23 ديسمبر، 2024 9:58 م

بنداروس العرب، وظاهرة شعرية فريدة

بنداروس العرب، وظاهرة شعرية فريدة

يجدر بنا عندما نقوم بدراسة أدبية، أو مقارنة أدبية بين أديب سابق وأديب جديد أن نرتكز في مقارنتنا على الكثير من نقاط التشابه أو نقاط الاختلاف، وهذا ما دعاني إلى كتابة هذه الدراسة الموجزة.

هذه الدراسة التي اخترتها اليوم، ستتوقف قليلاً عند مقارنة بين شاعرين، أحدهما معاصر شاب فتيّ، لا زال في ريعان شبابه لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، وبين شاعر ولد في العام 552 ق.م، وهو الشاعر الإغريقي بنداروس.

عُرف عن الشاعر الإغريقي بنداروس أنه شاعر غنائي يوناني، اعتبر من أعظم الشعراء الذين عرفتهم اليونان، وبين الشعراء الغنائيين التسعة الذين عرفتهم اليونان القديمة, كما أن بندار صاحب أكثر الأعمال التي حوفظ عليها ووصلتنا, واعتبره النقاد أعظم شعراء ذلك العصر وأكثرهم تعدداً للمواهب( ).

لقد كان شعر بندار شعراً متقناً محبوكاً ، معقداً ملتوياً ، لا يقل في هذه الصفات كلها عن نثر تاستوس، وكتبه بلهجة له خاصة مصطنعة تعمد أن يجعلها كلغة الأقدمين ، وبأوزان متقنة دقيقة إلى درجة لم يعن معها أحد الشعراء بأن يحذو حذوه ، ومتنوعة تنوعاً لا نجد معه إلا أغنيتين اثنتين من بين أغانيه الأربع والخمسين ذواتا وزن واحد.

ورث بندار الصيغة الغنائية من العصر الفلسفي الذي سبقه وأعاد بلورتها بالفخامة المسرحية ، ولم يلبث الشعر من بعده أن تخطى حدوده التقليدية وجمع في المسرحيات الديونيشية بين الدين، والموسيقى ، والرقص لكي يصبح أداة أعظم من الأدوات السابقة للتعبير عن فخامة العصر الذهبي وعواطفه الجياشة. ثم أخذ يدرس مع الشاعرة كورنا بعد العام 502 ق.م، وقد تبارى معها خمس مرات في الغناء أمام الجماهير وتغلبت عليه في المرات الخمس ، ولكن كورنا كانت جميلة تسر الناظرين ، والمحكمين كانوا رجالاً. وكان بندار يسميها خنزيرة ، ويسمي سمنيدس غراباً ، ويسمي نفسه نسراً( ).

أخذ بندار يعمل بجد في تلحين كل قصيدة من قصائده ، وكثيراً ما كان يدرب المغنين على غنائها. وقد عزف الناي، واستخدمه في أغنياته التي كان يكتبها ويغنيها.
وقد يسأل سائل هنا، ما سبب كل هذه المقدمة الطللية التي استخدمتها، وإنها ببساطة مقدمة لأجعل القارئ يتعرف على الشاعر الشاب الذي اخترته لدراستي هذه، وسأسرد لكم سيرة عنه كما فعلت مع سابقه.

رامي أبو صلاح، هو شاعر وأديب وملحن ومترجم فلسطيني، ولد في مدينة جنين عام 1988. يتحدث ثلاث لغات غير العربية ومنها الإنجليزية والإيطالية والعبرية. وقد نظم الشعر بعدة لغات أيضاً، وهو ما لم نلحظه لدى شعراء سابقين، فنادراً أن يكون شاعر قادراً على توظيف اللغة التي يتقنها في أن يكوّن منها قصيدة.

على الرغم من أن معظم أعماله باللغات الأخرى هي ترجمة لقصيدة كان قد نظمها بالعربية، إلا أن التغيير فيها، والإضافات التي يضيفها عليها تجعل منها متناسقة الوزن والقافية، وقبل أن أكتب هذا كنت قد سألت د. محمد الشمالي، والمختص في مجال الشعر الإنجليزي، فقال لي بأن هذه القصائد متقنة جداً، وهي لا تحتوي على الوزن الموسيقي الإنجليزي، بل فيها موسيقى شعرية صنعها الشاعر لنفسه، ووظف فيها الصور الشعرية العربية التي لا توجد في الشعر الإنجليزي. كما أن استخدامه للقافية متقن ليس فيه لبس.

الشاعر أبو صلاح، ملحن أيضاً، ويعزف آلة الناي، ولعل هذا التشابه حتى في الآلة الموسيقية المستخدمة، يجعل من هذا الشاعر الشاب، نسخة عربية من الشاعر الإغريقي بندار.

رامي طبيب مخبري وإن كنت لم أجد الكثير من التفاصيل حول عمله في هذا المجال، كما أنه حاصل على شهادات متعددة في مجالات العلوم والأدب واللغات والإعلام، وعضو لعدة اتحادات أدبية وفنية وطبية. وهو مدرب مسرحي له قدرات مميزة، رأيتها من خلال بعض المقاطع التي شاهدتها من خلال موقع يوتيوب.

ووجدت في سياق بحثي عن أعماله والمقالات المنشورة عنه، بأنه حصل على أكثر من لقب أدبي، وأظن جميع الألقاب تملك مسوغاتها الخاصة، وإن كنت كلي قناعة بأنه إن كان يستحق أن يسمى باسم، فلا ينبغي أن يكون كما هو، مع احترامي الشديد لاسمه ولكل من منحه لقباً، وإن مثل هذا الشاعر لهو بنداروس العرب.

ومما قرأت له وراق لي كثيراً ورأيت أن أدرجه كما قرأته، بعض النصوص الشعرية والتي منها “نبوءة عينين” ويقول فيها:
قلمي العاشقُ يسبقني
إذ ينظمُ حُسنكِ أشعاراً
ويرددُ آلاف الأبياتْ
وتثير جنوني رؤيتها
تتصارعُ في السطر الواحدِ
إن وصفتْ عينيكِ الكلماتْ

وفي قصيدته “امرأة تحت الحرب” الإنجليزية:
Your face illuminates night with brilliant light,
that makes dawn lighting again.
Your chest is facing horrors and war,
and asking for peace in vain.

You are the source of our identity,
you are the love, the right and the nation.
Your breasts are two rivers of pride,
feed the children of our country with courage and delegation.

وقوله في “رسائل من الله”:
في وطني يتعانق دمنا
بترابٍ يعشقنا فتراهُ
يدثّرنا
ويغطينا
في وطني أرض تعشقنا
والموتُ يعودُ فيحيينا
وسماءٌ شرّعت الأبواب
نناديها وتنادينا
وجيوش الله أمام الجنةِ
وقفت تستقبل شعباً
صعدوا للجنةِ …
ماشينَ
وأعتقد أن بإمكان القارئ إيجاد المزيد عن هذا الشاعر، وقراءة الكثير من أعماله، عبر الانترنت، ولا اعلم إذا ما كان يتوفر له ديوان شعري في الأسواق أم لا، إذ لم أجد منه نسخة في مكتباتنا.

في الختام أطمح كثيراً أن أكون حققت من خلال هذه الدراسة، هدفاً مميزاً من خلال تسليط الضوء على مفكر ومثقف يستحق، كما هو الحال في أكثر دراساتي.
[email protected]