جميل ومهم أن تتحوّل قضية الناشط المدني في مجال مكافحة الفساد الإداري والمالي، باسم خزعل خشّان، إلى قضية رأي عام. عدم حصول هذا سيعني وجوب قراءة سورة الفاتحة على المجتمع المدني والرأي العام الذي سيتبدّى خانعاً ومستسلماً لطاعون الفساد.
ومن دون تنزيه القضاء تماماً ممّا تعاني منه سلطات الدولة الأخرى من عدم الإنصاف وحتى من الفساد الإداري والمالي وضعف الاستقلالية، فإن القضايا من نوع قضية خشان يتحمّل المسؤولية العظمى عنها الحكومة ومجلس النواب أكثر من السلطة القضائية.
السيد خشّان انتقد هيئة النزاهة، ولطالما انتقدناها وردّت على الانتقادات بما يُقنع أحياناً وبما لا يقنع في أحيان أخرى، وفي كل الأحوال لم نشعر بحساسية مفرطة منها حيال الانتقادات إلى درجة أن ترى في “الطبخ على نار هادئة” قذفاً وتشهيراً (لا عجب إن كانت الأمور قد انقلبت بين ليلة وضحاها، فنحن في بلد لم تعدِ الحاسبات الإلكترونية قادرة على عدّ عجائبه وغرائبه).
الحكم بالسجن في قضية رأي حكم جائر للغاية، حتى لو كانت مدة السجن أسبوعاً واحداً.. الدستور كفل للعراقيين حريّة الرأي، والرأي يُردّ بالرأي، فإن تجاوز وأحدث ضرراً ما يمكن أن يكون الردّ في أقصاه بالغرامة الماليّة.. هذا هو السائد في البلاد الديمقراطية في المشارق وفي المغارب.
وعلى أية حال فإن مسؤولية الحكم الجائر على خشان وأمثاله من أحكام الرأي ، هي في رقبة الحكومة ومجلس النواب لأنهما مقصّران تقصيراً فادحاً في واجباتهما ومسؤولياتهما الدستورية. هذه الواجبات والمسؤوليات اقتضت منذ سنين إعادة النظر في قوانين نظام صدام وفي مقدمها قانون العقوبات.
ملايين العراقيين عارضوا نظام صدام وناضلوا في سبيل الخلاص منه بأي أسلوب وطريقة، ليس لخلاف شخصي مع صدام، بل لخلاف مع نظامه، والنظام، أي نظام إنّما يتجسّد في القوانين التي يضعها لإدارة الدولة والمجتمع، وصدام وضع قوانين على مقاسه بوصفه حاكماً دكتاتوراً.
عدم سعي الحكومات ومجالس النواب ٍالمتعاقبة منذ 2006 حتى اليوم لتشريع قوانين تُبطل قوانين الحقبة الصدامية وترك تلك القوانين لتبقى سارية المفعول، يضعان هذه الحكومات ومجالس النواب، بمَن فيها الحكومة الحالية ومجلس، النواب الحالي، في خانة فلول نظام صدام، ويصحّ بالتالي الدعوة الى محاكمتهم والى إطاحتهم، فالدستور حرّم فكر وممارسات البعث الصدامي، وها هي الحكومات ومجالس النواب المتعاقبة تمارس ممارسات البعث الصدامي بتطبيق قوانينه الجارية في هذا العهد المفترض أنه ديمقراطي!
الحركة الاحتجاجية المتواصلة ضد الحكم الجائر في حقّ الناشط المدني باسم خزعل خشّان من أجل مكافحة الفساد الإداري والمالي، يتعيّن أن يتسع نطاقها ويرتفع مستوى أهدافها وشعاراتها الى حدّ المطالبة بإلغاء قوانين صدام كلها وتشريع قوانين جديدة تجسّد المبادئ والقيم والأحكام التي جاء بها دستور 2005، وإلا فلتوقف الدولة كلّ دعاية ضد نظام البعث وكل قدح وذم في شخص صدام حسين، ولتُلغَ هيئة المساءلة والعدالة، فصدام لم يزل حيّاً يُرزق ونظام البعث باقٍ يجثم على الصدور بقوانينه التي تحكم بها محاكم العهد الجديد!