معلوم ان طير” الهدهد ” أول من مارس مهنة المخابرات وَسييرَ للعمل بها . والشاهد ما حاء بالقرآن الكريم “وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)النمل ” عندما نقل خبرالملكة بلقيس للنبي سليمان عليه السلام أخبره بحالها ومن بمعيتها . لذا اتخذت بعض مخابرات العالم طير الهدهد شعار لها . مارس البشر منذ بداية نشوئه هذا المنهج في تعاملهم مع بعضهم . تشير الرقم الطينية ان البابلين مارسوا العمل الاستخباري بشكل واسع ضد ” الدولة الإخمينية ” ومن يعاديهم , مستخدمين الحمام الزاجل والنار والدخان لتبادل المعلومات . وقاموا بأنشاء قرى ومدن على حدود الدول المختلفين معها سموها ” ديالو ” وتعني العيون . وبعتقادي أن محافظة ديالى العراقية المحاذية لإيران أشتق اسمها من هذه التسمية والتي وَسِمَ بها نهرها الرئيسي نهر ديالى . أستخدم العمل الاستخباري بصيغ مختلفة عبر التاريخ وبصور شتى عند الدول المختلفة القائمة مثل الفراعنة والفرس والرومان وغيرهم . في بداية تكوين الدولة الاسلامية كان مستخدماً ايظاً عند ارسال النبي محمد صلى الله عليه وسلّم لخالد بن الوليد لبيان حقيقة ما ادعاه ( الوليد بن عقبة بن أبي معيط ) حيث بعثه رسول الله على صدقات ” بني المصطلق ” بعد امتناعهم عن دفعها حسب ادعائه , أمر الرسول خالد بن الوليد لتبيان حقيقتهم فأ مرهُ أولا ببيان أمرهم قبل الاشتباك معهم فتنصتَ عليهم وتأكد منهم يأذّنون ويصلون وأنجز ما امره به الرسول وعاد مخبراً اياه . وجاء تأكيد ذلك في القرآن الكريم (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا .. الحجرات . 6 ) *1ـ وهذا يعني تأكيد لصحة الخبر من عدمه , هذا المبدأ معمول به في كل مخابرات العالم قديماً وحالياً . من حيث تبدأ أية قضية مخابراتية بمراحل متتالية وصولا للنتيجة النهائية لإتخاذ القرار .
تبدأ بالخبر من ايّ مصدر كان وتليها مرحلة التحقق من صحة الخبر وتليها مرحلة القرار في تجاهل الخبر أو العمل عليه وأستحضاره , ويعني ذلك الانتقال لمرحلة جديدة متقدمة تسمى ” قضيّة ” يتبناها ويعمل عليها ضابط المخابرات مستخدماً الاساليب المعتمدة المعروفة في العمل المخابراتي وحسب الحاجة من ناحية الوسائل والتوقيت مثل الرصد والمراقبة بمختلف اشكالها وانواعها والتفتيش السري والتنصت بمختلف اشكاله والتصوير بأنواعه عادي فديوي وبوسائل سرية مختلفة ودفع المصادر المتاحة على الهدف المُتابَع . بعد جمع ادلّة الادانة يحال المدان الى المحاكم المختصة وصدور الحكم النهائي بحقه حسب قوانين الدولة المعنيّة . أغلب مخابرات العالم تتكون من اقسام مختلفة في حجمها واهميتها وحسب سلوك وسياسة الدولة المعتمدة لها ” هجومية عدوانية أو دفاعية ” ابرز هذه الاقسام قسم ” مكافحة التجسس والتجسس ” ووسائله الرصد والمراقبة وقسم الخدمة السرّية و العمليات الخاصة وحالياً بدأ التركيز على موضوع الاعلام نتيجة التطور في تداول وسائل الاتصال بين البشر قنوات فضائية مفتوحة ومتعددة والانترنت والهواتف المنقولة . واهتمت به قديماً المخابرات البريطانية و الاميركية . حيث كانت ” منظمة الحرية الثقافية ” الاميركية التي كان يترأسها رجل المخابرات ” مايكل جوسيلسون ” في الفترة من 1950 وحتى 1967 هي ركيزة هذا البرنامج السري , أذ كان لهذه المنظمة مكاتب في 35 دولة وتصدر اكثر من 20 مجلة لها نفوذ ثقافي هام . تنظم المعارض الفنية والمؤتمرات العالمية التي تحضرها شخصيات بارزة وترعى معارض الفنانين والموسيقيين وتكافئهم بالجوائز . استطاعت مجلة واحدة ان تظم لفيفاً من اعظم الادباء ” مجلة إنكاونتر .. Encounter ” كانت تصدر من بريطانيا واستمر صدورها من عام 1953 حتى عام 1990 بمكانة متفردة في التاريخ الثقافي لفترة ما بعد الحرب . ضمت هذه المجلة العديد من الاسماء البارزة مثل ” نانسي ميتفورد و إديث وارتون و بورخيس و برتراندراسل و ديفيد ماركاند و دبليو اتش أودن ” . تبنت هذه المجلة التي كانت تقرأ على نحو واسع في أوربا وانجلترا واميركا وآسيا وافريقيا والهند والشرق الاوسط والشرق الاقصى . أسلوباً غامضاً وربما مريباً في بعض الاحيان بالنسبة للكثير من القضايا السياسية .كانت إنكاونتر مجلة ايديولوجية من الدرجة الاولى إذ كان يسيطر عليها الفكر المعادي للشيوعية . وقد أنشئت هذه المجلة التي حققت نجاحاً مدوياً بالتعاون بين كل من المخابرات البريطانية و الاميركية
من ابرز مخابرات العالم في الفترة ما قبل الحرب العالمية الثانية كانت المخابرات البريطانية والالمانية وبعد الحرب المخابرات الاميركية والسوفيتية والكوبية . وصفة المخابرات وسلوكها وصورتها أنعكاس لدولتها . أكثرمخابرات العالم قذارة المخابرات الاميركية وتليها البريطانية والفرنسية والايطالية والاسرائيلية وحاليا الروسية والايرانية نتيجة قذارة واجرام أدارات دولها السياسية كدول استعمارية ارهابية متطرفة . تستخدم كافة الاساليب الغير مشروعة واللاانسانية في سبيل تحقيق اهدافها ومآربها الخبيثة .
ومن افعال وواجبات هذه الدوائر ” المخابرات ” حماية انظمة دولها وتزويد اداراتها السياسية بالاخبار المهمة والنصيحة لتحديد مناهجها وعلاقاتها العامة الخارجية , ومن اعمالها الرئيسية الأخرى جمع المعلومات بمختلف مصادرها الامنية والاقتصادية والصناعية والعسكرية . تقوم هذه الدوائر المخابراتية بجمع المعلومات بشكل اساس للدول المحاورة للدولة التي تنتسب اليها وتأشير أهدافها لغرض التعامل معها في حال نشوب مشاكل بين بلدها والبلدان المجاورة بأعتبار ان الخلاف و الاحتكاك والمشاكل تكون مع الدول المتجاورة محتملة في الغالب , لكن مخابرات الدول الكبرى يغطي نشاطها العالم كله . لهذا تقوم دوائر المخابرات بجمع المعلومات بما يخص كل الاهداف البارزة المدنية والعسكرية مثل السدود والمصانع وشبكات الكهرباء والماء والجسور ومراكز الخدمات بكل اشكالها والموانئ وطرق ومحطات طرق المواصلات الجوية والبحرية والبرية والمعسكرات والقواعد العسكرية وما يتعلق بها وتقوم بوضع الخطط مع الجهات المعنية للتعامل مع هذه الاهداف وتسمى ” الخطة الامنية القومية ” تنفذ في حالة الحرب أو الاحتكاك المحدود . وتقوم المخابرات بجمع هذه المعلومات عن طريق مَصدَرين الاول المصادر العلنية من خلال ما يتم نشره في وسائل اعلام الدولة المعنية مثل قام المسؤول بأفتتاح الجسر او المشروع الفلاني أو الاعلان عن اتفاق بين الحكومة للدولة المعنية مع شركة كذا لتنفيذ مشروع كذا . والمصدر الثاني هي المصادر السرية . كل مخابرات العالم تعتمد بالاساس على الدعم المالي الكبير والعالي لنجاحها وتكون المعادلة في هذا الناتج طردية . تركزهذه الدوائر اعمالها على الجهات المختلف معها أو الموضوعة كأهداف عمل دول او حركات . وتقوم بصناعة الحركات المعادية والاشراف عليها وادارتها . لا تخلو كل سفارات العالم الا ما ندر من محطات لهذه الدوائر . واحياناً تتخذ هذه الدوائر أغطية مختلفة في عملها في الدول الاخرى غير دولها . ختام مقالنا المكتوب هذا بالاختصار الشديد نؤكد على ان الدول القوية الصغيرة والكبيرة تكمن قوتها في أحترامها لشعوبها ومجتمعاتها ومتانة اقتصادها ومؤسساتها العسكرية ومخابراتها واعلامها .
*1 ـ تفسير ابن كثير والقرطبي ـ اسباب النزول .