خاص : ترجمة – محمد بناية :
يرتبط الأول من كانون أول/ديسمبر في السياسة الإيرانية باسم الجامعة والطلاب.. وهي قصة عمرها أكثر من 60 عاماً. إذ يوافق الخامس من كانون أول/ديسمبر ذكرى استشهاد ثلاث طلاب بالكلية الفنية “جامعة طهران” على أيدي القوات الخاصة بالقوات المسلحة الملكية عام 1953. ولم تكد تمر أربعة أشهر على الحادث حتى إندلاعت أحداث انقلاب 28 مرداد وإسقاط حكومة الدكتور “مصدق” الوطنية، بالتوازي مع زيارة “نيكسون”، نائب الرئيس الأميركي آنذاك، إلى طهران.
منذ ذاك أصطبغ هذا اليوم باللون الجامعي والطلابي، وظل كذلك بعد مرور سنوات كثيرة، وفي ظل تذبذب آتون السياسية الإيرانية. بدءً بزخم المقاومة الوطنية في عقود الخمسينيات، مروراً بالمقاومة المسلحة في الستينيات، ودوي الرصاصات والحركات الفدائية في السبعينيات، وحماسة السياسة الإيرانية وتكالب المقاتلين على جبهات القتال في الثمانينيات، وحتى المراجعات الفكرية الدينية في النصف الأول من التسعينيات، وملحمة انتخابات 1997، وأنتصار التيار الإصلاحي، وحتى معارضة الفترة الأولى للرئيس “محمود أحمدي نجاد”.
ثم ما لبثت الجامعة أن أستغرقت في إغماءة بحلول العام 2009، بالتوزاي مع الانتخابات الرئاسية المثيرة وما تلاها من حوادث، حتى بدا آنذاك أن النسيان قد طوى المؤسسة الجامعية وتقليد الخامس من كانون أول/ديسمبر.
وبوصول “حسن روحاني” إلى السلطة؛ عادت الحياة من جديد إلى القصة واُعيد العمل بتقليد يوم الطالب، ويشمل المنابر الطلابية الحرة، وجلسات النقاش الحرة، وخطب الشخصيات السياسية بالجامعة. كما أستمرت مشاركة الرئيس السنوية بالجامعات، بحيث إستحال سنوياً أحد الأخبار الرئيسة في يوم الطالب. وأضحت الأنشطة الطلابية في العهد الجديد شيئاً مشهوداً، ومن بينها صهر مركزية ومحورية الأنشطة الطلابية في آتون السياسة الإيرانية. على حد تأكيد صحيفة (الأيام) الإيرانية، في مقالها التحليلي المنشور مؤخراً.
تراجع الدور المحوري للجامعات..
تم إحياء الكثير من التيارات الطلابية في العهد الأول للرئيس “روحاني”. ويمكن إدراك هذا الموضوع بسهولة من خلال رصد برامج الحركات الطلابية، مع هذا يبدو أن الجامعة فقدت بشكل كبير محوريتها ومركزيتها، لا سيما بين الإصلاحيين.
بينما في النصف الثاني من التسعينيات وبالتوازي مع تشكيل “التيار الإصلاحي” بالجامعات، كان للجامعة ومحورية “مكتب تعزيز الوحدة”، (وهو منظمة طلابية إيرانية تم إنشاؤها عام 1979)، دور حاسم في هذا الإطار، وأستمرت هذه المحورية طوال سنوات الحكم الإصلاحي، بل كانت التيارات الطلابية الإصلاحية المقربة من “التيار الإصلاحي” من أنشط قطاعات هذا التيار في الفترة الأولى للرئيس “أحمدي نجاد”، مع هذا بدا آنذاك أن الحال ليس كما هو ظاهر.
وقد شوهد هذا الأمر أكثر من أي شيء آخر أثناء انتخابات رئاسة الجمهورية، حينها لم ترد أي أخبار عن المشاركة الميدانية والتنظيمية للحركات الطلابية، أو الخطابات الكثيرة بالجامعات، وبالطبع موقف الوجوه الأساسية للتيارات الطلابية.
والسؤال: ما هي أسباب حدوث هذا التغيير المهم والكبير بالجامعات والسياسية الإيرانية ؟.. ربما هناك الكثير من الأسباب الاجتماعية. على الصعيد السياسي؛ سيادة الأجواء الأمنية بالجامعات عبر تدخل مؤسسات غير جامعية، وإحجام المسؤولين عن إصدار التراخيص الاتحادية للنشطاء. مع هذا فقد بدا أن تراجع محورية الجامعة له جذور اجتماعية عميقة.
الشبكات الاجتماعية بديل عن الجامعات..
عُهد للحركات الطلابية في إيران، قبل أي شيء آخر، بنشر الأفكار التنويرية. وظهرت “جماعة وسط” بين المستنيرين والشعب، تقتضي مهمتها بالوصل بين هذه الجماعات. وقد تعاظم هذا الدور، لا سيما في ظل غياب الأحزاب السياسية القوية، ولعبت التيارات الطلابية هذا الدور بشكل جيد بما توفر لها من شبكة خرجت من العاصمة بإتجاه جميع المحافظات.
هذا بخلاف دور التيارات الطلابية داخل الهيكل السياسي الإصلاحي. وقد حاز هذا الدور أيضاً أهمية بالغة. ففي بداية القرن العشرين واجهت “رابطة التيارات الطلابية”، وعلى رأسها “مكتب تعزبز الوحدة”، مشكلة كبيرة مع الإصلاحيين وألحقت بهم أضراراً بالغة ظهرت ملامحها في الهزيمة الساحقة في انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2005. حينها بدا أن دور حلقة الوصل قد تراجع. حيث أدى نمو الفضاء المجازي وتشكيل الشبكات الاجتماعية القوية إلى سحب هذه الورقة الرابحة من أيدي نشطاء الحركات الطلابية.
والآن يملك أكبر المستنيرين الإيرانيين صفحاتهم وقنواتهم الخاصة في الفضاء الإلكتروني، كذا أنشغلت الأحزاب السياسية المختلفة بتنظيم هيكلها السياسي بالمجموعات والقنوات الإلكترونية.
تغيير الهرم السني بالمجتمع الإيراني..
كان المجتمع الإيراني مرشحاً للنمو على مدى سنوات، وتسارعت وتيرة هذا النمو بشكل مذهل في بعض السنوات. وكانت من نتائج هذا الموضوع سيطرة الشباب باستمرار على “الهرم السني الإيراني”، وقد أحال الكثير من الشباب الإيراني المجتمع الإيراني إلى مجتمع شبابي. وبالتالي تسبب الكثير من الطلبة، بمختلف الفترات، في تغيير المناخ السائد بالمدن الإيرانية الصغيرة والكبيرة من المنظور السياسي والاجتماعي. وهذا الدور ساهم في إبراز دور الفصائل الطلابية في المجال السياسي الإيراني.
مع هذا توقف النمو السكاني الإيراني في مطلع التسعينيات بشكل غريب. ويمكن مشاهدة تبعات ذلك الأمر على الأصعدة السياسية والاجتماعية الإيرانية الحالية. فلم تعد الملامح الإيرانية شبابية بالشكل الذي يقدم أمة متوسطة الأعمار. ورغم ذلك لا تنحصر الدراسة بالجامعات على سن معين، في حين تظل الإمكانيات الكبيرة للجامعات خالية. وفقدت الجامعة، حتى لو لم يتغير عدد الطلبة، النشاط الشبابي السابق. وقد تسبب هذا التطور المهم في إنحسار مكانة الحركة الطلابية على الصعيد السياسي الإيراني. فلم يعد عدد النشطاء الطلبة كما كان، ولم تعد رسائل ومناهج الشباب الجامعي تلقي بظلالها على الصعيد السياسي للدولة.
إنقضاء عهد المثالية والزخم..
من جملة أدلة تراجع الأهمية المحورية للجامعة والحركة الطلابية الإيراينة، يُرى في إنقضاء عهد المثالية. إذ خرج المناخ السياسي الإيراني، على مدى العشرين عاماً الماضية، بشكل مستمر وأكثر من ذي قبل من سيادة الأفكار المثالية، وأستحالت البراجماتية عملة رائجة على الصعيد السياسي الإيراني.
وربما كان لهذا دور في تراجع الدور المحوري للجامعات على الصعيد السياسي. وقلما تمتلك الحركة الطلابية رؤى براجماتية، وبالتالي وبالنظر إلى السن والعمر والأجواء العامة؛ كانت الرؤى السائدة في السياسة تميل إلى المثالية. لكن الأجيال الجامعية الراهنة أقل من سابقاتها في المثالية وتتمتع برؤية أكثر تحرراً بالنسبة للحياة وبالتاكيد السياسة.
وإنحسار أجواء المثالية وتراجع أعداد الطلاب، ربما المثالية غير مؤثرة في هذا المناخ الجديد. مع هذا لا تزال الجامعة تمثل جزءً مهماً من المجتمع الإيراني، تلك المؤسسة العريقة التي تقدمت مع مرور السنوات وتقلبات المجتمع الإيراني. وربما يتعين علينا الإنتظار لتحليل ودراسة الدور الجديد للحركة الطلابية على الصعيد السياسي الإيراني.