قبل الحكم على تجربة حكم ينبغي أن نسرد شي من الاحداث مرت على الشيعة بصورة عامة ، ونقف عند عدد من الوقائع والاحداث التاريخية والواقعية ، كم لابد أن نعترف ان العراق بلد يتمتع بغالبية شيعية ومنذ أكثر من الف عام لم تكن هذه الغالبية بالسلطة ، وانما كانت في عهد الامويين والعباسيين فئة مضطهدة ومعارضة لاي حكم لم ينصفها ، وفي نفس الوقت بدات بالاتساع فكرياً وثقافياً والفضل يعود الى علمائهم وقيادتهم الدينية ، وعلى الرغم من كل التضييق الذي في عهد نظام صدام على الشيعة ، الا أنهم ظلوا متماسكون في داخلهم ، كونهم يملكون مقومات هذا التماسك من حيث وجود مرجعية دينية وقيادة شرعية عمرها الف عام ، أستطاعت فيها من الحفاظ على تماسك الشيعة ، وعلى الرغم من آلة القتل التي مارسها النظام البائد ضد الشيعة وعلمائهم الا انهم كانوا يقفون موقف الصد امام أي محاولة لتفتيت لحمتهم ووحدتهم .
بعد احداث عام 2003 كانت الفرصة ذهبية للشيعة ، بعد مد بساط الحكم في العراق ، وكانت كل الظروف سانحة للقيادات الشيعية ان تعوض ما فاتها من ظلم تحت وطأة الحكم البعثي ، فكانت الفرصة امامهم سانحة امام هذه القيادات ان تكون صاحبة الحكم في العراق ، ويكون العراق مبنياً على اساس الشراكة الحقيقية بين المكونات ، دون تهميش او أقصاء لفئة او مكون ، ومنذ خمسة عشر عام عاشت مراحل بناء الدولة العراقية الحديثة ، حالة من التعرج والتعرقل ، حتى وصل الحال الى ضياع مدن العراق الاربع تحت وطاة داعش الارهابي ، وتعددت اسباب الفشل السياسي والاقتصادي ، وانعكس الفشل الواضح في تقديم الخدمات ، والحقت كل هذه الظواهر بالشيعة وبدأوا بدفع ثمنها ، وهذا ما ينعكس على عدم وجود الخبرة الكافية لدى القيادات السياسية الشيعية في قضايا الحكم ، وبالتالي فان أي فشل او تراجع يعود الى هذه الاسباب والمداخل .
يمكن عدّ نقص الخبرة او فشل القيادات الشيعية كانت محرومة من الحكم امراً طبيعياً، ولكن هذا ليس مبرراً لاي فشل هنا او هناك ، كما ان هذه الطبقة لم تكن تتعاطى بشكل جدي مع أي تطور في تكتيكها السياسي او تطوير قدرتها على بلورة فكر وصناعة قرار ، ناهيك عن كونها تفتقر الى مفهوم الدولة والمؤسسات ، واصبحت الدولة بمؤسساتها تقاد من قبل اشخاص لا علم او فهم لهم ، وبدات تظهر العائلية في الادارة ، وسوء قراءة للمشهد السياسي ، الامر الذي جعلهم يركنون الى الدفاع عن رؤاهم من خلال المنفذ الاعلامي ، ومحاولة تبييض صورتهم امام الجمهور ، الامر الذي جعل نفس الجمهور يفتح عينيه على هذا الفشل وهذا التراجع في الآداء ، كما أن القيادات الدينية والمتمثلة بمراجع الدين والعلماء ، لم تكن راضية عن اداء هذه القيادات ، وفشل الآداء السياسي ، حتى وصل الحال ان المرجعية الدينية في النجف الاشرف تعلن “غلق الابواب ” بوجه هولاء وتجاوز التلميح الى التصريح بضرورة تغيير الوجود وان ” المجرب لايجرب ” ، لهذا بدات الصورة تتضح وتنكشف ان الوضع بات يعكس صورة الفشل في الادارة والحكم .
الانتخابات على الابواب ، والجميع ايقن ان التجرية باتت مهددة بالفشل ، وان اي تراجع في الاداء لإانه ينعكس على مجمل الوضع السياسي ، لذا على الجميع تحمل المسؤولية الوطنية والشرعية اتجاه الجماهير التي هي الأخرى تتحمل المسؤولية الكبيرة في اختيار من يمثلها في مجلس النواب او مجالس المحافظات ، كما على جميع المكونات ان يكون لها الارادة على تحقيق التغيير المنشود في بناء دولة المواطن ، والتي كان الاولى ان يعيش بها بعد ظلم وقهر لخمسة وثلاثون عاماً من تحطيم للشخصية العراقية ، كما ان اي عودة لنفس الوجود فأن المواطن العراقي هو من يتحمل كامل المسؤولية في اختيارة ” ولايلومن الا نفسه ” لان أي تغيير فالمواطن هو صانعه .