تتكرر بعض التعابير، والالفاظ، في سور القرآن، واياته. ولنا أن نأخذ على سبيل المثال، ما جاء في سورة الكافرون، من تعابير متشابهة الألفاظ في آياتها، لكنها تحمل معان متباينة. فقد جاء فيها قول الله تعالى ((قل يا ايها الكافرون *لا أعبد ما تعبدون*ولا انتم عابدون ما اعبد*ولا أنا عابد ما عبدتم *ولا أنتم عابدون ما اعبد*لكم دينكم ولي دين))الكافرون:6-1/.
وللسائل أن يسأل، عن تكرار ماورد فيها من تعابير متشابهة الألفاظ، ويأتي الجواب:أنها لم تتكرر فيها اية واحدة،اذا ما اعتبرنا ان كل اية منها تفيد من المعنى، وتحرز، مالا تفيده الأخرى لذلك التحرير. فكأنها متباينة الألفاظ، لتباين معانيها،مع جليل التشاكل، وعلي التلاؤم، والتناسب. شأن ذلك أنه ورد في سبب نزول هذه السورة، أن قريشا قالوا لرسول الله-صلى الله عليه وسلم أعبد الهتنا سنة، ونعبد الهك سنة، فأنزل الله تعالى السورة، فتلاها عليهم، وهم مجتمعون في المسجد.
فقوله:(لا أعبدما تعبدون)، أي لا أفعل ذلك فيما أستقبله من زماني ،ولا أنتم تفعلونه فيما يستقبل. وهذا اخبار من الله سبحانه وتعالى، عن اولئك العصبة، أنهم لا يؤمنون، وهم الذين قتلهم الله يوم بدر. فهذا اخبار بغيب. ثم قال:(ولا أناعابد ما عبدتم)، أي:ولا أنا متصف فيما مضى من عمري الى الان بعبادة الهتكم، ولا كنتم فيما مضى متصفين بعبادة الله سبحانه. فحصل من ذالك الاخبار عن حال مامضى، وتقدم منه -صلى الله عليه وسلم-ومنهم ايضا. فعبر عن أربعة أحوال متباينة، وهي حاله عليه الصلاة والسلام فيما يستقبل، وحالهم ايضا، فعبر عن هذه الاربعة باربع ايات فلا تكرار. /الاتقان في علوم القران:68/2
ومن جميل التعبير بالفعل، والاسم، مماجاء في سورة(الكافرون)، وهوقوله تعالى :(قل يا ايها الكافرون)، فأنت ترى أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-نفى عبادة الأصنام عن نفسه بالصيغتين:الفعلية، والأسمية (لاأعبد ما تعبدون)،(ولاانتم عابدون ما أعبد)، بالفعلين، المضارع، والماضي :(تعبدون)و(عبدتم)، ونفى عن الكافرين العبادة الحقة بصيغة واحدة مرتين، هي:الصيغة الأسمية:(ولاأنتم عابدون ما أعبد). ومعنى ذلك، أنه نفى عبادة الأصنام عن نفسه بالصيغتين الاسمية، والفعلية، أي :في الحالتين الثابتة، والمتجددة، وفي جميع الأزمنة. وهذا غاية الكمال/ينظر:التعبير القراني، أ.د فاضل صالح السامرائي:29.