خاص : ترجمة – لميس السيد :
في 26 كانون أول/ديسمبر 2017، أظهرت تقارير أن تركيا وسعت وجودها العسكري في قطر من خلال نشر مئات من قوات قيادة القوات المشتركة في منشآتها العسكرية في الدوحة. واكتسبت هذه القوات اهتماماً كبيراً من وسائل الإعلام، إذ جاءت بعد يوم واحد فقط من صدور تقرير يكشف أن الجيش التركي تدخل نيابة عن قطر لمنع السعودية والإمارات العربية المتحدة من شن انقلاب ضد أمير قطر، “تميم بن حمد آل ثاني” في حزيران/يونيو 2017.
رأت مجلة (ناشيونال انترست أونلاين) الأميركية أن قرار الحكومة التركية بترقية عضلاتها العسكرية نيابة عن قطر يؤكد على تحول كبير في استراتيجية أنقرة في الشرق الأوسط، حيث تحولت منذ محاولة الانقلاب في تموز/يوليو 2016، من كونها عاملاً ثورياً مزعزعاً للإستقرار إلى أقوى مؤيد للإستقرار في المنطقة.
الانقلاب التركي يغير وجهات النظر في أنقرة..
تقول المجلة الأميركية إن تبني تركيا لجدول أعمال مؤيد للإستقرار في العالم العربي يمكن تفسيره بمخاوف أنقرة المتزايدة بشأن الإضطرابات الداخلية بعد أن تعرضت سلطة “إردوغان” للتحدي بسبب محاولة الانقلاب، التي وقعت في تموز/يوليو 2016. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى منع محاولات الانقلاب التركية التي تحدث في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، وإعادة إنشاء شبكة الدول القومية المستقرة التي حافظت على الأمن الجماعي في العالم العربي قبل حرب العراق عام 2003.
ومن أجل توطيد مكانتها بوصفها الضامن الرئيس للأمن الجماعي في الشرق الأوسط، قامت تركيا بتنقيح نهجها تجاه الدبلوماسية بين الدول، من خلال محاولاتها لتحقيق الإستقرار من خلال شراكات تكتيكية إنتقائية مع الجهات الفاعلة الإقليمية التي تمتلك أهدافاً جيوسياسية مماثلة. وقد وسعت هذه الشراكات شبكة حلفاء تركيا في العالم العربي، وحسنت سمعة أنقرة بعد ردود أفعال “إردوغان” السلبية ضد الربيع العربي.
كما أن الموارد العسكرية الهائلة في تركيا، التي تضم ثاني أكبر جيش دائم في “الناتو”، عزز أيضاً قدرة أنقرة على العمل كداعم إقليمي للإستقرار، حيث أن القوة العسكرية لدى تركيا كثيراً ما أرجعت البلدان التي تسعى إلى الدخول في مواجهة مع الأهداف التركية عن خططها لأنها تخشى من إنتقام عدواني من تركيا يمكن أن يضر بأمنها وطموحاتها الإقليمية في مجال السلطة.
الأزمة السورية والمعوقات التركية..
تعتبر المجلة الأميركية إن إلتزام تركيا بتعزيز الدول الهشة في العالم العربي يتجلى في توسيع نطاق مشاركتها الدبلوماسية والعسكرية في سوريا. وعلى الرغم من أن تركيا قدمت دعماً مادياً حيوياً للجماعات المتمردة السنية، التي تسعى إلى الإطاحة بالرئيس السوري “بشار الأسد” في السنوات الأولى من الصراع، ولا تزال ترى “الأسد” قائداً غير شرعي، فإن سياسة أنقرة الحالية تفضل إعادة توحيد سوريا باعتبارها دولة مركزية مستقرة.
وعلى الرغم من أن “إردوغان” وصف مؤخراً “الأسد” بأنه “إرهابي” ليس له مكان على طاولة المفاوضات، فإن استراتيجية تركيا غير الرسمية في سوريا تنظر إلى الطموحات السياسية للمجموعات القومية الكردية، مثل القوات الديمقراطية السورية و”حزب الاتحاد الديمقراطي” كأكبر معوقات الإستقرار في سوريا. وتعتقد الحكومة التركية أن إنشاء مركزين للسلطة في سوريا، أحدهما في دمشق بقيادة “الأسد” والآخر في “روجافا” بقيادة الفصائل القومية الكردية، يمكن أن يؤدي إلى موجة من زعزعة الإستقرار في الداخل التركي.
وترى تركيا أن الحفاظ على دولة موحدة في سوريا سيتجنب هذه المخاطر ويسهل إعادة إقامة دولة سورية مستقرة سياسياً. ولضمان التوصل إلى تسوية سلمية تحافظ على هيكل الدولة الموحد في سوريا، أقامت تركيا شراكات مع أصحاب المصلحة الإقليميين بهدف الحد من التأثير السياسي للجماعات القومية الكردية، وقد أدت هذه الجهود أيضاً إلى تحسين تركيا لعلاقاتها مع إيران وروسيا.