بعض العرب يؤيدون القوى الوطنية والقومية العراقية المناهضة للحكومة ، والبعض الآخر يعارضها ويؤيد القوى العراقية الخانعة لهذه الحكومة . لكن في التأييد والمعارضة قواعد تقليدية لا يجوز القفز فوقها، وخطوط أدبية لا يجوز تجاهلها. فنحن عرب إذا شئنا التمسك بالقومية العربية، ونحن مسلمون إذا شئنا تغليب الناحية الدينية، ونحن جيران إذا شئنا تجاهل كل ما عدا ذلك، وفي التجاور يحسب حساب المصير المشترك ويوضع في الاعتبار إنه إذا شب حريق في بيت أحد الجيران فإن النار لا تلبث أن تمسك بالبيوت الأخرى، فكيف إذا اشتعلت النار في أكثر من بيت من بيوت الجيران؟
إن الذي يحدث في عراقنا العزيز الآن، لم يكن مفاجأة لأحد، كان مقدراً ومنتظراً ومعالمه كانت بادية للعيان مع فوارق بسيطة في التفاصيل.
المفاجأة كانت اللا يحدث ؟!
لكنه، وقع !!
ثم لماذا لا يحدث ؟ فالجمر كان متوقداً في طريقه إلى الاشتعال، واشتعل، ويهدد الآن ربما بلدان أخرى، هي لا تزال تحت الرماد الساخن، سواء في إيران أو في سوريا أو البحرين او الكويت أو السعودية…
ووسط مستنقعات الظلم التي تعيش فيها بعض جماهير أمتنا العربية وبين مظاهر الضعف والانهيار التي تسيطر على بعضها الآخر وعلى مشارف الهوة العميقة التي يرتجف لها هذا البعض هلعاً كلما حاولت أبصاره سبر غورها أو دفعه إلى ذلك. وفي أدغال الحريات المفقودة، والكرامات الموؤدة، واليأس المتفاقم عند هذا البعض، كان لابد من أن يتحرك أحد حتى لو كانت الحركة غير مشروعة وحتى لو كانت تعتمد على السلاح، وحتى لو كانت حركة مقاومة مشروعة، التي تجاهل العالم أسبابها ودوافعها واعتبرها هي أيضاً عملاً من أعمال الإرهاب.
لنأخذ الكيان اليهودي مثلاً:-
فالذين أقاموا هذا الكيان عاشوا الإرهاب وكرسوا حياتهم لسفك كل دم غير يهودي ولم يترددوا عن القتل المروع فلم ينعتهم أحد بالإرهاب بل اعتبرهم العالم مناضلين من أجل العودة إلى الأرض الموعودة، وانحنت أمامهم الدول من الشرق والغرب فانتزعت أرضاً من أصحابها ووهبتها لهم، وبقية القصة معروفة..
لكن هذه الدول لم تنحن لليهود حباً بهم أو خوفاً من قوتهم وإنما انحنت خوفاً على مصالحها التي كان اليهود يسيطرون عليها ويدعون إن غيرها يهددها.
منذ ذلك اليوم والجدار العربي لا يقي من القافزين عليه ولا يحمي من معتدٍ أو قاتل أو إرهابي، ولم يخطر في بال هذا البعض من المسؤولين عن الوجود العربي والمستقبل العربي أن يضيف إلى هذا الجدار ما يرفع من قدره وما يكفل لمن وراءه الحد الأدنى من الحماية، فكان ما كان، أصبح الكيان اليهودي يقابل الرصاصة العربية التي تطلق عليه بالقنابل ويقابل القنبلة بالطائرات، وأصبحت ذنوبه مغفورة كما أصبح لاعتداءاته وصف جديد يعبر عنه بحق الدفاع المشروع عن النفس، وحق حماية الأرض حتى لو كانت مغتصبة.
هل نعدد العدوانات التي أعلنها علينا هذا الكيان والحروب التي قام بها ؟
لا حاجة لنا بذلك، فكل ما هو يهودي محضور في أعمق أعماق الجراح العربية، إنما لابد من القول:- إن مدرسة الكيان اليهودي في الإرهاب تكاد تمسي مدرسة عالمية، ولعل أنجب طلاب هذه المدرسة هي الولايات المتحدة التي ورثت قتل الهنودالحمر بالطريقة نفسها التي مارسها اليهود في تقتيل العرب، ثم ما لبث هؤلاء أن ورثوا من أولئك التطور الجديد بعدما تم تدجين من لم يقض نحبه من الهنود.
من هنا، يمكن القول:- إن الذين أحسنوا النية بالأمريكان وهم يمارسون عدوانهم على عراقنا العزيز لم يفاجئوا ولم يبال أحد من أولئك المنتشرين على أرض تبدأ بالخليج وتنتهي بالمحيط، بالنار المستعرة بالعراق.
في هذا العالم الذي يضم أحلافاً وتكتلات عديدة… لم يجد العرب ما يحملهم على إقامة حلف حتى لو كان ثانوياً مع كثرة المنظرين وأصحاب المبادئ والقصائد الذين لا يخفى عليهم إنه عندما تحل مصيبة ما بقطر عربي من غير أن يجد من الجيران ولا نقول الأخوة من ينجده، فإن على الأقطار الأخرى ألا تتوقع هي أيضاً النجدة عندما يلحق بها ما أصاب غيرها.
هل تعرفون قصة الدفاع المشترك ؟
لقد خدعنا عندما قيل لنا إنه دفاع عربي بينما هو دفاع يهودي أمريكي ويهودي أوربي. واقعة الخليج الثانية/ 1991 ليست ببعيدة، والخليج الثالثة/ 2003 التي ما زلنا نعيش دقائقها بشكل أو آخر… فلا أحد في العالم وافق بخدش الكيان اليهودي ولا دعا إلى الحوار مع أمريكا ليتجاوز به منطق الحلول المستحيلة… وقد بلغ الاستهتار العالمي بالتضامن العربي حد الاستهتار بالوجود العربي نفسه.
فإذا فعلت أوربا إزاء جميع الممارسات العدوانية واللا إنسانية التي مارسها وما زال يمارسها الكيان اليهودي تجاهنا نحن العرب وإزاء ما قامت وتقوم به قوات الاحتلال الأمريكية تجاهنا نحن العراقيين؟
الذي حدث، هو إن أوربا أصيبت بالعدوى العربية التي تتضمن الاستنكار والشجب والإدانة وطلب النجدة من كل مخلوق ما عدا أنفسنا.
القاعدة المعروفة – لكل فعل رد فعل- لا يمكن أن تكون صحيحة في وطننا العربي لأن ردود الفعل لدينا انعدمت تماماً إلا من بعض الكلمات التي لا تسمن ولا تغني. والذين لا يتوقعون ردود الفعل على جرائمهم يحلو لهم الإمعان بها. وعلى هذا الأساس تجاهل العالم ما جرى ويجري في فلسطين واصم أذنيه وأغلق عينيه عما يجري إزاء عراقنا الآن من قبل الأمريكان واعوانهم سابقا والحكومة راهنا.. على الرغم من فوران الشارع العراقي والجماهيري في بعض الأقطار العربية والبلدان الغربية.
إن بعضنا للأسف عندما يتحدى لا يتحمل مسؤولية هذا التحدي، وعندما يعتدي المعتدون علينا يعرفون سلفاً إن لا مسؤولية يمكن أن تترتب على اعتداءاتهم، هنا ينبغي ألا ننسى سواء اتفقنا أو اختلفنا مع هذا الطرف العربي أو ذاك، إننا قطر عربي وإنه بهذه الصفة يصبح الاعتداء علينا اعتداء على كل الأقطار العربية كما نص عليه ميثاق الدفاع العربي المشترك.
هل ثمة استهتار بالوجود العربي وبالإمكانات العربية أكثر من هذا الاستهتار؟
المؤسف إن هذا البعض اعتاد العيش في الماضي دون أن يضع في اعتباره وجود ما يسمى المستقبل.
[email protected]