ايام زمان كثيرا ما كنا نسمع في البيت او خارجه “خلي الراديو على اذاعة لندن ” حتى نسمع ” بغ بن” ونضبط ساعتنا ، ويربطون بين العمل المتقن وهذه الساعة اي انها اصبحت مضربا للامثال ، لانها لا تقدم ولا تؤخر واشتهر اهلها بالانظباط والدقة في حياتهم .
يوم الخميس كرروا انظباطهم والتزامهم ودرسهم في مورد آخر ، فقد تاخر وزير التنمية البريطاني مايكل بيتس خمس دقائق عن موعده في الاجابة على استفسار في مجلس اللوردات ، فقدم استقالته فورا، وعلى الهواء حتى ان المجلس الذي كان واقفا في حظرته احتج على هذه الصرامة التي يشهد لهم بها . سيسجل ذلك في التاريخ لندرة الموضوعة ويضاف الى الساعة الشهيرة ، في ثقافة الاعتذار والاستقالة. وهو مثال ليس الاول من نوعه ليس في بريطانيا وانما في بلدان عديدة .
المفارقة، في الوقت الذي كان يبث هذا النبأ بث خبر اخر عن مثول وزير الكهرباء
العراقي قاسم الفهداوي بعد ان فشل موعد استجوابه لثمان مرات متتالية وتهرب زميله رئيس ديوان الوقف الشيعي علاء الموسوي من الاستجواب وطعن وزير التعليم العالي في شرعية دعوته للمساءلة في مجلس النواب وقبلهما وزير الخارجية ووزير التخطيط ، والحق يقال هذه سمة عامة لا تقتصر على مكون معين من مكونات المحاصصة ، بل تتصف احزاب الاسلام السياسي عموما بها ،اضافة الى الان لم يجر التصويت على القناعة من عدمها عل اجوبة وزير الاتصالات في محاولة للتميع وتبديد الروائح الفاسدة التي تزكم الانوف .
الواقع نحن نقارن بين العراق وبريطانيا من باب قوة المثل والحضارة والعراقة في احترام القانون جوهرا وشكلا وللعلاقة التي لم نستفد ونتعلم من ارثها وبين سوء المثل والبداوة ،وحتى هذه لم نتمسك بها فالبدوي اذا مسك شاربه واعطى وعدا اوفى واغلب سياسينا كانت وعودهم كاذبة ولم يرف لهم طرف جفن ، والقانون اصبح متله مثل كيس النفايات يمكن ان يرمى بسلة المهملات اذا ما تعارض مع المصالح .
لندن مدينة ليست اسلامية ، ولكنها تمكنت من بناء قيم ومبادىء لشعبها المتعدد الاعراق والاجناس والاديان في وحدة صلدة على اسس المدنية ، وبالمناسبة ليس لدى بريطانيا دستور، وانما تحكمها اعراف وتقاليد متوارثة لها قوة القانون … وياحسرتنا على الدستور العراقي المكتوب الذي لا يمتثل له الا بالتوافق والمساومات واحيانا يضرب عرض الحائط ليس من قبل المواطنين العاديين ، وانما من النخب السياسية وممن كتبوه .
نتمنى على المسؤولين في الدولة والاحزاب على حد سواء ان يتعملوا من هذا الدرس البريطاني في احترام النفس والكف عن التبرير للاخطاء والجرائم والتنصل عن مسؤوليتها ، لاسيما جرائم الفساد المالي والاداري وانتهاكات حقوق الانسان وغيرها .
ان الاستقالة نادرة في بلادنا بل ان السمة التي يتميز بها المسؤولون التشبث بالمناصب ، لانهم عندما يتولونها يصبحون طينة خاصة من البشر لا تلزمهم الاخلاق والعدالة والمساواة بشيء ، تنفتح لهم ابواب الحلال والحرام ينتقلون الى فئة اجتماعية اخرى خلال شهور، ويهملون واجباتهم لا حسيب ولا رقيب ،وذلك لان حكومتنا تقوم على المحاصصة الطائفية والعرقية وتقاسم المغانم ، كما تعمل احزابنا بمبدأ الجاهلية الشهير “انصر اخاك ظالما ومظلوما ” .ان الوزارة تشكل مكسبا يسيل له لعاب الكثيرين وفي تاريخنا ما بعد التغيير ، لم يرفضها الا المرحوم الدكتور سالم عبيد النعمان واستقال منها هاشم الشبلي ومحمد توفيق علاوي بارادتهما وخيارهما .
الطموح لدينا ان تمتد ايضا ثقافة الاستقالة والاعتذار ، يوما ما ،الى قادة الاحزاب والتجمعات والحركات الذين تحولوا الى ملوك في منظماتهم وفوق انظمتهم الداخلية ، انهم رؤوساء عشائر لايعترفون بفشل ويستمرون بخداع اتباعهم في تبرير الاخفاق ويزوقونه للمخدوعين بقياداتهم الفاشلة .
اغلب الظن عندما استمع هؤلاء الى الوزير البريطاني لعنوه سرا وعلانية واتهموه بما هو ليس فيه ن ، وانما بما هم متلبسين فيه ويمارسوه .
نحن بلد يحكمه ساسة فاشلو ن لا يستحون من انفسهم قبل الاخرين ولا يرغبون في التعلم كيف تدار الاوطان ، ليس من نهاية مع هؤلاء الذين يشيحون بوجوههم عن صور الحقائق الا بازاحتهم والفرصة سانحة وقائمة لتغييرالكثيرمنهم في الثاني عشر من ايار المقبل حينما نجري انتخاباتنا .