18 ديسمبر، 2024 10:08 م

 من بين كلّ ثلاثة أو أربعة أشخاص تصادفهم في طريقك، ستجد أن واحداً في الأقل يتأبط معاملةً رسمية ما. وكأيّ معاملة، من الضروري أن تحتوي على نسخٍ مصورةٍ لمستمسكات يلزم ربطها بعناية ودقّة فائقتين في ملف أنيق. للحصول على بضعة لترات من النفط الأبيض عليك أن تستنسخ بطاقتك الوقودية مع كلِّ بطاقةٍ أجازتِ الوزارةُ صرفها.. ولشراء سيّارة بالتقسيط هناك شروطٌ، من بينها إكمالُ ملفٍ يتضمنُ كلَّ بياناتك ومستمسكاتك الثبوتية (أصل وصورة).. ولعلّ الباحثين عن سرابِ التعيين تحولوا إلى زبائن دائمين لمكاتب الاستنساخ التي يعتاش أغلبها على العاطلين!!
   مع كلّ إعلانٍ عن وظائف شاغرة محدودة يتقدّمُ آلافٌ من الشباب والشابات بملفاتهم على أمل الحصول على فرصةِ عيشٍ كريمٍ، برغم إدراك أغلبهم أن مكبّ النفايات هو المصير الوحيد لهذه الملفات التي حرصوا على استيفائها جميع الشروط اللازمة. الوظائفُ ـ كما علّمتهم تجاربُ سابقةٌ ـ ينبغي أن تتضمن أوراقاً أخرى لا تحويها ملفاتهم. وكما أن وزاراتنا ومؤسساتنا الحكومية دأبتْ على هدر مواردها في مشاريع عبثية لا نفع يُرتجى من ورائها، فإنها ما زالت مصرّة على إهدار وقت وجهد وأموال مراجعيها بتضمين أيّ معاملة رسميّة سلسلةَ أوراقٍ تبدأ بواحدة يكتبها (عرضحالجي) وقد لا تنتهي بعشرات منها إلى أن تتربّع فوق ركامها (صحة الصدور)!!
     ليست هناك إحصائية رسمية يمكن عن طريقها معرفة حصة الفرد العراقي من استهلاك الورق سنوياً، وفي ظنّي أنّ العراقي ـ برغم نسبة الأميّة الكبيرة ـ يستهلك من الورق بما يقرب من استهلاك المواطن البريطاني الذي يعدّ الأكثر استهلاكاً للورق من بين جميع مواطني العالم. ومثلما لم تشكل ثروة الوطن الهائلة دليلاً على ثراء المواطن وارتفاع دخله السنوي، فإن استهلاك الورق ببذخ كبير في العراق لا يشير إلى صحوة علمية وثقافية. آلاف من أطنان الصحف والمجلات والكتب تسلك طريقاً واحداً من المطابع إلى مكبات القمامة كما تذهب عشرات الآلاف من معاملات التعيين.
    وصفَ حزب الخضر الألماني استهلاك وزارتي الدفاع والداخلية الألمانيتين للورق بأنه يفوق استهلاكهما من الذخيرة، وبأنهما (دبٌّ من ورق). أتمنى لو أعرف ماذا سيصف حزب عراقي أخضر وزاراتنا؟
[email protected]