لاتخلو السياسة الفرنسية والتي لاتزال محط أنظار العالم بأسره من الغرائب والعجائب ، فجريدة الأيكونومست الانكليزية لاتخفي دهشتها من ذلك في مقالة نشرتها في وقت سابق بعنوان “العلاقات الخطيرة بين رجال السياسة الفرنسيين والصحفيات” ، وهذا يبدو واضحا كون ثلاث وزراء في الحكومة الحالية متزوجين من صحفيات وهنا لانستثني أيضا الصديقة الأولى للرئيس الفرنسي (فرانسوا هولاند( كما تطلق عليها الولايات المتحدة على غرار السيدة الأولى والتي تعمل كصحفية أيضا ولم تنقطع عن ممارسة عملها حتى بعد إنتخاب هولاند رئيسا للجمهورية.
القصة بدأت في الستينيات من القرن الماضي عندما عينت رئيسة تحرير مجلة الأكسبرس(فرانسواز جيرود) فوجا من الصحفيات الفاتنات وأرسلتهن الى الميدان السياسي لاستخدام جمالهن كوسيلة لجذب رجال السياسة والوصول الى مكامن المعلومات المهمة والسرية عن طريق الاغراء، وبالفعل تقع أول ضحية فريسة لهن وهو نائب برلماني يقع تحت سحر احداهن والذي ينتهي الأمر به الى الزواج منها، وتستمر حكايات مماثلة الى يومنا هذا.
إن السبب في هذه العلاقات يعود الى طريقة العمل الصحفي السياسي، حيث يتابع ويراقب الصحافيون بدقة وعن كثب رجال السياسة للحصول على معلومات مهمة للنشر تثير الاهتمام وتستقطب جمهور القراء نحوها وغالبا ما تكون مقدمات البرامج السياسية من النساء اللواتي يجذبن رجال السياسة وبذالك تبدأ الخطوة الاولى بإقتراحهم عليهن شرب فنجان قهوة خارج نطاق عملهن وتتطور القصة الى علاقات غرامية لتمهد بشكل متقن الى الوصول للاهداف المخطط لها . وأسباب أخرى مشجعة على هذا التقارب وهي وجهات نظر الصحفيات التي تقارب مثيلاتها للرجال السياسيين فالصحفيات اليساريات ينجذبن الى السياسيين اليساريين …الخ.
في بلد تتساوى فيه حقوق المرأة والرجل، ليس هنالك أي قيود على عمل المرأة الصحفية حتى ولو كان زوجها يعمل في السياسة مثال على ذلك الرئيس الاسبق (نيكولا ساركوزي) وزوجته المطربة وعارضة الأزياء السابقة (كارلا بروني) التي لم تنقطع عن عملها أثناء الفترة الرئاسية لساركوزي بل و أخرجت ألبوم غنائيا جديدا خلال هذه الفترة، اما بالنسبة للصحفيات اللواتي يعملن في الميدان السياسي فيحدث تغيير كبير على عملهن ما أن يتزوجن من رجال السياسة وهذ مايثير غيظهن حيث تكون هناك ارتدادات عكسية تسحق طموحهن ، فكثيرا مايطلب منهن رؤساؤهن في العمل تغيير مجال عملهن مثلا بتغطية أحداث ثقافية أو فنية أوأحداث لاعلاقة لها بالسياسة وذلك لصعوبة تبني وجهة نظر حيادية في عملهن تجاه مواقف سياسية يمكن أن يتبناها أزواجهن في الحياة السياسية، فالثمن الذي تدفعه الصحفيات لعلاقاتهن برجال السياسة باهظ ،حتى ان بعضا منهن يعتزلن الصحافة كليا ويختفين عن الأنظاربسبب استيائهن وعدم قدرتهن الاستمرار في مهنتهن كصحفيات سياسيات، مرغمات على احترام ورقة ميثاق ميونيخ التي تم توقيعها في 24 من تشرين الثاني من عام 1971 التي تتضمن أخلاقيات المهنة الصحفية وحقوق الصحفيين وواجباتهم والتي يأتي في مقدمتها فصل الحياة الخاصة عن الحياة العملية.
ان هذا الموضوع هو حديث الساعة في فرنسا والذي تتناقله وسائل الاعلام باسهاب وذلك أن زوجة أحد الوزراء الحاليين في الحكومة اليسارية أنهت عملها السياسي كصحفية كي يتم تعيينها مديرة مجلة موسيقية ذائعة الصيت في فرنسا، ويبدو أن هذا التعيين تم من خلال علاقات شخصية لزوجها كي تتقاضى راتبا ضعف راتبها السابق ، مما أثار سخط الفرنسيين الذين يعتبرون ذلك تضاربا للمصالح.
فمؤخرا أظهرت أحصائيات أن 54% من الفرنسيين يفضلون أن تنقطع الصحفيات عن عملهن السياسي حال زواجهن من رجال السياسة ولكن هذا لايستثني أيضا الرجال الصحفيين المتزوجين من السياسيات، ويبدو أن الفرنسيين اليساريين يؤيدون هذا الأستفتاء أقل كونهم أكثر تفتحا من اليمينيين.
أما اليوم فأسلوب جذب السياسيين بالطرق المؤشرة قد ولى منذ زمن بعيد، وذلك بسبب تأنيث المهنة الصحفية الى حد كبير، حيث بلغت نسبة الصحفيات 45% في عام 2011 مقابل 11% منهن في الستينيات وفي نفس الوقت فقانون عام 2000 يمنح المرأة المساواة في الدخول الى العالم السياسي شأنها شأن الرجل دون الحاجة الى الاغواء.
ألأهم من ذلك أن الصحفيات اليوم يعتبرن اللجوء الى الاغواء شأنا بعيدا عن الأخلاق في عالم الصحافة التي تمنح الأخلاق الصدارة في الممارسة، فالكثيرات منهن يرفضن فعل ذلك فضلا على أن رؤساء التحرير نادرا مايقدمون على طلب الاغواء من الصحفيات. فالصحفي )سلومي لوكراند( لايدين هذا الموقف والتوجه السابق ويبرره بقوله ” في الستينيات، الصحفيات السياسيات كن بحاجة الى الاغواء كبطاقة لعب ولكنهن غير قادرات على فعل ذلك اليوم كون الرجال السياسيين هم أكثر يقظة في هذه الأيام، فضلا عن كثرة عدد الصحفيات، فليس ممكنا بابتسامة ان يستطعن الحصول والوصول الى المعلومات منهم”.
أما الصحفية )ماري بينيكدت ألير( تجد “أن الوضع أنعكس تماما في يومنا هذا، فرجال السياسة هم الذين يقدمون على اغواء الصحفيات متمتعين بتأثيرهم السياسي عليهن، فالأمر يعود الى الصحفيات أن يقبلن ذلك أو لا، وتضيف ” أن الصحفيات لديهن فرص كثيرة لاستدراج السياسين لأخذ المعلومات دون اللجوء الى أساليب الاغواء”.