يبدوُ أن الكيانات السياسية فقدت قدرتها على عرض عضلاتها وابداعاتها ورشاقة حركاتها الخرافية للناخبين على أرض مستوية صلبة ، فراحت ترقصُ في الفراغ باستعراضات بهلوانية عجيبة غريبة بعدَ أن وجدتْه أفضل مكان لها للتحرّر من قواين نيوتن الحركية ، وقانون الجذب العام لأنشتاين ، وقوانين الرقص السياسي الطبيعي . كما وجدتْ فيه فرصة كبيرة لها لتغيير اتجاهاتها بسرعة فائقة بمسارات عشوائية لا يحكمُها قانون ولا منطق ٌولا عقلٌ . فالرقصُ في الفراغ يتيحُ لها حريّة التخبط يميناً وشمالا وصعوداً ونزولا بحثاً عن فرصةٍ غير متوقعة – لا علمياً ولا فكريا ولا آديولوجيا – تستطيع من خلالها شدّ الأبصار اليها وجذب البسطاء من جمهور الناخبين . ولعلها تجدُ في هذا الفراغ المشحون بالتناقضات ما يُتيح لها الالتحام مع كيان آخر أو بعض الكيانات الراقصة على ايقاعات ( هذا ليْ … وهذا لك ) دون التفكير ولوْ للحظةٍ واحدة بطبيعة أواصر الالتحام غير المنسجمة – لا تفاضلا ولا تكاملا – ممّا يجعلها مُعرضة للانهيار والتفكك والعودة للرقص من جديد باتجاه آخر . وهذا الاسلوبُ البهلواني يقودنا للاستنتاج المنطقي أنّ الكيانات السياسية جميعها – جماعات وأفرادا – عجزتْ تماماً عن السَّير بخطوات ثابتة متزنة على طرقٍ واضحة المعالم ، كما فشلتْ أيضا عن فرض هيبتها على الواقع الملموس لافتقارها لأساسيات العمل السياسي المعمول بهِ في الدول الديمقراطية المتطورة ، ولكون غاياتاها مجرّدَ غايات وصولية نفعية مصلحية بعيداً عن هموم الوطن والمواطنين . ويبدوُ أن لجوءها الى الرقص في الفراغ لا يضمنُ لها الأمان الكافي من الهبوط السريع ، فقد يكون لقانون التسقيط المفتعل تأثيرٌ عليها حتى لو كانت ترقصُ في مثل هذه الأجواء الفنطازية البنفسجية . وأرى أن الرقص في الفراغ لن يتوقف حتى وان هدأ بعض الشيء لأن الكيانات السياسية لا تملك الأقدام القوية لاظهار فنونها على مسرح الأحداث بمنتهى العزيمة والثقة ، بل سوف تعود من جديد بعد اجراء الانتخابات للقفز بما تملكه من قدرات آنية في الفراغ المفعمِ بالغزل السياسي الماكر بحثاً عن حضنٍ دافيء يضمن لها زواجا منقطعا حتى لو لبضعة أشهر يحقق لها حملا موفقا تقرّ به عينيها .