لم تكن هذه افتتاحية كلامها بل كان هذآ أخر حل توصلت اليه من الوعكة التي تصيب البؤساء في هذآ البلد.
كنتُ قد حدثتها عن بعض السخافات في الحياة العامة، والتي كان بالأماكن عدم الحديث بها في أي بلدٍ أخر، يتسم بالوضوح والثقافة العامة. لكن هكذا كان المصير أن نرتبط بأشياءٍ سخيفة ونجعلها محور في أبجديات الحياة.
من قبيل عدم وصول ماء غير صالح للشرب، أو من قبيل ( الطسة ) آلتي سببت مشكلة في الحديد الذي يحمل السيارة, والتي كادت أن تودي بحياتي. ومن قبيل زوجتي عندما تحاول إخفاء أخطائها وتبرير تلك الأخطاء بمشكلة مضادة لتجعل من البيت عبارة عن مكان للتوتر وعدم الارتياح، أو مكان لجدال يتسم بالحماقة والبلاهة. أو من جانب الخوف من الاستهداف، كالذي حصل معي في شهر اب، عندما تبعني أشخاص مجهولون بسيارة نوع جيب، ولغاية الساعة الثامنة ليلاُ، مما جعلني أحاول أمسك طرف المباغتة من جانبي، واستقل سيارتي لأهرب من بغداد في ساعة متأخرة من الليل……مجمل الكلام كان هكذا فيما يخص الأوضاع العامة أو الشخصية.
الحقيقة المتفق عليها في هذآ الكلام الكثير والسلبيات التي لا داعي لها أنها ممكن ألا تحصل في أي مكان آخر. بالإمكان نعيش حياة طبيعية بلا اتهامات ولا انتهاكات.
هذا ما كان متفق عليه خلال الحديث.
كانت لا تعني لي مجرد صديقة بل كانت ملاذ امن للهروب من كل آثام البشر، من كل ما هو بلا داعٍ أو مبرر ((هدوئها كان يمنح تأشيرات الخروج من عالم يعيش بالمقلوب)).
ذكاؤها كان يعطي انطباعات على أن العالم شيء يحتاج إلى إجهاضات مستمرة في حياة شعوبه كي تنتج جينات بديلة تصحح الوضع البائس.
هي هكذا بارعة جداً في إعطاء أمثلة لسمو البشر, ومنح الأمل , والتخليص من سوء الطالع وسوء الواقع. لم أكن أعتبرها إلا صديقة عميقة، يفصلني بينها الحب الذي لم اشعر به معها. الغريب الوحيد في هذا الانسجام إنني لم أفكر بحبها لأن هذآ ما لا يجب أن يكون للحفاظ على ميزة اللوذ بها, والاستعاذة بقلبها من جحيم الواقع.
في احدى النقاشات آلتي كانت تدور حول بعض المشاكل الشخصية نوهت لي بكلمة هذه المرة كان لزاماً علي أن أتوقف عندها. حينما قالت؛ (( أنت ما د تشوف إلي كدامك وتحس بيه))
قلت لها من تقصدين؟ أنتِ التي أمامي
قالت؛ أي بلي أنا
أنا أحبك يا رجل………..!
شعرت بإعصار و زلزال، وتزحلقت الأرض من تحت جسدي ،تصادم عقلي بفكري شعرت برجة في المكان، طافت بي الكلمة حول كعبة الذهول الف مرة , لكن بإيقاع فضيع ما فكني إلا وأنا أشعر بالدوار. ذهول أو صدمة أو شيء حدث في هذآ العالم هذه اللحظة. شيء ما وقف الزمن وأعطى حرية للخيالات أن تعبث بدماغي، إيقاف قسري لكل وظائف الجسم. من المستحيل أن نكون نحن في عالم اليقظة، على الأكثر أنها احد الأحلام آلتي تبعثها الآلهة لهؤلاء الذين يعانون حالات البؤس أو النكبة للتخفيف من حدة معاناتهم في هذآ العالم.
استطعت أخيرا أن أمسك بطرف من الواقع وارجع إلى رشدي, لكن ليس بالصورة الطبيعية بشكلٍ تام. على الأقل أن الإعصار بدأ يخف وغادرني الزلزال. هذا شيء جيد بنسبة معينة كي أحافظ على توازني وكيف سأجيبها؟
قلت؛
أنت بلا شك مجنونة بسبب فوضى الواقع
تعلمين جيدا حجم التقدير الذي اضمره في قلبي لكِ، لكن ألحب طبقٌ يقدم للمجانين، واشك إنكِ تناولت اليوم شيئاً من هذآ الطبق.
قالت:
اعرف إنك تحت تأثير الكلمة. لكن أنا لست مجنونة، لا يمكن أن نستمر في عشوائية هذا البلد والفوضى التي تطيح بعقلائه والتي ستنال مني ومنك.
نحن خيارات الزمن المتحضر، نحن الانتخاب الأكثر إنسانية وتطورا، بين مجموعة “الزومبي الدائم العضوية في هذا المكان”، ألا ترى كيف هذا العالم مملوء بالجواسيس والقتلة المجانيين؟ كيف نسمح لبشر. لم تعاني الآلهة كثيرا في إنتاجهم. وأصبحوا بهذه الوفرة الهمجية، التي اعتقلت كل ما هو منطقي على هذه البلاد، أن يقرروا مصيرنا؟ لم تعد لدينا خيارات لنرويها لإحفادنا يا إحسان احسم أمرك معي وهيا بنا لنهاجر.
أنا احبك ويكفيني من العالم أن تكون معي بصحبة الكتاب، ونعمل على إيجاد عالم أخر يحترم أذواقنا وأفكارنا ولا يضايق حرياتنا.
يا مجنون…..
تعال نهاجر وننهزم، هذا العالم لا يمكن أن يتسم بالعقلانية يوماً ما.
قلت لها سارة؟……………..