23 ديسمبر، 2024 9:02 م

سياسة السيد مسعود بارزاني و مسألة تلغيم المشروع الفدرالي في العراق

سياسة السيد مسعود بارزاني و مسألة تلغيم المشروع الفدرالي في العراق

من الواضح بأن “والعصر إن الإنسان لفي خسر” هي ثمرة الإيمان بالإنسان بشکليه اللاهوتي أو الناسوتي، فما ذكره‌ السيد رئيس إقليم كوردستان في خطابه الأخير، من أن “دماء كل فرد عراقي، بإعتباره إنسان، هي غالية مهما كانت قوميته أو ديانته أو مذهبه” نابع من القناعة التامة بمركزية الإنسان و علو مقامه ورفيع درجته. فالأطراف الكوردستانية تری في ممارسة سياسة ضبط النفس والتهدئة والعمل علی تعزيز أواصر الصداقة بين الكورد والعرب بشكل عام والكورد والشيعة علی وجه الخصوص و تثبيت أسس الشراكة الوطنية بروح المساواة من أجل إفشال المخططات التي تستهدف الكورد في المناطق المستقطعة من كوردستان وحسم موضوع المناطق المستقطعة من كوردستان وفق المادة 140 من دون مزيد تأخير ضمان للسلم في العراق و من أولويات العمل السياسي في هذه المرحلة.
إن غزو الحقل السياسي و التحكم بالقرارات من قبل رئيس مجلس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي و المواقف السياسية عن طريق زرع النزعات الطائفية والقومية و الترويج لسياسة الإحتراب و الإقتتال و الأنفراد بالسلطة  بعد إحتكار المواقع الرئيسية للدولة، فهو العمل علی تهيئة مخاطر بنيوية لتتغلب لغة التهديد والوعيد علی لغة الحوار.
و التجربة التاريخية في العراق كشفت لنا المآسي النكراء لإستخدام هذا السلاح، الذي لايجلب معه سوی المزيد من الهزائم و الخسائر والكوراث. أما التصرفات الاستفزازاية لمديري قوات عمليات دجلة، التي تشكلت أساساً خارج الأسس الدستورية بعيداً عن مبدأ الشراكة والاتفاقات الرسمية المعقودة، فهي ناتجة عن فقدان البوصلة، لذا نری أصابحها الغارقين في تهويمات السلطة لا يسيرون إلا في الإتجاه المعاكس لسير العالم و مجری الأشياء و منطق العصر، الذي يؤمن بالسلام والديمقراطية والتعايش السلمي و يرفض الاستبداد والتحشدات العسكرية. ممارساتهم الأمنية الشرطوية أو العسكرية المرفوضة في المناطق المستقطعة من كوردستان سوف تلغم المشاريع السلمية بقدر ما تعيد إنتاج الأفخاخ و المآزق و تكون في النهاية ضربة مدمرة للمشروع الفدرالي في العراق، الذي لا يمكن أن يُدار بعد اليوم إلا بالشراكة الحقيقية. 
نقوله بكل صراحة، أنّ من يريد اليوم أن يضرب شريكه السياسي عسكرياً و يسعی الی هضم حقوق شعب كوردستان، الذي هو مكون رئيسي في العراق، فسوف لن يتوقف غداً من إحالة الهويات الی سجون فكرية و لا يقف فقط عند تلغيم العقول المقفلة لإستبداد المكونات الأخری بطوطمات لاهوتية و مواقف قوموية، التي دمرت علی مر العصور صيغ التعايش و حرقت مشاريع الحوار، التي لن تصل اليوم إلا الی الباب المسدود، طالما هناك نفوس تقوم علی بناء سدود منيعة من الحقد والبغض بين المكونات بقدر ما تسهم في صنع ذاكرة عدائية موتورة تحوّل الهويات الی محميات عنصرية بأسمائها و رموزها و طقوسها و أحكامها.   
تداعيات هذه السياسة العوجاء و الغير سليمة للسيد نوري المالكي سوف تخلق حالة عدم الإستقرار في المنطقة و تؤدي الی فقدان الثقة لدی القوی الديمقراطية الكوردستانية بالعملية السياسية في العراق مما يفضي كل ذلك وغيره الى نهايات ليست في صالح الجغرافية السياسية لعموم العراق.
إن إهمال الدستور الذي كان وسيطاً و ضماناً بين الشركاء و العمل بنهج التصعيد العبثي و إطلاق التصريحات النارية من قبل ممثلي رئاسة الحكومة ببغداد ومن قبل أمراء مايسمی بـ”قوات دجلة” لإشعال نيران حرب بين إقليم كوردستان المسالم والحكومة الفدرالية و لدعم مشاريع التمحور الأقليمي لا تقلل من ضبط النفس لدى قوات البيشمركة أو مثابرة الكوردستانيين في سبيل حقوقهم المصيرية.
فشعب كوردستان، الذي ساهم بشكل فاعل في تشكيل و بناء دولة ديمقراطية حديثة، تؤمن بالتمثيل السياسي والمناطقي المتوازن في العراق و تدعم حق الشعب الكوردستاني في تقرير مصيره، يری نفسه اليوم أكثر من ذي قبل على أهبة الاستعداد للدفاع عن مكتسباته‌ التي تحققت بدماء الشهداء.
في عصر الإعتماد المتبادل تكون المسؤولية متبادلة. فالكوردستانيون يشتغلون اليوم علی وقائع حياتهم بإستثمار طاقاتهم الذهنية و إطلاق قواهم الحية علی نحو مبتكر، هادفين بذلك دفع عجلة الديمقراطية في العراق الی الأمام، فهم لا يريدون أن يعيشوا زمن الإستبداد و نصب المتاريس مرة أخری، لأن يعرفون بأن من يقع في أسر الماضي و كهوفه، لا يستعد لمواجهة المستقبل بمفاجآته و تحدّياته الجسيمة.
وختاماً: من يفكر بعقلية التهمة و الإدانة يعطل لغن الفهم الخلاق والحوار و ويشل إرادة المعرفة الحية الثمية و يعرقل الأعمال المفيدة الصالحة، فلا يعترف بالخطأ و الفشل والهزيـمة، ولا يستفيد الدرس و لا يتعلم كيف يخرج من المأزق، فتراه يتهرب من حمل المسؤولية و يرمي التهمة علی إقليم كوردستان، فيشهد بذلك علی مكابرته و معاندته و يرسف في عجزه و يغط في سباته الحضاري بأوهام الهوية الخاوية والسيادة المصطنعة.