ليس هناك من مشکلة تشغل بلدان المنطقة و تقض مضجعها، کما هو الحال مع مشکلة النفوذ الايراني فيها، خصوصا وإن هذا النفوذ يعمل على تأسيس أحزاب و ميليشيات خاضعة لها و تأتمر بأوامرها و تخضع لها عقائديا ومن ثم يتم إعدادها لتمسك مقاليد الامور في هذه البلدان بيدها کما رأينا في تجربتي حزب الله اللبناني و جماعة الحوثي وکذلك في تجربة ميليشيات الحشد التي تدور رحاها الان.
مشکلة النفوذ الايراني في بلدان المنطقة ليست تؤرق و تزعج هذه البلدان فقط بل هي تشکل إزعاجا للبلدان الغربية لأنها تشکل خطرا على الامن و الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط الاستراتيجية، لکن يجب أن ننتبه إن هناك طرف آخر يرفض النفوذ الايراني في المنطقة و يطالب بإنهاء التدخلات وهو الشعب الايراني الذي جسد موقفه هذا بکل وضوح خلال إنتفاضة يناير/کانون الثاني 2018، حيث طالب بإنهاء التدخلات في المنطقة و عدم إهدار أموال الشعب الايراني فيها في وقت يعاني فيه هذا الشعب من الفقر و المجاعة و الحرمان و مئات المشاکل الاخرى بسبب سوء الاوضاع الاقتصادية و ترديها الى أبعد حد.
النفوذ الايراني في المنطقة، و الذي هو يجسد في الاساس مشروع نظام ولاية الفقيه من أجل إنشاء إمبراطورية دينية تخضع المنطقة لنفوذها و تعيد رسم الاوضاع المختلفة فيها من الجوانب السياسية و الاقتصادية و الفکرية بحسب ماهو موجود على الارض کأمر واقع، لکن هذا المشروع”المشبوه”الذي يرفضه الشعب الايراني کما ترفضه المعارضة الايرانية النشيطة و الفعالة المتجسدة في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية، بإعتباره مشروع لايعبر عن آمال و طموحات و إرادة الشعب الايراني و المقاومة الايرانية، وإنه يعکس عن المصالح الضيقة للنظام.
ماقد نقلته وكالة فارس للأنباء عن مستشار كبير للمرشد الأعلى للنظام الإيراني، خامنئي، إن قيادة البلاد لا تعتزم تقليص نفوذها في الشرق الأوسط رغم الضغوط الأميركية. ولم يشير بأي شکل الى المطالب الشعبية بنفس السياق، وأضاف ولايتي إن”نفوذ إيران في المنطقة حتمي، ولكي تظل لاعبا رئيسيا في المنطقة سيستمر هذا النفوذ”، مؤكدا أن بلاده” ستواصل دعمها لميليشيات حزب الله و فصائل فلسطينية”، وهذا التصريح يعني بأن نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية يصر على الاستمرار بنهجه و مواصلة تدخلات على الرغم من المواقف الرافضة لشعوب و بلدان المنطقة و للشعب الايراني و المعارضة الايرانية و المجتمع الدولي، وهذا مايؤکد مرة أخرى عدم وجود أي حل وسط لدى هذا النظام سوى الاستمرار بنهجه الذي تسير عليه منذ 38 عاما، دونما إنقطاع، ولاريب من إن هذا الاصرار من شأنه أن يفتح الابواب أمام الکثير من الخيارات التي تضع جميعها هدا النظام وجها لوجه ضد شعبه و المنطقة و العالم کله، ولکن هل يمکنه حقا القيام بذلك؟ معظم المراقين و المحللين السياسيين يرون بأن هذه السنة ستکون الاسوء لطهران ولن يمکنها أبدا من تجاوزها و عبورها فيما لو لم تقم بإيجاد حلول لمشاکلها و ازماتها المستعصية في الداخل بشکل خاص، وإن کل المعطيات تؤکد بعدم وجود أية مؤشرات تتيح إمکانية ذلك.