ما زلت شابا يافعا في مقتبل العمر، أكملت دراستي الجامعية وأبحث عن فرصة للتعيين أو العمل، أبدا فيها بتكوين نفسي وتحقيق أحلامي، أفرح قلب والدتي التي كانت تعطيني مصروفي من راتب الرعاية الإجتماعية، ولكن طموحاتي ما زالت تتكسر على جدران صلبة.
فالبلد منذ أربع سنين تعصف به حروب طاحنة مع الإرهاب أتت على الأخضر واليابس، كان فيها دوي الرصاص وأصوات المصفحات وبكاء الأرامل ونحيب اليتامى يملأ أرجاء الوطن من شماله الى جنوبه، ومدن عامرة أصبحت ترابا ونازحين ملئوا الخيم والطرقات، وضاقت بهم السبل من اجل البحث عن لقمة العيش، وأيدهم ممدودة لطلب الإعانة من المنظمات الدولية.
ومدن أخرى ارتحل أهلها بشيبهم وشبابهم حفاة عراة الصدور، يقاتلون من يريد تمزيق الوطن وإبادة أهله وإعادته الى عصر الظلام، فبذلوا أرواحهم دفاعا عنه وكانت دمائهم أقمارا على السواتر، تنير الطريق لتحرير هذا الوطن من الزمر الإرهابية، يتبعهم أهلهم بالزاد والمؤنة والعتاد والسلاح وكل ما استطاعوا أليه سبيلا من اجل تحقيق النصر، فكان أن توقفت الحياة في هذا المدن وانعدم الإعمار وشح العمل وتفشت البطالة.
كنت مواظبا على قراءة الكتب منذ نعومة أظفاري ومتعلقا بها، حتى إن الكتاب الذي يقع بين يدي لا أتركه إلا بعد إكمال قراءته ، وأتذكر أني بقيت ثلاثة أيام متواصلة أيام لأكمل قراءة كتاب العراق في التاريخ، لأني كنت أتصور أن القراءة تجعلني مفكرا، انظر الى الحياة بطريقة مختلفة، ابحث عن الأسباب لجميع الظواهر فاعرف النتائج، ولطالما كانت “الحجية ” والدتي تنصحني بترك القراءة، والبحث عن عمل ارتزق منه.
نظرة بسيطة لا تحتاج مفكرا، للبحث في الأسباب التي جعلت بلدنا يمر بهذه الحالة، من فساد مالي وإداري وإرهاب عاث فيه قتلا وخرابا، حتى أصبح العراق أغنى بلد وأفقر شعب، أطفاله لم يعد يستطيعون الحصول على حليبهم، ومرضاه غير قادرين على شراء دوائهم، ذلك بسبب من ملك زمام الأمور وتسلط على مقادير البلد، ولم يكن همه أبناء شعبه، بل كان همه كرسيه وعائلته وعشيرته وأصهاره، فكان يهتف بعالي صوته : ما أنطيها ! وأنسابه وأصهاره الأميين أصبحوا يكنزون الأموال، ويتفاخرون على الناس وأصبح “حمودي” شبيها برامبو.
والمضحك أن البعض من يسمون أنفسهم مفكرين، قد باعوا أقلامهم وفكرهم بثمن بخس، وصاروا يدافعون عمن كان سببا في خراب البلد، واتفقت الدنيا بأجمعها على أنه سبب البلاء الذي حل على هذا الشعب، اللهم إلا من كان شريكا ومستفيدا وبعض المفكرين المرتزقة، فلأكل “الشلغم” في الطرقات آثار جانبية، تجعلهم حولان في رؤيتهم، أغبياء في تفكيرهم يعرفون الأسباب ويخطئون في النتائج.
ويبدو أن الشلغم له أثار جانبية، بأن جعل هذا المفكر الجهبذ يهذي، وهو يدافع عن ولي نعمته، والمتسبب في سنين البؤس وأيام الفساد، حتى صار يرمي التهم يمين وشمالا، وليس غريبا أن نسمع منه أن الهزات الأرضية في العراق ،المتسبب فيها حيدر العبادي أو عمار الحكيم، فالأول ترك منظومته الحزبية وأخرج حزب الدعوة من الانتخابات البرلمانية، والثاني وقف على نعش إبنه معزيا ومواسيا.