16 نوفمبر، 2024 1:32 م
Search
Close this search box.

البحث عن الدولة: تنظيمات القاعدة تحكم ليبيا

البحث عن الدولة: تنظيمات القاعدة تحكم ليبيا

إعداد/ مختار شعيب
أصبحت التنظيمات الليبية المسلحة التي تنتمي لفكر السلفية الجهادية المنتشرة خاصة في شرق وجنوب غرب البلاد، بارتباطاتها بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب والصحراء الكبرى، تمثل خطورة كبيرة ليس فقط على أمن دول جوار ليبيا، وإنما على مستقبل ليبيا كدولة, خاصة وأنها تعمل خارج سيطرة الحكم المركزي كما في المنطقة الشرقية وسبها ومصراتة، ولتنظيم القاعدة وجود قوي في ليبيا، عبر ثلاثة نماذج مختلفة من أخطرها, جماعة أنصار الشريعة المرتبطة بالقاعدة والتي دخلت في مواجهات عسكرية طاحنة مع الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر بمنطقة بنغازي, وحتى اللحظة، عجزت عملية الكرامة التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر في الحد من القدرات المتنامية لتلك التنظيمات، وخاصة تنظيم أنصار الشريعة الليبي, والذي أقام بالفعل النواة الأولى لدولة الخلافة الإسلامية في ليبيا، وتحديدا في مدينة درنة منذ العام 2012 حيث تطبق هناك أحكام “الشريعة الإسلامية” تطبيقًا حرفيًا.

وبعد إعلان تنظيم أنصار الشريعة سيطرته بالكامل على منطقة بنغازي الليبية، وإعلانها إمارة إسلامية، تدخل ليبيا نفقا مظلما وحربا أهلية حقيقية بين أنصار التنظيمات المتطرفة والمرتبطة فكريا بتنظيم القاعدة من جانب وبين مؤسسات الدولة الليبية الجديدة، وخاصة الجيش والشرطة في الحرب ضد هذه التنظيمات الإرهابية المسلحة، والتي استهلها اللواء المتقاعد خليفة حفتر على عدد من الفصائل المتمركزة في مدينة بنغازي منذ الجمعة 16 مايو الماضي, وتدور حتى كتابة هذه السطور معارك طاحنة بين الجانبين في عدة مدن ليبية، حيث سيطرت أربعة فصائل مسلحة أغلبها ينتمي للقاعدة على حدود ليبيا مع تونس والجزائر, أما جماعة أنصار الشريعة التي تنتمي للقاعدة أيضا فتسيطر على عدة مناطق في شرق ليبيا، من بينها بنغازي وسرت ودرنة، حيث بسطت هذه الجماعات نفوذها على المنطقة، وباتت تحت إمرتها بعد أن قامت ميليشيا أنصار الشريعة بالتعاون مع ميليشيا درع ليبيا الإخوانية، والتي يقودها وسام بن حميد بالهجوم على معسكرات القوات الخاصة التابعة للجيش الليبي في مدينة بنغازي 28 يوليو الماضي, وأكد “مجلس شورى ثوار بنغازي”، وهو مظلة لجماعات متشددة أبرزها أنصار الشريعة, وميليشيا درع ليبيا, و17 فبراير, وراف اللـه السحاتي: “صرنا القوة الوحيدة على الأرض في بنغازي”، وأعلن زعيم أنصار الشريعة محمد الزهاوي, ووسام بن حميد، أحد أبرز معاونيه، عدم التوقف قبل “إقامة حكم اللـه” ودعا الزهاوي في نفس السياق المشايخ والقبائل “إلى إقامة الشريعة صراحة والعمل على ترسيخها في الحكم”، داعيا إياهم إلى “التبرؤ” من العملية التي يقودها اللواء حفتر, وبالتزامن مع معارك بنغازي بدأت معركة السيطرة علي طرابلس وخاصة مطار العاصمة بين ميليشيات الإسلاميين وخاصة مصراتة المدعومة من قوات دروع ليبيا الإخوانية، وتتراوح أعدادها ما بين 20 إلى 25 ألف مقاتل ومسلحة بأسلحة مضادة للطائرات وللدبابات والمدرعات ومعها صواريخ جراد ومدفعية هاون للسيطرة على العاصمة والمطار، وطرد ميليشيات الزنتان وحلفائهم.

خسارة الإسلاميين الانتخابات البرلمانية الأخيرة، عجّلت بالحرب والصدام بين مصراتة وحلفائها من الإسلاميين المتشددين، وباقي القوى الليبية الأخرى
أولا: أطراف الصراع

وفقا للصراع المستعر والحرائق المتصاعدة في بنغازي ومنطقة الشرق وحول مطار العاصمة طرابلس، تنقسم أطراف الصراع إلى أربع مجموعات رئيسة هي:

الأولى، مجموعة الإسلاميين بكل أطيافها، وتضم ما لا يقل عن عشرين كتيبة وميليشيا، وتنخرط فيها جنسيات ليبية وغير ليبية وتقودها شخصيات محسوبة على تنظيم القاعدة وأخرى على جماعة الإخوان، وتخوض معارك ضارية مع قوات خليفة حفتر في الشرق الليبي، وأخرى طاحنة في الغرب، انطلاقا من مدينة مصراتة الواقعة شرق العاصمة للسيطرة على طرابلس بواسطة ما يسمى بميليشيات الدروع الموالين لجماعة الإخوان المسلمين, وهي من الأذرع الرئيسية لقوات مدينة مصراتة، ولا توجد معلومات مؤكدة عن عدد المنخرطين فيها، لكن العدد يقدر بـ 25 ألفًا، وكانت دروع ليبيا تتمركز في مناطق شرق ووسط وغرب ليبيا، وهي قد وضعت يدها منذ وقت مبكر على المئات من الدبابات والصواريخ المضادة للطائرات والآليات العسكرية الأخرى من مخازن الجيش الليبي السابق، التي كانت موجودة في منطقة الجفرة جنوب شرقي مصراتة، خاصة في أيام المعارك الأخيرة ضد القذافي في سرت (الواقعة بين مصراتة والجفرة)، وبعضها جرى استيراده من الخارج خلال السنوات الثلاث الأخيرة عبر موانئ برية وبحرية وجوية خارج سيطرة الدولة، وتمكنت طوال ثلاث سنوات من الفوضى، من تأسيس معسكرات لها وتنظيم صفوفها وتدريب عناصر محلية وأخرى من دول أجنبية اتخذت من ليبيا ملجأ لها، واستفادت إلى حد كبير من التسهيلات التي حصلت عليها من قادة في البرلمان وفي الحكومة، هم في الأساس من الإسلاميين المتشددين وجماعة الإخوان.

المجموعة الثانية، وقبل الحرب الأخيرة بشهر، تجمعت ميليشيات الإسلاميين (الدروع وغرفة ثوار ليبيا وعناصر من الجماعة المقاتلة الليبية بزعامة بالحاج وجماعات جهادية أخرى) بعتادها كاملا تقريبا على جبهة القتال المحيطة بمطار العاصمة، في محاولة منها للهيمنة على طرابلس وطرد المجموعة الثانية منها، وهي كتائب الزنتان المحسوبة على الليبراليين وأنصار الدولة المدنية، التي تتكون مما يعرف باسم كتيبة القعقاع وكتيبة الصواعق، ويقدر عدد المقاتلين فيهما بما بين 10 آلاف و15 ألفًا، وبعض الميليشيات الصغيرة الأخرى القادمة أساسا من مدينة الزنتان الواقعة إلى الجنوب الغربي من العاصمة، مثل كتيبة النصر التي يقودها رجل عرف بشدة البأس في معارك الثوار ضد قوات القذافي في 2011 يدعى جمعة أحسي.

أما المجموعة الثالثة، فهي مجموعة الجيش الوطني التي يقودها حفتر الذي تمكن من جمع شمل آلاف الضباط والجنود التابعين للجيش الليبي السابق، وضم إليهم آلافا من المتطوعين الشبان، ويبلغ تعداد قواته الخمسين ألفا في محاولة منه لتشكيل أول جيش نظامي في الدولة، لكن المشكلة التي تواجهه تكمن في عدم قدرته على الحصول على اعتراف به من جانب الحكومة أو القبائل الرئيسية التي ترفض هيمنة ميليشيات الإسلاميين على السلطة, وتتمركز قوات حفتر في الجنوب الشرقي من بنغازي، وتعتمد على شن غارات بالطائرات والصواريخ وبعض الهجمات البرية على مواقع الإسلاميين المتشددين في كل من بنغازي ودرنة، وخاصة ميليشيات أنصار الشريعة وكتائب أخرى مثل 17 فبراير وراف اللـه السحاتي التي تمتلك صواريخ مضادة للطائرات وأخرى محمولة على الكتف وقذائف آر بي جي، وسيارات مدرعة، وهي تتوافق مع توجهات ميليشيات مصراتة والإخوان وأعوانهما في الغرب، لكنها حتى الآن تركز عملها في تعطيل تحركات حفتر واستنزافه في المناطق الشرقية من البلاد, ويسعى تنظيم أنصار الشريعة الذي يرفع رايات القاعدة السوداء ويسلك سلوكا دمويا ضد خصومه مماثلا لما تقوم به داعش في العراق وسوريا لتطبيق شرع اللـه، ويقول إن الانتخابات والأحزاب والديمقراطية كفر.

أما المجموعة الرابعة، فتتمثل في القبائل الرئيسية بالبلاد، ومنها قبائل ورفلة والمقارحة وغيرها، وهي قبائل كبرى لديها ميليشيات لم تشارك في أي معارك بشكل واسع أو طويل حتى الآن، لكنها ما زالت تنتظر ولم تحسم أمر مشاركتها في المعركة ضد خصمها الرئيسي من جماعة مصراتة والمتحالفين معها من الإخوان والمتشددين الذي مارسوا سياسات التهميش والإقصاء ضد هذه القبائل منذ البداية, ورغم وجود توافق وتنسيق بين هذه القبائل، فإنها لم تدخل المعركة بعد، لا إلى جانب مجموعة الزنتان ولا إلى جانب مجموعة حفتر، وتكتفي حتى الآن بتوجيه انتقادات للإسلاميين ومجموعة مصراتة باعتبار أنها الأكثر تشددا ضد القبائل المتهمة بأنها كانت تساند القذافي خلال مدة حكمه.

وكانت هذه القبائل، التي عقدت عدة مؤتمرات داخل ليبيا وخارجها، دخلت في محاولات لعملية تنسيق منذ مطلع هذا العام مع قوات اللواء حفتر وقوات الزنتان، وغيرهما من تيارات مدنية ووطنية, وكان الغرض تشكيل جبهة واحدة تنهي هيمنة الإسلاميين على مقاليد الأمور، لكن محاولات التنسيق باءت بالفشل عدة مرات بسبب خلافات تتعلق ببنود حول طريقة الحكم وإدارة الدولة في المستقبل.

وشعرت الجماعات المتطرفة منذ من أواخر العام الماضي بأن مجموعة حفتر ومجموعة الزنتان ومجموعة القبائل الرئيسة، يمكن أن تشكل قوة ضاربة ضد الميليشيات الإسلامية، وخاصة ميليشيات مصراتة المعروفة باسم الدروع، وميليشيات أنصار الشريعة ومن معهم من مجموعات أخرى صغيرة. وفي سياق الاستعداد لهذه الحرب “الجهادية”، عُقِد اجتماع سري في تركيا في مايو الماضي، حضره مسئولون في تنظيم أنصار الشريعة وفي مليشيات ليبية متشددة أخرى تنشط في العاصمة طرابلس، مع بعض قادة الدولة الإسلامية الناشطة في سوريا والعراق, وطالب ممثلو أنصار الشريعة في ليبيا بأن يستفيد تنظيمهم من المقاتلين الليبيين، وأيضا من باقي المقاتلين من دول المغرب العربي، المقدرة أعدادهم بنحو عشرة آلاف ليبي ومغاربي من سوريا والعراق متمرس في القتال على مختلف الأسلحة، هذا عدا عن آلاف المقاتلين الذين تقدر أعدادهم بأكثر من 15 ألف مقاتل من العديد من الجنسيات المغاربة والأفريقية خاصة من مصر وتونس والجزائر ومالي والسودان واليمن، والمغرب وموريتانيا الذين ينتظرون في مخيمات موزعة على أكثر من منطقة في الصحراء الليبية, ويتركزون في درنة وبنغازي وجنوب غربي ليبيا على الحدود مع الجزائر، وفي مناطق الكفرة والعوينات على الحدود الليبية مع كل من مصر والسودان، بالإضافة إلى مناطق قريبة من الحدود الليبية مع تونس، لدرجة أن بعض الأجانب، خاصة الجزائريين والمصريين، أصبحوا يقودون بعضا من تلك الميليشيات في بنغازي ودرنة.

وخسارة الإسلاميين الانتخابات البرلمانية الأخيرة، عجّلت أيضا بالحرب والصدام بين مصراتة وحلفائها من الإسلاميين المتشددين، من جانب، وباقي القوى الليبية الأخرى التي تتهم جماعة الإخوان بأنها أعطت خلال وجودها نحو عامين في البرلمان والحكومة، غطاء لاستفحال قوة الميليشيات وإفشال كل المحاولات التي جرت لتكوين جيش قوي وشرطة قوية.

يرجع تاريخ إنشاء تنظيم أنصار الشريعة إلى قيام ما عرف “بالملتقى الأول لأنصار الشريعة” في بنغازي في مايو 2012
ثانيا: نماذج ومسميات القاعدة
مثّلت أحداث ما أطلق عليه (الربيع العربي)، وما تبعها من انفلات أمني في أغلب تلك الدول، فرصة ذهبية استغلها تنظيم القاعدة للتمدد داخل عدد من الدول وفي مقدمتها مصر وليبيا، وأثار ظهور هذا التنظيم الكثير من المخاوف خاصة عودة العمليات الإرهابية التي عانت منها مصر والجزائر والمنطقة فترة طويلة من الزمن.
ويمكننا أن نعتبر أن بزوغ أول حراك إرهابي في ليبيا يعود إلى نهاية ثمانينيات القرن الماضي وامتدت هذه الحقبة حتى عام 2008, وخلالها نشأ تنظيمان مهمان هما “كتائب الشهداء” و”الجماعة الإسلامية المقاتلة”، الأول كان تنظيما عسكريا بحتا بقيادة عدد من قيادات الرعيل الأول أمثال الشيخ أبو شرتيلة أو الشيخ البرغثي, علما أن أغلب قيادات وجند التنظيم ماتوا خلال القتال والمعارك مع الجيش الليبي وأبرزها ما عرف “بمعركة العمارة” في منطقة الماجوري في بنغازي, أما بالنسبة “للجماعة الإسلامية المقاتلة” والتي أنشأتها بقايا عناصر تنظيم كتائب الشهداء في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي مع بزوغ التنظيمات الجهادية في مصر، فقد اختار هذا الفصيل أن يركز نشاطه وحركته خارج الأراضي الليبية، ووجد في الحرب في أفغانستان ثم في الجزائر المجاورة ساحة للإرهاب، ثم جاءت حرب العراق تفتح باب العمل الإرهابي على مصراعيه من جديد، فانتقل العديد من الليبيين الذين قاتلوا في الجزائر إلى بلاد الرافدين، وعدد قليل منهم اختار التوجه إلى مالي المجاورة.
ومنه انبثق عدد من أشهر القيادات الإرهابية الليبية، والتي أصبحت معروفة على نطاق الإرهاب العالمي، خصوصا في أفغانستان, وهنا نذكر على سبيل المثال ولا الحصر؛ عطية اللـه الليبي وأبو يحيى الليبي, وخرج من هذه الجماعة أيضا عبد الحكيم بالحاج الذي دخل اللعبة السياسية بعد أن أسهم في إسقاط نظام العقيد معمر القذافي.
وهناك ثلاث صور أو أشكال للقاعدة هي:
– القاعدة الأم (المركزية) وهي التنظيم الأصلي الذي أُسِّس تحت مسمّى الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين، الذي كان قاده أسامة بن لادن، ومن بعده أيمن الظواهري.
– فروع القاعدة، وهى التي صدر أمر بإنشائها بأمر مباشر من أسامة بن لادن، والمثال الوحيد لها هو تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، حيث يعد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب امتدادًا فكريًّا وأيديولوجيًّا لتنظيم القاعدة المركزي.
– نماذج القاعدة، وهى الصورة الثالثة من صور القاعدة، وهى تلك التيارات المنتشرة في عدد من الدول الإسلامية، وتنتهج نهج القاعدة، وتعد أسامة بن لادن زعيمًا روحيًّا لها، ولكنها لم تنشأ بأمر من بن لادن، وأشهر الصور على هذه النماذج هي؛ القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والتي تندرج تحتها تنظيمات مثل أنصار الشريعة في كل من تونس وليبيا ومصر، وتنظيمات أخرى منها التوحيد والجهاد وأنصار بيت المقدس في مصر, والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة.
ومع انتقال الحراك الثوري العربي من تونس إلى مصر، ومن ثم إلى ليبيا مطلع عام 2011، دخل العامل الإرهابي على خط المواجهة مع النظام القائم منذ اللحظة الأولى بمشاركة “الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة” وتصدّر قادتها المليشيات الليبية في ثورة 17 فبراير على نظام القذافي بسبب خبرتهم العسكرية التي اكتسبت من خلال الحروب التي خاضوها في أفغانستان وباكستان والبوسنة والعراق، وأغلبهم كانوا قادة ميدانيين في المعارك، ومنهم قائد المجلس العسكري في طرابلس عبد الحكيم بالحاج، وهو يسيطر بالكامل على مطار معيتيقة، حيث يتم عن طريقه استيراد السلاح من قطر وتركيا ودخول أعضاء تنظيمات القاعدة بالخارج إلى داخل ليبيا للانضمام إلى معسكرات تلك الميليشيات في طرابلس ومصراتة ودرنة في شرق ليبيا, وعقد أخيرا تحت إشرافه اجتماعًا ضم مدير المخابرات القطري غانم الكبيسي ومسئولي التدريب في معسكرات شرق ليبيا إسماعيل الصلابي وسفيان بن قمو، لتنسيق العمليات بين تنظيمات القاعدة والإخوان في مصر وليبيا لمواجهة الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، والانطلاق بعمليات إرهابية في العمق المصري بالتنسيق مع التنظيمات الإرهابية في سيناء، وخاصة جماعات أنصار بيت المقدس وأجناد مصر وأنصار الشريعة بأرض الكنانة.

تحمل الجماعة فكرا جهاديا يقترب من فكر القاعدة، وهي جماعة ترفض العملية الديمقراطية والانتخابات، ولا تعترف بالدولة وتدعو إلى إقامة الخلافة
ثالثا: من هم “أنصار الشريعة” في ليبيا؟

تنظيم أنصار الشريعة ظهر أولًا في اليمن في العام 2008 ، بعد دعوة الفقيه الجهادي أبو المنذر الشنقيطي لحمل تنظيم القاعدة لذات الاسم، ومنذ ذلك التاريخ أصبح تنظيم القاعدة بمئات الأوجه، لكن الوجه الخطير منه هو ذلك التنظيم الذي يحمل وجهًا خدميًّا في مصر تحت قيادة السلفي الجهادي سيد أبو خضرة، ووجهًا مسلحًا يقوده أحمد عشوش، تحت اسم “أنصار الشريعة الطليعة المقاتلة” الذي أنشئ في بداية 2011، وظل فترة طويلة في مرحلة الإعداد والحصول على تدريبات في غزة، ثم فيما بعد في ليبيا وفي سوريا , وتورط في تهريب الإرهابيين والسلاح إلى سيناء، واتخذ من بعض المحافظات كالشرقية والدقهلية ودمياط والبحيرة والإسكندرية أماكن تمركز له، وتعمل في مجموعات عنقودية لاغتيال رجال الشرطة والجيش، فمنذ ظهور هذه الجماعة انخرطت في أنشطة سرية وكانت أكثر غموضًا من الجماعات الموجودة في سيناء.

وقد ظهر فيما بعد أيضًا في ليبيا وتونس بشكل هو الأكبر من ناحية الضخامة وممارسة العنف, ويعتبر محللون أن تنظيم أنصار الشريعة في ليبيا وتنظيم أنصار الشريعة في تونس تنظيم واحد من حيث الأفكار الجهادية والتنسيق العملياتي والدعم المالي واللوجيستي, والتنظيم يقوده إقليميا المصري أحمد عشوش الذي سبق اتهامه في قضايا نقل السلاح والإرهابيين لسيناء بعد تدريبهم في ليبيا، وهو من القيادات التكفيرية لأنصار الشريعة في مصر وشمال أفريقيا التي تتخذ من بنغازي مركزا لها حيث توجد لها أفرع بقيادة أبو عياض في تونس، وثلاثة أفرع في ليبيا بمدينة بنغازي وسرت وأجدابيا ودرنة.

والمراقبون يختلفون حول تاريخ إنشاء “تنظيم أنصار الشريعة” في ليبيا، حيث يقال إنه أنشئ أواخر عام 2011 أو في أبعد تقدير بداية عام 2012، لكن بعض المصادر تعيد تاريخ إنشاء التنظيم إلى قيام ما عرف “بالملتقى الأول لأنصار الشريعة” في بنغازي في مايو 2012، وذلك بعد انشقاق أو خروج عدد من الكوادر من “سرايا راف اللـه السحاتي” التي ما زالت تعمل في بنغازي حتى يومنا هذا، وهو كان بمثابة أول ظهور إعلامي للتنظيم، والذي حضره العديد من الكتائب الإسلامية ذات التوجه ذاته من مدن ليبية كدرنة، مصراتة وسرت, وقامت تلك الميليشيات بالتجمع في إحدى ضواحي بنغازي والدخول معًا بمسلحيها وسياراتها التي تحمل أسلحة شبه ثقيلة، رافعةً علم تنظيم القاعدة الأسود، ما أثار حينها استياءً من مواطني المدينة.

وأنصار الشريعة، هي ميليشيا مسلحة تهدف كما تدَّعي إلى تحكيم الشريعة الإسلامية في ليبيا، وتحمل الجماعة فكرا جهاديا يقترب من فكر القاعدة، وهي جماعة ترفض العملية الديمقراطية والانتخابات ولا تعترف بالدولة وتدعو إلى إقامة الخلافة، وترى أن كل من لا يحكم بالشريعة فهو كافر، ولا بد من إزاحته بأي شكل، وأعضاء الميليشيا ليسوا جميعًا من الليبيين، حيث إن بينهم أجانب من بلدان مجاورة وخاصة من حملة الجنسية التونسية والمصرية، كما أنها لا ترفع العلم الوطني الليبي وتستبدله بالعلم الذي اشتهر به تنظيم القاعدة.

ولا يُعرَف الكثير عن الهيكلية التنظيمية لميليشيا أنصار الشريعة الليبية, ومنذ نشأة أنصار الشريعة كان ولا يزال المسئول العام عنها الشيخ محمد الزهاوي، وهو من السجناء السابقين في سجن أبو سليم الشهير في العاصمة الليبية طرابلس، وتوجد لجنة شرعية للتنظيم يترأسها ناصر الطرشاني تهتم بضبط التنظيم شرعيا وفق فهمهم، وللتنظيم جناح دعوي وخيري، وهذا القسم يهتم بعقد الملتقيات الدعوية وتوزيع المساعدات على أسر محتاجة وبعض المشاريع الخيرية ومنها عيادة متخصصة بفك السحر والشعوذة، وتمويل التنظيم غير معروف ويدعي أعضاها أنه يأتي عبر تبرعات، فيما جهر بعض التجار في مدينة بنغازي أنهم يدعمون التنظيم.

وتوجد ثلاثة أفرع لأنصار الشريعة بنفس المسمى خارج مدينة بنغازي، هم: الفصيل الأكبر حجما في مدينة درنة وأميره سفيان بن قمو، وهو السائق السابق لبن لادن مؤسس تنظيم القاعدة, وأنصار الشريعة في سرت تأسس في 28 يونيو 2013، في مدينة سرت بعد إلغاء اللجنة الأمنية وانضمامها لأنصار الشريعة وتغيير أسمها إلى (أنصار الشريعة ـ سرت), فيما تأسس فرع أنصار الشريعة ـ أجدابيا في 4 أغسطس 2013.

وبعد أن مر التنظيم بفترة انحسار نسبي منذ أشهر خلت، عاد إلى عدد من المدن والبلدات أبرزها بنغازي، درنة، أجدابيا وسرت، ومنذ نوفمبر2013 بدأت تحتد المواجهات مع عدد من الفصائل ومنها من كان التحق حديثا بالجيش الليبي في مدينة بنغازي, وقد تورطت في عدد من الهجمات وعمليات الاغتيال في ليبيا ومن بينها الهجوم على البعثة الدبلوماسية الأمريكية في بنغازي، وقتل السفير وثلاثة أعضاء آخرين في البعثة، تم تصنيفها من قبل الولايات المتحدة في 10 يناير 2014 بفرعيها في درنة وبنغازي كمنظمة إرهابية.

من هذا التاريخ بدأ “أنصار الشريعة” والقائمون عليه تطوير وتركيز النشاط الدعوي والخدماتي في مناطق وجودهم, بعدة نشاطات دعوية واجتماعية في بنغازي نفسها، من تنظيف للشوارع ومساعدة المحتاجين والفقراء، أو حتى تنظيم السير على مداخل المدن التي يوجدون فيها، وذلك لاكتساب شعبية وقبول وسط الناس حتى يتمكنوا من السيطرة الكاملة علي منطقة شرق ليبيا للانطلاق بعد ذلك لباقي البلاد.

وقرر التنظيم، في 28 يوليو الماضي وبتوصيات وصلته من تنظيم القاعدة الأم، أن يبادر بالتحرك لإقامة دولته الإسلامية في ليبيا وفي أسرع وقت ممكن، واستغلال فرصة ضعف النظام الليبي قبل أن يصله العون من قوى دولية تشعر بالريبة من تنامي النشاطات الإرهابية في هذا البلد الشمال أفريقي، واستباق أي تحرك عسكري إقليمي ودولي لنجدته خاصة أن الحكومة الليبية أعلنت عجزها عن مواجهة الوضع الأمني المتدهور وأيضا استباقا لأي تحرك أمني واستخباراتي لدول الجوار في الساحة الليبية قد يصعِّب من إمكانية تنفيذ أي مخطط مشابه لما قامت به داعش بالعراق والسيطرة على الحكم في ليبيا مستقبلا, فالتنظيم يعتقد أن تكرار ما حصل في شمال العراق في ليبيا أمر يمكن القيام به بسهولة لا سيما وأن قدرات الدولة الليبية أضعف بكثير مما تحتكم إليه حكومة المالكي من عدة وعتاد حربيين.

وتأتي تلك التحركات من قبل الجماعات الإسلامية المتشددة والمتطرفة لقطع الطريق علي مجلس النواب الجديد في مدينة بنغازي، مما يجبر نواب المجلس من الغرب الليبي (طوعا أو كرها) على حضور جلسات المجلس خارج مدينة بنغازي، كما سعت الجماعات المتطرفة إلى دحر القوة الموازية والمواجهة لها في العاصمة طرابلس (كتائب الزنتان) وتدمير المطار الدولي فيها لمنع التنقل ما بين طرابلس وبنغازي لأعضاء الحكومة وأعضاء مجلس النواب، وبذلك يكون النصاب القانوني للجلسات غير مكتمل وبهذا تسقط شرعية المجلس ومن ثم شرعية الحكم الحالي.

ويسعى التنظيم لتوسيع نفوذ دولته وجغرافيتها إلى خارج درنة، أي إلى باقي أنحاء ليبيا والسيطرة على الأقل على منطقة الشرق في مرحلة أولى, لذا قامت تلك الجماعات المنضوية في تحالف ما يسمي مجلس شورى ثوار بنغازي (أنصار الشريعة ودرع ليبيا) باقتحام المدينة وضواحيها واستولوا على كميات كبيرة من الأسلحة من معسكر 319 التابع لرئاسة الأركان العامة ومعسكر 36 صاعقة التابع لأحد معسكرات القوات الخاصة في مدينة بنغازي, كما اقتحم التنظيم آخر معقل للدولة الليبية في بنغازي وهو مديرية أمن بنغازي, وعقب ذلك أعلن محمد الزهاوي، أمير تنظيم أنصار الشريعة في ليبيا، أن بنغازي إمارة إسلامية، مطالبًا سكان المدينة بالاعتراف بذلك، وقال الزهاوي عبر راديو التوحيد في 30 يوليو الماضي: “بنغازي من الآن إمارة إسلامية، وعلى الكفار التوبة والرجوع إلى اللـه، لأن شرع اللـه سوف يطبّق على الجميع”، وبذلك تخرج بنغازي نهائيًّا من سيطرة الدولة وتلحق بركب مدينة درنة التي سيطرت عليها التنظيم من قبل وأعلنها إمارة إسلامية.

وأصبح تنظيم “أنصار الشريعة” أقوى أذرع تنظيمات القاعدة الإرهابي، الناشطة على الأراضي الليبية يسيطر على مناطق في شرق ليبيا وأحياء في بنغازي وسرت ودرنة ومصراتة والزنتان, ويخوض حاليا حربه المقدسة التي بدأها في صباح يوم الإثنين 28 يوليو الماضي ضد قوات الجيش والشرطة الليبية بهدف السيطرة على السلطة في ليبيا، والتنظيم يعوّل على سقوط سريع للحكومة الحالية التي يجد بين بعض مكوناتها مساندة قوية ودعمًا ماليًّا كبيرًا, وخاصة من تنظيم وميليشيات رئيس المؤتمر الوطني الليبي العام المنتهية ولايته نوري أبو سهمين.

كما تتمتع هذه التنظيمات بنفوذ كبير في النظام الليبي الجديد، وما يزيد من خطورتها علي ليبيا والجزائر ومصر وتونس، أن قادتها أصبحوا أركانًا مهمة في ليبيا الجديدة ويحظون بدور مهم ورئيسي في الحكم القائم, حيث وصلوا وتحكموا في أهم أدوات وأجهزة الدولة الليبية بعد سقوط نظام القذافي وخصوصا الأجهزة الأمنية المتمثلة في وزارة الداخلية وغرفة ثوار ليبيا واللجنة الأمنية العليا والمجالس العسكرية للمدن ومجالس الشورى، وبسطوا سيطرتهم على المنافذ والمطارات والوزارات والمباني المهمة في ليبيا، كما أن لهم من يمثلهم داخل أروقة نظام الحكم الجديد, فقد كشفت مصادر ليبية عسكرية عن وجود 300 من جماعة الإخوان و 200 شخصٍ من الجهادية السلفية وتنظيم القاعدة كضباط وقيادات في الجيش الليبي تحت التأسيس، من بينهم سالم دربي ومحمد الكيلانى ووسام بن حميد، وبوكا العريبي ومصطفى خليفة الساعدي الذي يتولى الآن منصب وزير ما يسمّى رعاية أسر الشهداء والمفقودين, ووكيل هذه الوزارة مفتاح الدوادي رئيس المجلس العسكري لمصراتة، وكان أمير معسكر الأنصار في أفغانستان بتوجيهات من بن لادن، وصالح عمران البركي رئيس المجلس العسكري لمنطقة أبوسليم وضواحيها، وهو الآمر الفعلي لأغلب ميليشيات طرابلس, وناصر طيلمون من أعضاء الحرس الوطني، وكان سائق أسامة بن لادن في أفغانستان, والصدّيق الغيثي كان أحد كوادر القاعدة في أفغانستان ومن المقربين من بن لادن وصديق لعبد الحكيم بالحاج، وكلف من الحكومة بمهام تأمين الحدود، وتم إعطاؤه مبالغ كبيرة لينفقها لتأسيس جيشه الخاص خارج سيطرة وزارتي الدفاع والداخلية، وعبد الباسط عزوز وهو من أشرس أعضاء تنظيم القاعدة وأكثرهم دهاءً وخداعا، وهو المستشار الأول لأيمن الظواهري، والقائد الميداني للتنظيم في ليبيا، وهو موجود في مدينة درنة ومسئول عن إدخال مجموعات مقاتلة من أفغانستان إلى ليبيا، ومنهم عبد الوهاب القائدي شقيق أبو يحيى الليبي (أبو بكر حسن قايد) الملقب بنائب زعيم تنظيم القاعدة, وعبد الوهاب حاليا وكيل وزارة الداخلية وعضو بالمؤتمر الوطني العام ومهمته تسهيل كل العقبات السياسية لتنظيم القاعدة في ليبيا وخارجها، وهو أمير المليشيات الليبية التي تنتمي لـ”المقاتلة الليبية” ومنها كتائب الشهداءـ سرية حمزة بو شريتله ومليشيا “راف اللـه السحاتي”، وكتائب (شهداء 17 فبراير ) بقيادة إسماعيل الصلابي وأخوه أسامة الصلابي في منطقة بنغازي شرق ليبيا, وكتيبة الشهداء في بنغازي بقيادة سالم البراني دربي, وكتيبة “شهداء أبو سليم”، الكتيبة الأكبر في درنة شرقي البلاد بقيادة عبد الحكيم الحصادي, وكذا مليشيا “درع ليبيا” التي تعد أكبر المجموعات تسليحًا في شرق ليبيا وتحصل على الدعم المادي من وزارة الدفاع، وتضم 12 فصيلًا، وتمتلك مجموعة كبيرة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة منها صواريخ سكود بعيدة المدى, ولها معاقل في درنة وبنغازي في شرق البلاد، وتتراوح أعدادهم في كل جماعة بين 1500 و3500 مقاتل وتحكم قبضتها على الأرض الليبية في ظل ضعف الدولة المركزية هناك, وورثت ترسانة ضخمة من مخازن أسلحة نظام العقيد معمر القذافي، فقد سيطرت على مخازن السلاح هناك وأخطرها مستودعان كبيران للأسلحة بمدينة درنة بها الآلاف من قطع أسلحة فردية وثقيلة وعربات مدرعة ومدافع هاون ومضادات الطائرات والدبابات مثل آر بي جي وصواريخ مختلفة الطرز مثل سكود وجراد، فضلا عن سيطرتها على العديد من القواعد والمطارات العسكرية، وقامت تلك التنظيمات ببيع وتهريب 100 ألف قطعة سلاح فردية، و20000 رامية قذائف مختلفة الطرز، للجماعات الإرهابية في الشرق والجنوب الغربي لليبيا، خاصة أن تنظيم القاعدة في ليبيا له علاقات قوية مع باقي فروع التنظيم في بلاد المغرب العربي ومصر، ومع العصابات العسكرية المتمردة في أفريقيا جنوب الصحراء والبوليساريو الذين يهرّبون الأسلحة ويتاجرون بالمخدرات في المنطقة الصحراوية التي تشمل معظم دول جنوب الصحراء والمغرب وليبيا والجزائر وموريتانيا وتمتد حتى جمهورية مالي ما يمثل تهديدًا حقيقيًّا للمنطقة برمتها.

أنشأ تنظيم أنصار الشريعة في شرقي ليبيا 4 معسكرات هي ( الملاحم في درنة, والنوفلية جنوب سرت، وخليج بردة، والجبل الخضر)
رابعًا: معسكرات التنظيم

وأنشأ تنظيم أنصار الشريعة في شرقي ليبيا 4 معسكرات هي ( الملاحم في درنة, والنوفلية جنوب سرت, وخليج بردة, والجبل الخضر ) يشرف عليها إسماعيل الصلابي وسفيان بن قمو أمير كتيبة أنصار الشريعة في درنة لتجهيز وتدريب المسلحين من دول مختلفة منها مصر والجزائر وأفغانستان وليبيا ومالي والمغرب وباكستان والصومال وتونس, كما تنسق جماعة أنصار الشريعة مع نظيرتها في تونس المتورطة في اغتيال المعارضين التونسيين شكري بالعيد، ومحمد البراهمي، كما تنسق مع نظيراتها في مصر وخاصة جماعات أنصار بيت المقدس وأجناد مصر وأنصار الشريعة ومقرها سيناء، ومع حركة حماس بغزة والتنظيم الدولي للإخوان، فأقامت ثلاثة معسكرات أخرى تابعة لها بالقرب من درنة شرق ليبيا، يتم فيها تدريب شباب الإخوان على العمليات العسكرية واستخدام السلاح والانطلاق في العمق المصري لتنفيذ عمليات تهريب السلاح وعمليات إرهابية مخططة ضد قوات الجيش والشرطة, وتمكن ما يعرف بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، والذي يوجد في الجزائر وموريتانيا ومالي وليبيا والصحراء المغربية وتونس من تجنيد ما يزيد على 15 ألف إرهابي في صفوفه، وهم الآن يقاتلون في الحرب الدائرة الآن على الأراضي الليبية للسيطرة بشكل كامل على البلاد خاصة عقب فشلهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ومعظمهم يتوجهون بعد ذلك إلى بلدانهم للقيام بعمليات ضد السلطات المحلية, كما في حالة العمليات الإرهابية التي تحدث في مصر وتونس, ومنهم عدة آلاف من المصريين كان يقودهم ثروت صلاح شحاتة (51 عاما) الذي قبض عليه بعد توجهه لمصر أثناء تجنيده لبعض الأفراد للسفر إلى معسكرات التدريب في شرق ليبيا، وهو واحد من أهم كوادر تنظيم الجهاد المصري، وحاليا يقوم بدوره أحد قيادات تنظيم الجهاد المصري أحمد سلامة مبروك مسئول التدريب في هذه المعسكرات, ووصل شحاتة إلى ليبيا في أكتوبر 2012 بعد انتهاء العقوبة التي صدرت بحقه في تركيا، بتهمة دخول الأراضي التركية بدون الحصول على تأشيرة قادمًا من إيران التي أمضى فيها عدة سنوات بعد سقوط حكم حركة طالبان في أفغانستان, ويرتبط التنظيم في ليبيا كذلك بالتنظيم الذي يقوده محمد الظواهري ويتعاونان في نقل الأسلحة والذخائر عبر الحدود المصرية الليبية، وصولًا إلى قطاع غزة والجماعات المرتبطة بالتنظيم هناك كالجيش الإسلامي بقيادة ممتاز دغمش، فالحدود الليبية المصرية تعتبر ممرًا رئيسيًا للأسلحة والذخائر، ولا توجد بها معسكرات تابعة لتنظيم القاعدة فقط، ولكن أيضا رصدت المخابرات العامة المصرية معسكرات تابعة لحماس مقامة هناك يتم فيها تدريب شباب الإخوان على العمليات العسكرية واستخدام السلاح.

ومن معسكرات شرق ليبيا يتسلل الإرهابيون إلى الداخل المصري لتنفيذ عمليات إرهابية بالتنسيق مع الإخوان وجماعات أنصار الشريعة وأنصار بيت المقدس وأجناد مصر في سيناء والدلتا ضد الجيش والشرطة، كما في العمليات التي استهدفت قوات الجيش في الفرافرة بالوادي الجديد وفي سيناء، والعمليات التي استهدفت وزير الداخلية ومديريات أمن الدقهلية والقاهرة وبعض الكنائس.

وفي هذا السياق، أصدر أمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري أوامره لتنظيم أنصار الشريعة الليبي باستهداف الأقباط الذين يشكلون نسبة غير قليلة من العمالة المصرية بليبيا لتحقيق عدة أهداف منها؛ إشعال نار الفتنة الطائفية التي شهدت اختفاءً تامًا بين عنصري الأمة من مسلمين ومسيحيين بعد ثورة 30 يونيو، فضلًا عن الانتقام من الأقباط الذين تعتبرهم الجماعات الجهادية رأس الحرب في الاحتجاجات التي أطاحت بـ”مرسي”، وكذلك لإحراج الرئيس السيسي الذي تعهّد بـ”محو من يؤذي المصريين من على وجه الأرض”، وإظهاره بمظهر العاجز عن الوفاء بتعهداته، وهذا هو السبب وراء زيادة جرعة الإهانة والإذلال أخيرًا في الفيديوهات التي بثتها القاعدة لعملياتها ضد أقباط مصريين في ليبيا، لتوظيفها إعلاميًّا لتوصيل رسائل سياسية.

كما يهدف لتنظيم الإرهابي من وراء تحركه الأخير إلى زيادة تشتيت الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب بين أكثر من بؤرة، معوّلا على صعوبة مهمة أي قوى معادية في مواجهته في أرض ليبية شاسعة ومفتوحة على الصحراء الأفريقية الكبرى التي تنشط فيها تنظيمات شقيقة يمكن أن تكون عونًا له في أي حرب مستقبلية قد تضطر دول الجوار وبعض القوى الغربية إلى خوضها في ليبيا إذا ما سقطت فعلا في أتون سلطة تنظيم القاعدة.

ولذا تكتسب معركة الكرامة ضد التنظيمات الإرهابية والتكفيرية الليبية المسلحة، التي يقوم بها منذ الجمعة 16 مايو الماضي ما يسمّى بالجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء المتقاعد في الجيش خليفة حفتر، وبمساندة شعبية كبيرة أهمية خاصة ليس فقط لإعادة الأمن والاستقرار إلى ليبيا المهددة بالتفكك بعد ثورة 17 فبراير، وإنما أيضا بالنسبة لأمن دول الجوار وتحديدا مصر والجزائر وتونس ومالي وتشاد, خاصة أن هذه التنظيمات الإرهابية ونظيراتها في دول الجوار قد عقدت في ديسمبر 2013 تحت إشراف تنظيم أنصار الشريعة المرتبط بالقاعدة اجتماعا سريا في بنغازي ـ كشفت عنه صحيفة “فيلت إم سونتاغ الألمانية ” ـ مع ممثلين عن تنظيمات أنصار الشريعة في كل من ليبيا وتونس والمغرب ومصر وممثلين جزائريين عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بهدف وضع خطة قتال جديدة في المنطقة، ومحاولة لإعادة تقييم قدرات الجماعات المسلحة المنتشرة في جبهات القتال, ووضع ما سمّوه بـالإستراتيجيات المشتركة للعمليات الجهادية، والتصدي لما وصفوه بـالحكومات الكافرة في مصر وتونس والجزائر، ووضع إستراتيجيات جديدة في تجنيد أعضاء جدد للجماعات الإرهابية من الشباب المتعاطفين مع التيارات الإسلامية خصوصا أولئك الغاضبين من الإطاحة بحكم الإخوان في مصر، كما ذكرت صحيفة ديلي تليغراف في 14 فبراير 2013، أنها عثرت في مدينة تمبكتو الواقعة شمال مالي، على وثيقة سرية باللغة العربية، تكشف عن أن تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا خطط لقيادة عمليات العنف بمنطقة شمال أفريقيا، وإعادة رسم الانتشار, كما عقد اجتماعا آخر لهذا الغرض في أنقرة 25 يناير الماضي بين مدير المخابرات القطري غانم الكبيسي، ومدير المخابرات التركية جافان مادان، وهذا ما أكده ضابط بالجيش الليبي “عبد الرحمن الجهمي” : الذي قال إن تلك التنظيمات تسعى لتكوين ميليشيات في شرق ليبيا لمواجهة الجيش المصري تحت مسمّى الجيش المصري الحر، وخاصة أن عدة آلاف من المصريين انضموا إليها هناك.

وحسب تقارير سيادية خرجت من القاهرة، فإن تنظيم القاعدة الذي يشن حربًا مفتوحة ضد الجيش المصري في سيناء، عبر تعاون فروع تنظيم القاعدة في ليبيا بنظيراتها في مصر وتونس في نقل الأسلحة والذخائر عبر الحدود المصرية الليبية، وصولًا إلى قطاع غزة, وذلك ما تؤكده العمليات الإرهابية وعمليات تهريب السلاح التي تحدث في مصر وليبيا المتورط فيها عناصر هذه الجماعات الإرهابية، وتحديدًا بمحافظات سيناء والدقهلية والشرقية والغربية والإسكندرية والبحيرة, وأشهر التنظيمات المصرية وأكبرها الجهاد والتوحيد, وأنصار الجهاد, وأنصار بيت المقدس, والسلفية الجهادية, وكتائب أنصار الشريعة في أرض الكنانة, وجند اللـه, وأجناد مصر, وهي تستهدف رجال الجيش والشرطة خاصة الهجمات ضد الكنائس والأضرحة الصوفية والبعثات الدبلوماسية والمرافق الحكومية، وسلسلة الاغتيالات والتفجيرات والخطف وقتل المسيحيين المصريين في ليبيا، مستغلًا انهيار السلطة المركزية في طرابلس وفوضى السلاح والانفلات الأمني. وحسب التقارير، يملك التنظيم ثلاثة معسكرات في مدينة سبها تنطلق منها العمليات ضد مصر، علمًا بأن هذه المعسكرات أنشئت بعد وصول الإخوان إلى الحكم بموجب اتفاق بين مرسي وأيمن الظواهري، بناء على طلب الأخير في واحدة من المكالمات الهاتفية الأربع التي أجراها الطرفان في أوقات مختلفة ورصدتها أجهزة الأمن القومي.

كما يثبت ذلك الكشف عن خلية مدينة نصر وخلية تفجير السفارات الأجنبية المتهم فيها الكُردي داود الأسدي، مسئول تنظيم القاعدة بغرب آسيا، ومحمد جمال عبده، الحارس الشخصي لبن لادن، وطارق طه أبو العزم، ضابط سلاح المشاة المصري الذي شارك في تفجير السفارة الأمريكية في ليبيا، كما ضمت الخلية التونسي علي محمد سعيد الميرغني والضابط المستقيل حديثًا من الجيش رامي السيد الملاح، وهانى محمد حسن منونة راشد، الذي ضبط في أحد الأكمنة بمحافظة مطروح، وهو حلقة الوصل بين المتهمين في القاهرة وآخرين في مطروح، وهو مسئول عملية نقل السلاح من مطروح إلى القاهرة وشمال سيناء, وكذا الاعترافات التي أدلى بها محمد جمال (أبو أحمد) المصري المتهم بالاشتراك في الهجوم على القنصلية الأمريكية في بني غازي الذي أدى مقتل السفير الأمريكي في سبتمبر 2012، الذي اعترف أمام نيابة أمن الدولة العليا المصرية من أنهم استجلبوا صواريخ وأموالا من ليبيا, وما كشفته أجهزة الأمن المصرية من وجود معسكرات لتدريب الجهاديين بالقرب من مطروح، والقبض على أبو عبيدة، القائد السابق لغرفة ثوار ليبيا بتهمة الضلوع في الهجوم على كمين بني سويف، ثم الإفراج عنه في صفقة الإفراج عن السائقين المصريين الذين احتجزتهم جماعة أنصار الشريعة الإرهابية في منطقة بنغازي.

لذا يحظى ما قام به حفتر وأنصاره برضاء عام ليس فقط من الشعب الليبي وإنما أيضا من دول الجوار، خاصة وأن هدف هذه الحرب كما أعلن حفتر، هو القضاء على هذه التنظيمات وتطهير ليبيا منها.
المصدر/ جزء من دراسة نشرت في العدد التاسع من مجلة أفاق سياسية

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة