التوجهات الفكرية والسياسية في الساحة الانتخابية العراقية محددة، وهي موزعة بين قوى دينية مع الأخذ بنظر الاعتبار الانقسام المذهبي واُخرى عرقية تلبي رغبات قومية خصوصا للاقليات وثالثة متحررة من التوجه الديني تسمى علمانية او مدنية. اما السياسية فلا تعدو كونها اما انحيازا لمحاور خارجية او محاولة لتكوين تيار مستقل عن الترويكا السياسية المسيطرة.
المتأمل من الخارج لهذا المشهد يستنتج منطقيا وجود تحالفات معدودة تعكس هذه القنوات الرئيسيّة، انما الواقع يخالف هذا الاستنتاج المنطقي بشكل حاد فترى في اتجاه فكري واحد توجد احزاب او تحالفات انتخابية كثيرة جدا تفوق حالة الأجنحة المتعارف عليها داخل التشكيلات السياسيّة.
هذا التعدد غير المنطقي بما يفوق المئتين حزب يعكس أمورا ثلاث الاول حالة انعدام الثقة بين هذه الأحزاب والثاني يُظْهِر حالة ارتفاع منسوب الانانية لدى مؤسسي هذه الأحزاب و ثالثا ينم عن غياب الكفاءة بل المهنية في إدارة التنافس الانتخابي ولعل العشوائية هي المعلم الابرز في هذه الصورة الانتخابية.
كل هذا يجتمع ويقدم سببا مقنعا جدا للناخب في العزوف عن صناديق الاقتراع لانه يرى فوضى لا يمكن فهمها وبطبيعته الانسانية الفطرية فهو على حق اذا آمن بان الفوضى يستحيل ان تنتج حلا نظاميا وان الخيار العقلائي هو الابتعاد عنها واختيار السلوك الأصح المترتب على هذا الخيار وهو عدم المشاركة في الانتخابات.
وعلى الرغم من صحة هذا الاستنتاج من قبل الناخب الا انه ليس الحل أيضاً بل ليس بحل صحيح. فلا يمكن ترك الحل الأفضل بجعل صندوق الاقتراع هو الفيصل في حل الخلافات فالانتخابات هي من افضَل الحلول السلمية التي اقترحتها البشرية وبها بلغت الامم المتمدنة ما بلغت من رقي وحضارة.
لكن حث الناس على المشاركة والاختيار ليس مهمة الناخبين بل مهمة المشاركين في الانتخابات من احزاب وقوى وشخصيات وعليها ان تقدم صورة واضحة للناخب ليقتنع بوجود أهمية لصوته.
تعدد الإسلاميين داخل المذهب الواحد وتعدد المدنيين داخل العلمانيين وادعاء الكل للهوية الوطنية العابرة المحاصصة والطائفية يجعل من الناخب يقول وهو غير ملوم في ذلك: ان الكل بمستوى واحد وهم واحد وان تنوع الخطاب وتغيرت الأشكال ولن يتغير شئ. وعلى الرغم من ان الحكم بالتعميم خطأ كبير في كل وقت ودائما هناك أشخاص وربما جهات فعلا مختلفة ولا تمثل خياراً سيئاً وهذا تمامامثل القول كلهم حرامية الذي يمثل صورة معبرة عن الواقع وهو ربما القاعدة ولكن لا يوجد احد بقادر على نفي الاستثناءات وهي ليست قليلة لكنها ضائعة وقد اثبتت المحن وجود هذه الاستثناءات بوفرة ولعل التصدي للارهاب الداعشي أفضل دليل على وجود هذه الاستثناءات .
ان المواطن يبحث عن تغيير واذا لم يقتنع بحصول تغيير من تصويته فلن يذهب لينتخب. فعلى من يريد ان يغير قناعة الناس بالعزوف عن المشاركة ان يغير اولا من صورة الانانية والتمزق ليثق الناس به بدلا من العزف على أسطوانة البعث الذي احسن استغلال الفشل والفساد من قبل والان الأنانية والتمزق لبلوغ مآربه.