مرة أخرى ينبري سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي للتصدي لإصلاح مسار الشعائر الحسينية من الشوائب والظواهر التي اختلطت مع هذه الشعائر وتكاد
تخرجها عن الأهداف الحقيقية من إحيائها إلى الحد الذي تحولت فيه إلى سلاح بيد تجار الدين الفارغين من أي وازع وضابط أخلاقي أو شرعي أو علمي وإنما
ركنوا إلى الشعائر ومخاطبة عواطف المجتمع الموالي لرسول الله وأهل بيته الأطهار (صلوات الله عليهم وسلم تسليما كثيرا) في محاولة لتعويض ما يفتقدوه من
مقومات التصدي لقيادة المجتمع .
هذه المرة توجه سماحته إلى ظاهرة تطرق لها مرارا وتكرارا وطالب الفضلاء الحوزويين والشباب الرسالي والنساء المؤمنات الواعيات التصدي لها وتوعية
المجتمع الشيعي إلى خطورتها ومغبة استمرارها لما تمثله من انتهاك لحرمة شعيرة المسير إلى كربلاء وهو الاختلاط الواضح بين الجنسين في أثناء المسير
ومحطات الاستراحة خصوصا المسيرات التي تنطلق من مسافات بعيدة والتي تشهد تعكير صفو تلك الشعيرة المقدسة .
وأشار سماحة المرجع اليعقوبي في العديد من خطاباته إلى هذه الظاهرة المؤسفة وأبدى تعجبه وأسفه على خروج النساء هذه المسافات الطويلة دون أن يكون معها
محرم يعينها على مشقة الطريق ويؤمن لها ما تحتاجه في تلك الرحلة من مستلزمات غذائية أو صحية وغيرها ، وكذلك سمعنا وطالعنا العديد من التوجيهات التي
صدرت من بعض الجهات الدينية جوابا عن أسئلة الكثير من المؤمنين الغيورين حول هذه الظاهرة وكانت اغلب الأجوبة تكتفي بمطالبة الزوار بمراعاة الاختلاط
والابتعاد عن النظرات المحرمة وغيرها من التوجيهات التي لا يمكن أن تكون علاجا حقيقيا لهذه الظاهرة الخطيرة .
اليوم يطالعنا سماحة المرجع المجدد محمد اليعقوبي بتوجيه جديد إلى النساء المؤمنات من اللواتي يحرصن على إحياء شعائر الله ومولاة نبيه واله وبقدر هذا
الحرص فأنهن يتطلعن إلى الاقتداء الحقيقي بسيدة النساء ومثلهن الأعلى فاطمة الزهراء (ع) وابنتها الحوراء العقيلة زينب (ع) والراجيات لشفاعة هاتين السيدتين
الجليلتين ويخاطبهن بكل مودة وحرص على تلك الروح الإيمانية بان يمتنعن عن الخروج مشيا على الأقدام من مسافات طويلة تتطلب أياما للوصول إلى الإمام
الحسين (عليه السلام) وتتطلب منهن المسير في البوادي والقفار وخصوصا النساء القادمات من جنوب العراق وذلك لأن المسافة من تلك المدن قد تتجاوز (700كم)
.
وبين سماحته إن ذلك المنع له مبرراته الواقعية والتي سجلت من مشاهدات المؤمنين لهذه الظاهرة طوال السنوات السابقة ومن أهمها منافاة ذلك الخروج لما أمر
الله تعالى ورسوله الأكرم والأئمة المعصومون من قرار النساء في بيوتهن فهذا كتاب الله يبين هذا الإلزام بقوله تعالى (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ
الْأُولَى) الأحزاب 33 وتبرج الجاهلية كان هو إن النساء كانت تمشي بين الرجال آنذاك وهو الأمر الذي نهى عنه الله تعالى ، وفي قصة نبي الله موسى يستوقف
أنظارنا مشهد بنات نبي الله شعيب اللتين كانتا تريدان تستقيا الماء ولكنهما أبتا الاختلاط إلا بعد أن ينصرف الرعاء أي الرجال عن مكان السقي وهذا ما تبينه الآية
الكريمة : {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ
كَبِيرٌ(33) } سورة القصص.
ومنه قول أمير المؤمنين (عليه السلام ) مخاطبا أهل الكوفة : (ألا تستحيون أو تغارون؛ فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق، يزاحمن العلوج) ، ومنه قول
فاطمة الزهراء (ع) جوابا عن سؤال طرحه الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله) في مسجده الشريف على أصحابه حول أفضل شيء للمرأة وعجز الأصحاب عن
إدراكه فوجههم صلى الله عليه واله إلى ابنته الزهراء ليستفتوها في الأمر فأجابت (عليها السلام) : (الأفضل للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال) .
ولذلك يبين المرجع اليعقوبي (إنّ كمال المرأة في عدم خروجها، خصوصاً وإنّ هذه السفرة تبديهنّ أمام الرجال الأجانب وإن كنّ ملتزمات بالحجاب) ويضيف
سماحته (إنّ مثل هذه الرحلة الطويلة ومبيتهنّ في دور الغرباء تتطلب رعاية خاصة للمرأة وتوفير احتياجاتها مما يجعلها في حاجة للرجال وهم أجانب، وقد
تتعرض خلال رحلتها لبعض ذوي النفوس المريضة، إذ ليس كل الناس منا ملائكة، فتحصل فتنة وظروف مريبة، وكثيراً ما يُسبّب وجودهنّ قلقاً وجهداً إضافياً
لأصحاب الدور المضيّفة لمواكب المشاة على الطريق حتى يخرجوا بسلام من عهدة هذه الأمانة الثقيلة).
ومن خلال ذلك الاستعراض للآيات القرآنية والأحاديث الشريفة نصل إلى إن الاختلاط الحاصل في مسيرة النساء لمسافات طويلة ودون محرم هو مخالفة شرعية لا
بد أن تؤدي إلى نتائج لا تنتمي بصلة إلى الإصلاح الاجتماعي الذي كان أهم أهداف الثورة الحسينية المباركة .