16 نوفمبر، 2024 4:01 م
Search
Close this search box.

دور المثقف في التحولات التاريخية

دور المثقف في التحولات التاريخية

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب دور المثقف في التحولات التاريخية (687 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا)، جامعًا بين دفتيه أوراقًا بحثية محكمة طُرحت في المؤتمر السنوي الرابع للعلوم الاجتماعية والإنسانية الذي عقده المركز في مراكش – المغرب بين 19 و21 آذار/مارس 2015)، وتناولت أنماط المثقف العربي الحديث، والمثقف والتاريخ والتاريخانية، ودور المثقف في التحولات العربية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وإشكاليات علاقة هذا المثقف بالسلطة وبالثورة على هذه السلطة.
نمط نقدي
يستهل عزمي بشارة الكتاب بكلمة افتتاحية عنوانها مقاربات نقدية للرائج عن المثقف يميز فيها بين المثقف وبين الخبير والمتعلّم، وبين المثقف والمثقف الديني. يقول بشارة: “إن سلف المثقف؛ بمعنى الوظيفة العمومية التي تكتسب شرعيتها من مكانة متعلقة بالعمل في مجالات الإشارات والمعاني والرموز، كما في العلم والثقافة، ليس الشاعر والأديب وكاتب السلطان، بل هو نمط نقدي من علماء الدين أسس له تقليد يقوم على اجتماع المعارف والسلطة الأخلاقية، ويتلخص بـ’أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر‘، في مقابل تقليد آخر يتلخص بطاعة ولي الأمر، وشرعنة ما يقوم به من ظلم، والتمسك بالوضع السائد؛ وهو ما تعبر عنه مقولة: ’سلطان غشوم خير من فتنة تدوم‘”.

يعرض بشارة التبلور التاريخي لظاهرة المثقف، مع الإنتليجنسيا الروسية والإنتيلكتويل الفرنسي والأكاديمي المتخصصّ والمثقف العضوي الغرامشي والمثقف النقدي والمثقفين المغتربين والمنفيين داخليًا أو خارجيًا.

يقول بشارة: “لا يوجد معنى واضح لمقولة المثقف النقدي، فهذا تعبير غير مفهوم؛ فالنظرية الاجتماعية بطبيعتها نقدية، بمعنى أنها تحليلية، ويفترض أن تكون نقدية للأيديولوجيا عمومًا”، مؤكدًا أن الانتماء الثقافي شرط المثقف، “فلا مثقف من دون ثقافة. كما أن لا وجود لمثقف عالمي إلا كنفي مجرد، أو كاستغلال لثقافة مهيمنة يبرز المثقف العالمي بسبب هيمنتها، لا بسبب هيمنته هو”.

تحولات المثقف
يتألف القسم الأول، المثقف العربي وأدواره المتجددة: جدلية التحوّلات، من ثلاثة فصول. في الفصل الأول، عن المثقفين وتحولات الهيجمونيا، يعرض بنسالم حميش ما يمر به المثقّف العربي من تحولات، وتحديدًا تحولات الهيجمونيا، أي أنظمة الاستبداد والغَلَبة ببحسب ابن خلدون، فيرصد طبائع الهيجمونيا ووظائفها المتحوّلة وإرادة الهيمنة والقوة الكامنة خلفها، ونماذج مثقفين واجهوا الهيجمونيا (فرانز فانون وألبير كامو وإدوارد سعيد وإيمانويل تود). يقول: “إن عبارات ملطفة أو توريات من قبيل ’بلدان في طريق النمو‘، أو ’نامية‘ لا تستطيع إخفاء الخلط الواسع الانتشار في الرأي العام الغربي بين التخلف المادي – البنيوي، والتخلف الذهني والفكري. بناءً على ذلك، يلزم أن نبذل جهدًا كبيرًا لئلا يبقى وجودنا الثقافي ملحقًا بكبواتنا في قطاعات التأهيل الاقتصادي والتكنولوجي”.

يقف حسن طارق في الفصل الثاني، المثقف والثورة والجدل المُلتبس: مُحاولة في التوصيف الثقافي لحدث الثورة، عند التوصيف الثقافي لحدث الثورة الذي جعل المثقّف يعيد صوغ الأسئلة الأساسية المتعلّقة بالحرية والعدالة والكرامة والدولة والديمقراطية والدين. يقول: “إن ثنائية الأيديولوجيا والديمقراطية، أو الهوية والمواطنة، شكلت إحدى مُمكنات التوصيف الثقافي لحدث الثورة، كما جسدت في الآن نفسه خلفية للتدافعات التي صنعها حَراك المثقفين تفاعلًا مع زمن الثورة ومابعدها، وهو الحراك الذي يكثفه الصراع بين أنموذجين من المواقف والمواقع والحُجج لكُل من المثقف الهوياتي والمثقف الديمقراطي”، وفي سياق التوتر بين رهان تأصيل فكرة الحرية، وبين تثبيت منطق الهوية، ستحمل المعارك الفكرية المقبلة صراعًا حاسمًا في شأن تحديد ما المقصود تحديدًا بمفهوم “ثورة 2011”.

في الفصل الثالث، دور المثقف العربي في التغييرات التاريخية: المثقف والمجال الثقافي، يعيد يوسف الشويري تبيئة الفعل الثقافي ضمن شبكة العلاقات الاجتماعية المعقّدة والمتحركة التي يطبعها التنافس. يقول إن الربيع العربي أعاد تحديد الدور الجديد الذي يضطلع به المثقف، بفئاته وأصنافه، “ووضعنا بعد طول جدل لا طائل تحته في موقعنا الصحيح، إذ غدت الديمقراطية، بمعناها الأرقى والأشد التصاقًا بثقافة العصر وحداثته، جزءًا من ثقافتنا وتراثنا الحي وحياتنا اليومية”.

العرب والإسلام والنهضة
في القسم الثاني، المثقف في السياق العربي – الإسلامي، أربعة فصول. يقول سعيد بنسعيد العلوي في الفصل الرابع، الحرية شعارًا ومفهومًا: خطاب المثقفين العرب في عصر النهضة، إن مفهوم الحرية لم يكن مألوفًا في القول الإسلامي السابق على المرحلة الموسومة بعصر النهضة، وهو يحدث “خلخلة قوية في منظومة القيم التي كانت لا تزال متداولة، والتي ستكون النهضة إيذانًا ببحوث الخلل والارتباك فيها. وإذًا، فإن فكر النهضة، في تجلياته عمومًا، وعند مفكري الإسلام المعاصرين خصوصًا، أبان عن مقدرة على المساءلة، وعلى معاودة الاتصال بالفكر العربي الإسلامي في العصر الكلاسيكي؛ ذاك الفكر الذي كان يجيز الاختلاف ويفتح الباب على مصراعيه لقبول غيرهم المخالف في الفكر والعقيدة”.

في الفصل الخامس، حول المثقف الإسلامي: الوظيفة والمنهج والإشكالات، يبحث عبد الوهاب الأفندي في دور المثقف بوصفه بطلًا وشخصية غير عادية في فهمها طبيعة الأشياء من خلال الإلهام، وإخلاصه للحقيقة، وقدرته على مخاطبة الآخرين بصورة مقنعة، وتفانيه في سبيل معتقده والآخرين، وعدم تردده في التضحية لتحقيق الغايات العليا. يقول إن المثقف – البطل هو أسطورة في معظم الأحيان، لكنها أسطورة لا غنى عنها، “ولعل مقولة علي شريعتي عن حاجة كل مجتمع إلى أبطاله المنبثقين من تربته على نسق المثقف العضوي عند غرامشي أو المثقف عند فيبر، تحتاج إلى بعض المراجعة. فشريعتي على حق حين يقول إن غاندي لن يكون له تأثير مماثل في إيران. لكن هذا لا يمنع أن كثيرين من الإيرانيين، بل والبريطانيين، يعجبون بغاندي”.

في الفصل السادس، المثقف العربي وقضية الإصلاح الديني، يقول النور حمد إن عزلة كبيرة تفصل بين المثقف العربي، خصوصًا المثقف الحداثي، والدين، وهذا أحدث فجوة كبيرة بينه وبين الجمهور بسبب انبتاته عن جذوره الحضارية، واعتماده نهج التغيير الفوقي الآتي من أعلى، المتعالي على القوى المتشكلة في الواقع، والمتجاهل دينامياتها. يقول حمد إنه يتضح من أعمال مثقفين عرب اشتغلوا بقضية التجديد الديني أن هناك تيارًا في قيد التبلور، “خرج بالفعل من دوامة التنازع التي لفت الفكر العربي فترة طويلة، في ثنائية ديني/عَلماني. وإن قضية الإصلاح الديني التي ظل المثقفون العرب يَزوَرون عنها ذات اليمين وذات الشمال، ستبقى في انتظارهم، مهما طال الزمن”.

أما في الفصل السابع، المثقف والسلطة غير الشرعية: دور الفقهاء في دعم الاستبداد، فيعرض عبد اللطيف المتدين لدور الفقيه، بوصفه أبرز المثقفين مكانة وأكثرهم حظوة وحضورًا في المجالات السياسية والاجتماعية في المجتمعات التي يشكّل الدين فيها أهم عناصر الهوية، في تحديد مفهوم السلطة في الإسلام، أي في تحديد موقفهم من تداول السلطة وتولي الحكم بأساليب غير شرعية، وعلاقة ذلك بمفاهيم مثل الضرورة والمصلحة واتقاء الفتنة، وفي موقفه من إزاحة الحاكم عن منصبه بسبب إخلاله ببنود الأمر المعقود له، أو بسبب انتفاء الشرعية عنه، وتكون إزاحته بالتظاهر والاحتجاج أو بالثورة عليه، أو بأساليب أخرى.

أدوار المثقف العربي
في القسم الثالث، المثقف العربي وأدواره المتجددة: أسئلة الفكر والممارسة، ثلاثة فصول أخرى. في الفصل الثامن، هل من حاجة اليوم إلى مثقف هُوَوي؟ بحث في تراجع الأدوار التقليدية ونظر في البدائل، يثير علي الصالح مُولى مسألة تراجع الحاجة إلى المثقّف الهُوَوِي لمصلحة الخبير في مراكز الخبرة والتفكير. وتتجاوز هذه المسألة وجودَ المثقف والخبير وأداءيهما إلى سياق توزيع الأدوار التاريخية بين الأمم المتحكمة بصوغ مسارات العالم. فيرى مولى أن أحكام إدانة المثقف لامعقولية تاريخية لها لانعدام مفاعيل زمن القيمة، أما مراكز الخبرة والتفكيرفضرورة تاريخية تستمد شرعيتها من دخول العالم إلى أفق سيادي آخر هو أفق المصلحة.

يثير فريدريك معتوق، في الفصل التاسع، مثقفو الإنسيكلوبيديا الفرنسية ومثقف دائرة المعارف العربية، مسألة أدوار المثقف العربي في سياق حركة النهضة العربية المماثلة للحركة التي حدثت في أوروبا، لتحريك الجسم العربي الغارق آنذاك في سُبات عثماني عميق. وبحسب معتوق، تعثرت حركة النهضة العربية أمام التحولات التاريخية التي عاشتها، وما أفلح مثقف دائرة المعارف العربية على غرار نظيره مثقف الإنسيكلوبيديا الفرنسية في توليد التغيير البنيوي المنشود، لأسباب ثقافية وسياسية واجتماعية عدة، أهمها الوِضعَة الذهنية للمثقف النهضوي التي غيّبت المتطلبات الأساسية للنهضة، الجماعية والمؤسّساتية، لفائدة مقاربة فردية وذاتية، قائمة على قاعدة النبوغ والعبقرية الخاصة.

في الفصل العاشر، المثقفون العرب والتغيير المجتمعي: أي قراءة ودور… واستشراف؟، يقرأ أحمد مفلح دور المثقفين العرب في التغيير المجتمعي وقدرتهم على استشرافه، ولا سيما من جهة التنبّؤ بثورات الربيع العربي، فيحصر البحوث والدراسات والمقالات المنشورة في مجلة “المستقبل العربي” والمتصلة بالتغيير المجتمعي من خلال العناوين الرئيسة أو الفرعية، بين عامَي 1991 و2010، معتمدًا تقنية تحليل المحتوى. وبحسب مفلح، كانت قراءة المثقفين معنى التغيير المجتمعي وعوامله وقواه غير واضحة، وكان دور المثقفين ضعيفًا، وليس معدومًا، وسبقتهم قوى المجتمع الشعبية وفجَأتهم بثوراتها وربيعها العربي. أما بالنسبة إلى استشرافهم، فيرى أنه وإن كان موجودًا، فإنه مشوّش ومغلّف بالتردّد وعدم الثقة.

مثقفون وثورات وهوية
يتألف القسم الرابع، المثقف والثورات العربية: أسئلة الهوية والوظائف المفتقدة، من أربعة فصول. في الفصل الحادي عشر، المثقف العربي وإشكال الحرية والهوية: زمن الموجة الأولى من الربيع العربي، يقول خالد العسري إن أزمة الهوية في دول الربيع العربي أعادت إلى ساحة السجال إشكال تعريف: من نحن؟، “وهذا من الإشكالات المركزية التي تفاعل معها المثقف العربي سلبًا وإيجابًا، والتي تنتظر تقعيدًا وحسمًا حتى لا تظل سؤالًا سرمدًا في الثقافة العربية”.

ومن دروس الربيع العربي المتعلقة بأدوار المثقفين في التحولات المفصلية لمجتمعاتهم، يرى العسري أن ثورات الشباب العربي لم تسبقها أو تستصحبها ثورة فكرية، “ويُنتظر من المثقف العربي أن يعيد مراجعة مفاهيمه، وبناء تصوراته، وتكييف مناهجه، وتجديد مقارباته بغاية ولادة المثقف العربي من جديد ليُساهم بفاعلية في قيام نظام ديمقراطي يضمن سيادة الدولة من أن يخترقها الاحتلال الأجنبي، وسيادة الشعب من أن يُسقطها الاستبداد، والمواطنة الجامعة من أن تنسفها الانتماءات الأولية”.

في الفصل الثاني عشر، المثقف العربي وأزمة الهوية: دراسة في توتر علاقة المثقف الحداثي بالربيع العربي، يبحث امحمد جبرون أيضًا في أزمة الهوية التي لا يمكن تجاوزها، وفي إعادة الروح إلى علاقة المثقف بالجماهير من دون إصلاح العطب الهوياتي، وإعادة النظر في مفهوم المثقف العربي ورسالته، كي يمارس سلطته الأدبية والأخلاقية، وتجديد شرعية المثقف بحفاظه على استقلاليته، وتحلّيه بالنزاهة والأصالة، وإعداد منهج يَعبُر به بين ممرات السلطة التي يوجزها في المال والسياسة والجمهور والدين.

بحسب سعيد أقيور في الفصل الثالث عشر، المثقف العربي والوظائف المفتقدة في ثورات الربيع العربي، كشف الربيع العربي عن هشاشة البنية السياسية العربية التي اخترقها الاستبداد والفساد، وعن ردة كثير من المثقفين عن قيم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، “ما يُبرز أزمة المثقف العربي المعاصر وهو يراوح مكانه ضمن ثالوث السلطة والأيديولوجيا والمصالح”. يكتب: “نسجت قطاعات واسعة من المثقفين العرب تحالفات سياسية وأيديولوجية مع المؤسسة العسكرية والأمنية والمستفيدين من الوضع السابق؛ تحالفات قوامها الحفاظ على بنية الدولة العميقة المتجلية في المؤسسات السابقة، ولو بعناوين وأسماء جديدة، وسد الطريق أمام القوى الجديدة المؤمنة بالإصلاح والتحديث والديمقراطية بما يفرغ الثورات العربية من مضمونها، ويجعلها لا ترقى إلى مستوى الثورات الاجتماعية الحقيقية”، مؤكدًا أن الوظائف التقليدية للمثقف العربي لم تبرز بالشكل المطلوب في مرحلة مفصلية في مسار الشعوب العربية.

أما إدريس الكنبوري، فيقرأ في الفصل الرابع عشر، المثقف العربي من محنة الاستتباع إلى سؤال الدور في زمن التحول، سياقات نشأة المثقف الحديث في بنية عربية – إسلامية، ابتداء من نهايات القرن التاسع عشر، ويشخّص عملية الانتقال من البراديغم الذي كان يؤطّره الفقيه والعالم بالمفهوم التقليدي، إلى البراديغم الجديد الذي نشأ في ظلّه المثقف الحديث. ويخلص الباحث إلى أن المطالب التي استقطبت أصوات الاحتجاج في الشارع العربي في الأعوام الأخيرة هي مطالب شكّلت هواجس للمثقف النهضوي قبل نحو قرنين من الزمان، فيكتب: “نعتقد أن استئناف المثقف دوره من جديد يأتي من خلال مدخل يربط النظر بالفكر والقلم بالعمل؛ ويتمثّل ذلك في هبوط المثقف إلى الهموم اليومية التي يعيشها المواطن العربي، بدلًا من التنظير من خلال برج عاجي يعزل المثقف عن الناس، ويعطي عنه صورة رجل التأمل المجرد، المُفاصل للواقع، والمنقطع عن الحياة العامة”.

دولتي.. لادولتي
يضم القسم الخامس، المثقف العربي وأدواره المتجددة: قضايا وتجارب، ثلاثة فصول. في الفصل الخامس عشر، مولد المثقف اللادولتي – حالة العراق، يقتفي حيدر سعيد أثر تبعية المثقف العراقي للسياسي، من المثقف الأيديولوجي الحزبي إلى المثقف الدولتي بعيدًا عن فكرة المثقف النقدي. فالبعث العراقي ألحق مثقفيه بجهاز الدولة من خلال “تبعيث” منظم للدولة العراقية، فتحوّل المثقف من تابع للسياسي إلى تابع للدولة، ومن أداة أيديولوجية للحزب إلى أداة أيديولوجية للدولة. ويرى سعيد أن إعادة صوغ علاقة المثقف بالدولة في عراق مابعد عام 2003 كانت مخاضًا للمثقف العراقي اللادولتي كي يعيد تعريف هويته ووظيفته.

من منطلق مشابه، يرسم شمس الدين الكيلاني في الفصل السادس عشر، دور المثقف في الثورة السورية: بين شهيد ومتفكر، الصور المتعدّدة التي اتخذها المثقفون السوريون أمام التحوّل التاريخي الكبير الذي مثلته ثورة عام 2011، مفندًا تحميل المثقف مسؤولية تراجع الوجه المدني والديمقراطي للثورة. يكتب: “صحيح أن المثقف السوري لم يقد الثورة، أو يصنعها، غير أنه صاحبها. وانزوى القلة القليلة من المثقفين في الظل والصمت؛ إذ فضلوا تجنب المخاطرة لمعرفتهم أن الثمن غالٍ. وفضلت قلة قليلة أن تستمر في مهنتها التي اعتادتها في خدمة السلطان. وسقط في الميدان مضرجًا كثير من المثقفين، أو اختفوا في ظلمة السجون، أو اضطروا إلى رحلة التهجير على طريق التغريبة السورية الكبرى، أو الاختباء داخل مدن كسرتها قذائف القاذفات؛ أو واظبوا على الإبداع متمسكين بحلم الحرية!”.

في الفصل السابع عشر، المثقف العربي من تجربة الجور إلى ثقافة حقوق الإنسان: ما الذي يجوز لنا أن نأمل؟، يردّ المنجي السرباجي إخفاق المثقفين في تغيير واقع الجور نحو نظام سياسي يحترم حقوق الإنسان إلى عوامل عدة، “بعضها ذاتي مرتبط بوظيفة المثقف وبحدود مستطاعه. فالمثقف يُشخص أزمة الواقع، ويسعى إلى نقل تجربة الجور حتى تَمثل ضمن وعي جمعي كذاكرة يجب القطع تجاهها. أما عملية التغيير، فهي وظيفة الأشخاص أنفسهم الذين تراكم عندهم هذا الوعي بضرورة التغيير، على أن المثقفين العرب، في مجال حقوق الإنسان، لم يراكموا معارف نظرية وحركات عملية على نحو ملحوظ إلا في النصف الثاني من القرن العشرين، وكانت الثورات العربية إحدى ثمرات هذه المراكمة”. يقول السرباجي إن جهد المثقفين العرب لم يكن إخفاقًا مطلقًا، إنما كان لهم قسط من المساهمة في التغيرات الأخيرة في العالم العربي، وليسوا العنصر الأكثر تأثيرًا في سيرورات الواقع، ما يعني ضرورة التواضع في تحديد مستطاعهم، كما هو الشأن في تحديد مسؤولياتهم.

في المثقف الشبكي ودوره
أما القسم السادس والأخير، أدوار المثقف العربي في العصر الرقمي والشبكي، فيضم ثلاثة فصول. في الفصل الثامن عشر، عن دور المثقف الشبكي في عصر المعلومات: ملاحظات وآفاق، يعرض نديم منصوري أنواع المثقف الشبكي: المثقف التكنو –شبكي المتخصّص بتقانة المعلومات، والويكي –شبكي الصحافي والمدوّن الرقمي، والثوري -شبكي الممثل بالقوى الشبابية الصاعدة في الانتفاضات العربية. ويناقش تحديات المثقف الشبكي في عصر المعلومات، من الاستعمار الإلكتروني وقوّته الناعمة إلى الاستئثار الإلكتروني ومخاطره الجهادية الجمّة.

في الفصل التاسع عشر، المثقف النمطي والمثقف الناشئ في العالم السيبراني، يتهم جوهر الجموسي المثقف التقليدي والنخبة النمطية بتخلفهما عن استيعاب متغيّرات المرحلة، ما دفع إلى توظيف البُعد الافتراضي وبروز جيل افتراضي ناشئ واسع الانتشار عبر الإنترنت وعبر الجماعات الافتراضية؛ جيلٌ يمثّل المثقف الجديد والنخبة الجديدة، وقادة التحوّل السياسي والمجتمعي. يقول: “يحتاج مجتمع المعرفة إلى مثقف حقيقي، يعيد قراءة هذا المجتمع الموسوم بالفجوات التنموية الصارخة، قبل الفجوة الرقمية التي قسمت عالمنا عالمين، إن لم نقل عوالم عدة، بدرجات متفاوتة: عالم ينتج تقانة المعلومات والاتصال، ويصنع الملتيميديا والمعرفة، ويوجِد العلماء والنوابغ؛ وعالم آخر يكتفي باستخدام بعض مظاهر التقدم الرقمي واستهلاك المعلومات في حدود ما يخدم المصالح الجيوستراتيجية والاقتصادية للقوى المهيمنة على العالم”.

في الفصل العشرين والأخير، سؤال تجديد أدوار المثقف في ضوء تحولات الربيع العربي: دور التواصل الشبكي والميداني كخيار استراتيجي، يسعى إبراهيم القادري بوتشيش إلى ترميم ثغرة من الثغرات المحيطة بسؤال تجديد أدوار المثقف العربي في ضوء التحولات التاريخية، انطلاقًا من الربيع العربي، المنعطف الحاسم في مسار التاريخ العربي، رابطًا هذا المثقف بالتحولات العالمية، “ولا سيما في مجال ثورة الاتصالات ومنصات التواصل الشبكي؛ فاتضح أن التطور المعرفي المرتبط بمجتمع المعلومات أعاد بناء مفاهيم جديدة للمثقف، وحدد له أدوارًا لم تكن مألوفة؛ وأن انفجار الربيع العربي الذي جاء متساوقًا مع ثورة الاتصالات رسم معالم ذهنية عربية جديدة حتمت على المثقف العربي إعادة توجيه أدواره أيضًا، وترويضها بما يتلاءم مع مستجدات الواقع، وسياقات التطور المعرفي”.
المصدر/ المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة