لعل من أبرز وأهم تشريعات مجلس النواب في دورته السابقة هو التصويت على التعديل الثاني لقانون المحافظات الذي أعده وقدمه رئيس لجنة الأقاليم والمحافظات النيابية في ذلك الوقت النائب الكردي محمد كياني، وتأتي أهميته من حيث ترتيب شكل العلاقة بين المركز والحكومات المحلية على اساس اللامركزية الادارية الحقيقية واعطاء الحق للمواطنين في تمشية امورهم الخدمية والعمرانية من دون اعاقة من قبل الإجراءات المركزية المقيتة التي عهدناها في زمن النظام السابق والآن .
ورغم ان هذا التعديل الذي ارتبط بإسم النائب محمد كياني، (الى درجة انه بات يسمى بقانون كياني) قوبل بتحفظ في ذلك الوقت من الحكومة السابقة لكونه سيسحب الكثير من صلاحياتها المركزية ويمنحها للحكومات المحلية، حتى أن صاحب القانون تمت محاربته من قبل شخصيات عربية وكردية، شيعية وسنية.. إلا أن القانون لاقى ترحيبا جماهيريا في جميع انحاء العراق وخصوصا من المحافظات الفقيرة التي طالما انتظرت من ينقذها من هاوية الفقر والحرمان وانعدام الخدمات وتدهور الواقع الصحي .
واليوم، لو ألقينا نظرة سريعة الى حالة التخبط التي يشهدها الأداء الحكومي في كافة المجالات والتي تعود في أغلب الأحوال الى صعوبة كبح جماح الفساد المالي والإداري وتلكؤ المشاريع وتوقف الكثير منها، نجد أن عدم تطبيق الدستور والقانون بالشكل الصحيح وعدم تفعيل دور المؤسسات الرقابية هو السبب في كل التدهور الحاصل في إدارة الدولة، سواء خدمياً أم عمرانياً أم تعليمياً أم صحياً، بل حتى أمنياً، وهذه الإخفاقات تعود بنا الى أساس المشكلة، وهو المركزية في إدارة الدولة، والإبقاء على مصطلح (الفيدرالية) كشعار متداول لايتعدى كونه حبراً على ورق !
إن التعديل الثاني لقانون المحافظات (الذي يمكن أن نعده التطبيق العملي للفيدرالية بمفهومها الصحيح) فيما لو تم العمل به اليوم سيقدم الحل الأمثل لأغلب المشاكل وسينهي الأوضاع المتردية التي تعاني منها جميع المحافظات العراقية، من خلال ترسيخ فكرة اللامركزية في إدارة الدولة واعتماد مبدأ الفيدرالية بالشكل الصحيح، وجعل الإدارات المحلية تتولى زمام الأمور سواء في تنفيذ المشاريع والتعاقد مع الشركات وفق الأطر القانونية، وبإمكان الجهات الرقابية التابعة للحكومة الاتحادية متابعة ومراقبة تنفيذ المشاريع والتدقيق في أبواب صرف ميزانية كل محافظة ومدى جدوى المشاريع المنفذة وحجم استفادة المواطنين منها، وبالنتيجة سنتجاوز سلسلة طويلة من الحلقات الروتينية التي تفرضها الوزارات التي لم تخرج من الأطر البيروقراطية منذ عقود من الزمن .
كما إن قانون المحافظات سيضع حداً لمافيات الفساد التي تعشش في الوزارات وتتمتع بنفوذ قوي في الكثير من المؤسسات، الى درجة أن المقاولين باتوا في بعض الأحيان يسرحون ويمرحون حول مكتب الوزير ويبرمون العقود والصفقات ويسيطرون على المناقصات ويطلعون على العطاءات التي يفترض أن تكون في ظرف مغلق، فكل هؤلاء سيتم التخلص منهم فيما لو تم تطبيق اللامركزية على أرض الواقع ليحظى المواطن العراقي بفرصة للمشاركة في صناعة القرار في محافظته، فهل سيجد تعديل قانون المحافظات طريقه للتطبيق؟!