور الإقليم الوطن، وتركيب تصور الإقليم الوطن يدل بذاته على أن المقصود به ليس المعنى الجغرافي وحده، وليس المعنى السياسي في المقام الأول والمباشر. يكتب: “الإقليم الوطن هو تلك الرقعة أو البيئة الجغرافية المتميزة والمعتبرة وطنًا لجماعة معينة تسكنها، وهو في رأي بعض المفكرين القوميين المحدد الأساس الأول للأمة. ومن هنا، يتبين أن محور النظرة الإقليمية الوطنية إلى الأمة والقومية هو العلاقة بين الوطن، كإقليم متميز جغرافيًا، والسكان الذين ينتمون إلى هذا الوطن ويشعرون بهذا الانتماء شعورًا يجعلهم يؤلفون جماعة واحدة، على الرغم من الفوارق القائمة بينهم”.

في الفصل العاشر، التصور الإقليمي السياسي، يبحث نصار في التصور الإقليمي السياسي للأمة، ويجده يجمع في نظرته إلى كيان الأمة وخصائصها بين عامل الإقليم وعامل الدولة. فالأمة في التصور الإقليمي السياسي تتحدد بالإقليم الوطن، وبالدولة الواحدة المتطابقة أرضًا تقريبًا مع حدود الإقليم الوطن، “ولما كان الوطن هو الجسر الذي يربط عامل الإقليم وعامل الدولة في الكيان العام للأمة، فليس من المستغرب أن يتركز التصور الإقليمي السياسي للأمة على معنى الوطن، وأن يبرز الجانب السياسي للوطن إلى جانبه الجغرافي الإقليمي”.

في الفصل الحادي عشر، التصور الإقليمي المتحدي، يقول نصار إن تصور أنطون سعادة للأمة جاء في سياق حاجات الدفاع عن الوطنية السورية ضد النزعات الطائفية والتيار القومي اللغوي والسياسة الاستعمارية التقسيمية للانتدابين الفرنسي والبريطاني. ما شعرت الوطنية المصرية بضرورة تطوير مفاهيمها الأساسية التي ورثتها من القرن التاسع عشر، لأنها كانت تتمتع بسيادة لا ينازعها فيها حقًا أي تصوّر قومي معارض. لكن سادت الأيديولوجيا القومية العربية في سورية ومصر منذ الخمسينيات، وانكفأت عن مصر بعد موت عبد الناصر. ما أوجد وضعًا جديدًا لم تستطع الوطنية المصرية تجاهله.

في الفصل الثاني عشر، التصور الإقليمي التكاملي، يرى نصار أن المرتكز المباشر البسيط لفكرة الشخصية الإقليمية هو اختلاف أجزاء الأرض، فالجغرافيا تصبح علمًا تركيبيًا شموليًا عندما تعالج الوحدات الجغرافية المتميزة على سطح الأرض بمعطياتها الطبيعية والبشرية كلها. والطابع التركيبي الشمولي لعلم الجغرافيا لا يظهر في شيء كما يظهر في دراسة الشخصية الإقليمية، لأن الإقليم هو الوحدة المكانية المتجانسة الكاملة والمثالية.

التصورات السياسية للأمة
في القسم الرابع والأخير، التصوّرات السياسية، ثلاثة فصول. في الفصل الثالث عشر، التصور السياسي البسيط، يظهر التصور السياسي للأمة باعتباره تصورًا بسيطًا: مجرد الانتماء إلى دولة والخضوع لحكومتها وقوانينها هو عنوان الانتماء إلى أمة، وإن كانت الدولة غير متجانسة التركيب لغويًا وعرقيًا وتاريخيًا ودينيًا. ولا ينطوي تصور الوطن على شيء يضاف إلى كونه شرطًا من شروط الدولة، فتصبح عملية اتساع الوطن وتقلّصه تابعة لاتساع الدولة وتقلّصها، ولا اعتبار لما يعرف بالحدود الطبيعية. أما حب الوطن وحب الأمة، فإنهما شعور حقيقي سليم. إلا أن هذا الشعور ليس ناتجًا من الألفة، ولا من الاقتران بين السكان والمكان، كما هو شائع. إنه وجه من وجوه الأنانية الموجودة في أصل الاجتماع الإنساني.

في الفصل الرابع عشر، التصور السياسي المتطور، يبحث نصار التصوّر السياسي للأمة عن التعمق في فهم مضامين عامل الدولة ومستلزماته. فكان من هذه الوجهة تصورًا متطورًا أو متبلورًا للكيان القومي المحدد بالدولة. ويعرض شكلين من الأشكال التي يمكن اعتبارها تجسيدًا عينيًا للتصور السياسي المتطور للأمة. الشكل الأول ظهر في لبنان، بعد اشتداد الجدل بين دُعاة القومية العربية ودُعاة القومية السورية ودُعاة القومية اللبنانية. والشكل الثاني ظهر في تونس، في سياق النقاش الدائر حول الهوية التونسية والانتماءين العربي والإسلامي.

في الفصل الخامس عشر والأخير، التصور السياسي الدستوري، يعبر التصور السياسي للأمة عن نفسه بالدستور أو بالرابطة الدستورية. عندما يتحدث الدستور عن الأمة، يتحدث باللغة الوصفية، وباللغة الأمرية. ويشكل حديثه المزدوج هذا قاعدة لإعلان وجود الأمة ولتحديد معالم شخصيتها من خلال الدولة التي يحدد نظام الحكم فيها. فالرابطة الدستورية هي رابطة وجود ورابطة سيادة. وعلى هذا الأساس، يشكل التصور السياسي الدستوري للأمة نمطًا خاصًا ضمن التصور الأيديولوجي العام للأمة، ماهية ووجودًا.

في ملاحظات ختامية، يقول نصار إن الأمة السورية كما تصوَّرتها الأيديولوجيا القومية السورية لم تتمتع بعامل وحدة الدولة كما تمتعت به الأمة المصرية وفقًا لما جاء في الأيديولوجيا القومية المصرية، “ومن هنا تشعبت المناقشة بين التصور الإقليمي للأمة والتصورات المعارضة له شعبتين، وأنتجت موقفين متباينين من قضية الدولة القائمة، ومن قضية العلاقة بين الدين والأمة والدولة أيضًا. فالأيديولوجيا القومية الإقليمية المصرية أقدر من الأيديولوجيا القومية الإقليمية السورية على المساومة مع التصور السياسي للأمة الذي ينطلق مما هي حاصلة عليه، أي عامل الدولة”.
المصدر/ المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة