الحماسة المُفرطة التي ظلّ الفريقان المختلفان بشأن موعد إجراء الانتخابات يبديانها، لم تقابلها أو توازيها أيّ حماسة ولو بأدنى مستوى بشأن ما يُمكن أن يقدّمه كلّ من الفريقين لناخبيه المحتملين، سواء جرت الانتخابات في الموعد أم تأجلت.
الخلاف بشأن موعد الانتخابات خلق في البلاد أجواءً زادت من عمليّة الشدّ والجذب طائفيّاً وقوميّاً، فيما حاجة الناس كانت، ولمّا تزل، تمسّ إلى تنفيس الاحتقانات التي يتسبّب فيها دائماً وأبداً زعماء هذين الفريقين وأتباعهم، استعداداً للانتقال إلى المرحلة اللاحقة، بعد الانتخابات، لتحقيق الاستقرار والشروع بعملية إعادة الإعمار للمناطق التي تدمّرت بسبب الحرب مع داعش.
أعضاء مجلس النواب الذين كادوا أن يتضاربوا بالأيدي في ما بينهم بسبب الخلاف على موعد الانتخابات، لم نسمع أو نرَ أحداً منهم يرفع صوته عالياً ليقول إنّ الوقت الطويل والجهد الكبير المصروفين في الجدال العقيم وفي مقاطعة جلسات المجلس، كان الأولى توجيههما نحو تشريع قوانين مُستحقّة منذ أمد طويل تخدم المواطنين وتحسّن ظروف عيشهم البائس، ونحو تفعيل الدور الرقابي للمجلس للحدّ من الفساد الإداري والمالي وهدر المال العام والعبث بمصير البلاد وأهلها.
هؤلاء الأعضاء لم تبادر مجموعة منهم لكي تُلفت أنظار الزملاء والزميلات الآخرين إلى أنه في الوقت الذي يتمتّع فيه أعضاء بترف الجدال والمناكفة وهم على مقاعدهم الوثيرة، ثمة الملايين من العراقيين الذين يصارعون بضراوة من أجل الحصول على لقمة العيش وفي سبيل تدبير الأدوية لمرضاهم أو تأمين تعليم أطفالهم في مدارس لائقة ببني البشر.
هؤلاء الأعضاء لم يتقدّم أحد منهم ليسأل الحكومة عما فعلته للوفاء بوعودها وتعهداتها بمكافحة الفساد الإداري والمالي، وعما أعدّته من خطط وبرامج لمعالجة الآثار المادية والنفسية لمحنة الاحتلال الداعشي.
هؤلاء الأعضاء لم يرفع أحد منهم في ذروة النقاش بشأن موعد الانتخابات أو قبله أو بعده،يده ليتساءل عن الاستحقاق المتوجّب بعد مُضيّ وقت طويل على تحرير الموصل وسواها من المناطق المُحتلة، وهو التحقيق في ظروف وأسباب سقوط الموصل والمدن الأخرى في يد داعش من دون دفاع وتحديد المسؤوليات، أقله وفاء لأرواح عشرات الآلاف من الشهداء الذين قتلهم التنظيم الإرهابي بدم بارد، أو سقطوا في سوح القتال.
نعرف أنّ مجلس النواب قد شكّل لجنة تحقيقية لهذه الغاية، وأنّ اللجنة قد أكملت تحقيقاتها وأعدّت تقريراً مُفصّلاً، بيدَ أنّ التقرير قد دُفِع إلى الرفوف العالية، وربما إلى سلال المهملات، بذريعة أنّ الوقت غير مناسب فيما الحرب ضد داعش متواصلة.
أعضاء مجلس النواب كرّسوا جهودهم على مدى أشهر متّصلة لقضية ثانويّة بالمقارنة مع القضايا الكبرى المُستحقّة منذ سنوات.
ما أهنى العراق والعراقيين بهكذا نوّاب..!!