الأسرة تعتمد على قطبين أو حدين : أولهما اهتمام الاباء بالأبناء وتربيتهم ومن ثم اهتمام الأبناء بالإباء حين الكبر والضعف ، وعند اختلال أحد القطبين سوف تنتهي الأسرة ، لأنها المركز ما بين هذين القطبين ، وكأن العملية تبدأ بالعطاء وتنتهي بالجزاء وإذا فُقِدَ أحد جناحي الأسرة فأن الاسرة لا يمكن لها أن تطير في هذه الحياة نتيجة الصعوبات والتحديات التي تواجهها ، مع فقدان أحد جناحي الأسرة وخصوصاً البر بالوالدين سيعمل الإنسان على تدمير النواة أو اللبنة الاساسية في بناء المجتمع مما يؤدي الى نهاية المجتمع ككل ، وهذه أكبر كارثة تواجه الإنسانية اليوم ، لهذا يحاول المجتمع ككل تبني وظيفة الأبناء في الاهتمام بالآباء عند الكبر والضعف ، من خلال بناء دور العجزة وجعلها تحتوي على كل ما يحتاجه كبار السن (الآباء) وتقديم لهم كل التسهيلات من أجل قضاء باقي ايام حياتهم في سعادة ويسر ، ولكن هذه العملية عرجاء لا يمكن لها أن تقدم الجزاء الحقيقي الذي ينتظره الآباء من أبنائهم لأنها فارغة من الرحمة والعطف الحقيقيان اللذان يربطان أعضاء الاسرة وخصوصاً الآباء بالأبناء ، قال الله سبحانه وتعالى (وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب أرحمهما كما ربياني صغيرا )..(1)، والجدير بالمجتمع أن يعمل بما يقدر ويستطيع بما يملك من أدوات ضغط وإغراءات من أجل إعادة بر الأبناء للآباء لأنها الطريقة السليمة و الوحيدة لتقديم الجزاء اللائق للآباء من قبل الأبناء وإلا فكان العقوق ، وقد حارب الإسلام عقوق الوالدين اشد المحاربة حتى جعلها العلامة الكبرى لمعرفة الطريق الذي يسلكه الأبناء أهو طريق الجنان أم طريق النيران قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)( كن باراً وأقتصر على الجنة وأن كنت عاقا فأقتصر على النار )…( 2 ) ، وعن الإمام الباقر عليه السلام ( ثلاث لم يجعل الله تعالى فيهم رخصة : الأمانة الى البر والفاجر والوفاء بالعهد للبر والفاجر وبر الولدين برين كانا أو فاجرين )…(3) ، ولخطورة عملية العقوق للوالدين في تدمير الأسرة والمجتمع فقد أكد الإسلام على تجنبها والابتعاد عنها وقد حذر الإنسان منها من خلال إظهار نتائجها في الدنيا قبل الآخرة لأنها العقبة الكبرى في بناء الأسرة السعيدة التي أرادها الله سبحانه وتعالى للبشرية قال الإمام الباقر (عليه السلام)(ثلاثة من الذنوب تعجل عقوبتها ولا تؤخر الى الآخرة عقوق الوالدين والبغي على الناس وكفر الإحسان) …(4 ) وسوف تدفع هذه العملية (دور العجزة) مستقبلاً بالأبناء أن يتركوا بيوت اباءهم قبل أن يصبحوا مؤهلين لمواجهة إغراءات الحياة وصعوباتها نتيجة فقدان الرحمة والعطف تدريجياً في الأسرة وبالتالي المجتمع نتيجة التغاضي أو الإهمال في إعطاء الاهتمام للإباء حين الكبر، وقد رفض الإسلام رفضاً قاطعاً عقوق الاباء للأبناء قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)( يلزم الوالدين من العقوق لولدهما إذا كان الولد صالحاً ما يلزم الولد لهما)…( 5 ) وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)( لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما ورحم الله والدين حملا ولدهما على برهما ) …(6) ، لأن عملية بناء الاسرة تعتمد على التوازن في العطاء والجزاء فإذا أختل هذا التوازن من خلال فقدان أحدهما أو ضعفه فسوف يظهر على بناء الأسرة ومن ثم المجتمع وخصوصاً الجزاء اي الاهتمام بالآباء حين الكبر ، لأن عطاءهم متقدم من خلال سبب تكوين نطفة خلق الأبناء وقد أعطوا لحياة أبناءهم والأبناء يعطون مع انتظار موت إباءهم وشتان ما بين الاثنين لهذا جعل الله سبحانه وتعالى البر للوالدين قرين توحيده وعبادته وشكره قال الله سبحانه وتعالى( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)..( 7) وقال تعالى ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا )…( 8) وقال تعالى (أن اشكر لي ولوالديك )…( 9) والتوحيد والعبودية والشكر هم الغاية الكبرى لخلق الإنسان قال الله سبحانه وتعالى ( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون )…. (10) ، أي تهرب الأبناء من البر لأباهم كتهربهم عن عبادة الله سبحانه وتعالى وهذا نتيجته تعاسة الدارين وتدمير الأسرة ثم المجتمع .
(1) الإسراء آيات 23-24(2) الوافي ج3ص155(3) الوافي ج3ص93(4) بحار الأنوار ج4ص23 (5) الوفي ج14ص50 (6) الوافي ج14ص50(7) سورة الإسراء آية 23(8) سورة النساء آية36(9) سورة لقمان آية 14(10) سورة الذاريات آية 56