موطني..موطني
وقف الطفل الجميل أمام المحتفلين، ثبّت عريف الحفل المايكروفون أمام فم الطفل الذي راح يداعب أخيه الأصغر ببراءة. القاعة تغّص بالأطباء الجالسين على كراسي وثيرة مع عائلاتهم. كنت قبل قليل قد عبرت نهر التايمز على جسر تسطع أنواره في ليلتنا الباردة هذه قاصدا قاعة الحفل. أطفأت الأضواء فراح الطفل يغني ” موطني.. موطني..” وعلم بلادي يخفق وراءه على شاشة بيضاء..بيضاء ناصعة. بعد برهة من الزمن ظلّ موطني لحنا تعزفه أوتار القلوب وظلّ الطفل يداعب أخيه الصغير ببراءة ناصعة البياض كندف الثلج الذي ملأ المكان.
شارب ولحى
مهرجان اللحى والشوارب على قدم وساق في لاس فيغاس. دفعت 10 جنيهات اليوم حتى أدخل هذه المسابقة لأجمل لحية وشارب. تحدّاني صديقي أن شاربه سيكون على شكل شارب الرسّام سلفادور دالي، وأن فكرته مبتكرة وهو الذي سيحقق الفوز. رجل طاعن في السن جعل من لحيته عشا للغراب، ووضع نظارة سوداء كبيرة تغطي نصف وجهه لجلب الأنظار. أحدهم كان معي في الصف الطويل، لبس تنورة ملوّنة وراح يمسّد شاربين أمتدا ليكونا على شكل نوتة موسيقية بخطوط عرجاء شاذة.
المسابقة على وشك البدء في الهواء الطلق وتحت أشعة الشمس الحارقة، والحلم يراودني أن يخرج الشارب العربي فائزا هذه المرة.
هذه المرة يا رب..ألا يستحق شارب العرب الفوز يوما على شوارب العالمين؟!.
صباح
لم تكن المسافة بين نادي الأعظمية الرياضي وبيتي في محلة هيبت خاتون بعيدة. أذهب وأجئ كل يوم على دراجتي الهوائية أكثر من مرة، وأقصد بائع الجرائد عطا باحثا عن جريدة الملعب الرياضية. قرّر أبي يوما أن يشتري جريدته من “صباح” هذا الرجل الضرير، بائع الصحف الجوّال. يسرح ويمرح “صباح” في شارع المحلّة كل يوم، حاضنا الجرائد الى صدره ، ووجهه الملتحي يبتسم للمارة. يطرق الأبواب أحيانا لبيع الجريدة، وفي أكثر الأحيان يصيح بصوت أجش: جريدة الملعب.. آخر الأخبار..
صباح أبو الجرائد، لم يأت طيلة الأيام العشرة الماضية، لم يره أحد قرب نادي الأعظمية الرياضي. كان فتية الشارع الكسالى يضايقونه بكلمات جارحة. أحدهم سمعته يقول أن “صباح” قد دهسته سيارة شرطة مسرعة عندما راح يعبر الشارع ناسيا عصاته قرب رصيف تناثرت عليه أوراق جرائد قديمة. آخر قال أنما هو ترك المحلة بعد أن ضاق عليه الرزق وتمادى في غيهّم الكسالى.
لم تعد محلة هيبت خاتون كما كانت قبلا.
مدينة ما
هي: تنتظره على قارعة الطريق في شارع المدينة الضيق.
هو: لا زال مع أصدقائه قرب محلات الشربت المحلى بالدارسين في مركز المدينة المزدحم.
هي: قررّت أن تغادر المكان بعد خمس دقائق.
هو: لا يبدو عليه الأنزعاج..يدلف مع أصدقائه حيث مطعم صغير في ركن الشارع.
هي: بدا عليها التعب..محبطة تنزع باروكتها السوداء لتلبس أخرى ذهبية اللون، وتروح تصعد في أول سيارة تقف لنقلها حيث “شارع الهوى” في مدينة بدأ يلفّها السكوت المقيت.