15 نوفمبر، 2024 10:09 ص
Search
Close this search box.

الإنكليزية غزو ثقافي أم رفد ثقافي؟

الإنكليزية غزو ثقافي أم رفد ثقافي؟

فاجأتنا الأخبار التربوية من إيران بحظر تدريس اللغة الإنكليزية في المدارس الابتدائية وبوصف الموضوع بأنه “غزو ثقافي”. وذُكر في صدد تبرير القرار، أن وزارة التربية الإيرانية “تهدف الى تعزيز مهارات اللغة الفارسية، والثقافة الإسلامية الإيرانية للتلاميذ في المرحلة الابتدائية”.

يبدو أن الوزارة الإيرانية لم تتعلم درساً من الدكتاتور الليبي معمر القذافي، الذي سبقها في مثل هذا القرار المدمّر قبل سقوطه المدوي والمهين بأعوام، أو من قرار الغاء تدريس اللغة الإنكليزية في مصر بعد ثورة يوليو 1952 وما جلبه هذان القراران من أضرار على الشعبين الليبي والمصري. ويبدو أن إيران لا تعتبر اللغة الإنكليزية هي إحدى أهم خمس مهارات عالمية، وإن معظم أطفال العالم يدرسون اللغة الإنكليزية وبضمن ذلك 93% من أطفال المدارس الابتدائية في اوربا، وإن المغرب قد أدركت أهمية تدريس اللغات الأجنبية في مقتبل العمر، فأدخلت اللغة الإنكليزية جنباً الى جنب اللغة الفرنسية في مناهج الدراسة الابتدائية.
ما أثار قلقي ليس في ماذا يحدث في إيران من أخطاء، فهي لا تقتصر على دولة دون غيرها. اخطاء النظام الإيراني تستمد من حرصه الدائم للسيطرة على النظام التعليمي وتوظيفه لتدعيم مواقعه وبث أيديولوجيته وتوجهاته السياسية والثقافية والدينية وسعيه الدائم ليكون التعليم أداة لتدجين الطلبة، وتلقينهم وجهة نظر محددة تُقدم كحقائق ومسلمات غير قابلة للنقاش أو النقد، ومحتوى المناهج المدرسية أحد مظاهر تسييس التعليم. ما أثار قلقي هو احتماليات تأثير النفوذ الإيراني في العراق وعدوى الآراء والمواقف والبيدوغوجيات التربوية الدينية والقومية المتطرفة على النظام التربوي الفاشل في العراق.
ودرءاً لما قد يحصل من قرار مشابه في العراق، ولعواقبه الخطيرة على التعليم، ارتأيت أن أوضح في هذه المقالة الأهمية القصوى لتعلم اللغة الأجنبية خصوصاً الإنكليزية للأطفال وحديثي السن. وكما قال جوته، “أولئك الذين لا يعرفون شيئاً من اللغات الأجنبية لا يعرفون شيئا عن أنفسهم”.
تكمن أهمية تدريس وتعلم اللغة الأجنبية في الآتي (المصدر الرئيسي: PandaTree.com):
1- تتعمق الاتصالات والتفاهم مع العالم الخارجي عندما يمكنك التحدث إلى الناس بلغتهم الخاصة. تعلم لغة أجنبية كطفل ولديك العمر كله للاستفادة من الصداقات عبر الثقافات وفرص أوسع للعمل، واستمتاع بالسفر، وتعرّف على رؤية الآخرين للعالم. تعلم لغة الماندرين ويمكنك التحدث مع أكثر من مليار شخص في جميع أنحاء العالم. تعلم الهندية ويمكنك التحدث إلى 650 مليون شخص آخر. وتعلم الإسبانية فتستطيع التحدث الى ما يقرب من 420 مليون آخر. إما إذا كنت تتحدث اللغة الإنكليزية بالفعل، فستتمكن من التحدث إلى نصف سكان العالم تقريباً!
2- أظهرت الدراسات، أن الناس الذين يتكلمون بلغتين هم أفضل في تنفيذ المهام المتعددة الواجب والاهتمام والتركيز من المتكلمين بلغة واحدة. وتظهر عمليات المسح الذهني لدى المتكلمين بلغتين وجود مواد رمادية اكثر في مناطق الدماغ التي تسيطر على الوظائف التنفيذية. الفرضية تكمن في أن الجهد الذي يبذله الأشخاص لاختيار اللغة الصحيحة في الوقت المناسب يوفّر “جمبازاً عقلياً” للغة الثانية مما يعطيهم قوة إضافية لتركيز اهتمامهم. وتظهر هذه الفوائد في وقت مبكر، حيث تبيّن البحوث الحديثة أن الرضّع الذين تقل أعمارهم عن سنة من العمر والذين يتعرضون الى لغات متعددة، تظهر أنماط معرفية متطورة في أدمغتهم مقارنة مع الرضّع الذين يسمعون لغة واحدة. في الواقع، يرى بعض الباحثين أن أفضل طريقة لجعل الأطفال أكثر ذكاءً هو تعريضهم إلى لغات متعددة في صغرهم.
3- وجدت دراسات لعشرات الآلاف من طلاب المدارس الثانوية في أمريكا، أن أداء الطلاب الذين درسوا اللغات الأجنبية أفضل في “اختبار الكلية الأمريكية” (ACT) للغة الإنكليزية والرياضيات. وقد وجدت دراسات إضافية، أن درجات (SAT) اللفظية تتحسن مع ازدياد طول فترة دراسة اللغة الأجنبية. لذلك إذا كنت تريد طفلك ان يأخذ أعلى الدرجات في الاختبارات فعليك تعليمه لغة اجنبية.
4- قبل سنوات، اعتقد الناس أن تعلّم لغة ثانية من شأنه أن يشوش تعلم الطفل، وناهض تعليم اللغة الأجنبية في العالم العربي عدد من المربّين والتربويين في العالم العربي، منهم عبد العزيز القوصي وساطع الحصري. الآن، تظهر الأبحاث أن أداء الأطفال الذين يدرسون لغة أجنبية أفضل في لغتهم الأم من الطلاب أحاديي اللغة. وقد أظهرت بحوث أخرى، أن الأطفال الذين يتعلمون لغة ثانية تبدأ القراءة عندهم في وقت متقدم. بالإضافة إلى ذلك، الأطفال ثنائيي اللغة، أفضل في معرفة الجمل غير الصحيحة من الناحية اللغوية من أحاديي اللغة.
5- الأطفال كالاسفنج في تعلم اللغة. تبيّن البحوث أن هناك “فترة حرجة” لتعلم اللغة عندما يكون الدماغ مستعداً للتعلم اثناء الطفولة، وبعد سن البلوغ تنخفض القدرة على اكتساب اللغة الثانية. وتبيّن البحوث التي أجرتها الدكتورة باتريشيا كوهل، في معهد التعلم وعلوم الدماغ في جامعة واشنطن، أن الأطفال في بيئة اللغة الواحدة من الذين تتراوح أعمارهم بين 8-12 شهراً، يركزون على الأصوات التي هي بلغة الأم، ولا ينتبهون للأصوات باللغات ألاخرى. اما إذا كان الأطفال معرضين للغة ثانية، فإنهم يحتفظون بالقدرة على تمييز الأصوات الأجنبية. في خلال سن 7 أو 8 أعوام، يمكن للأطفال تعلّم التحدث بلغة ثانية مع فهم قواعد اللغة بطلاقة وبدون لهجة. بعد هذه الفترة الحرجة تنخفض القدرة على إتقان لغة أجنبية تدريجياً.
6- قامت الدكتورة كاثرين كينزلر، في جامعة كورنيل، باختبار الأطفال أحاديي اللغة وثنائيي اللغة في مهمة تتطلب منهم النظر من منظور شخص آخر لفهم معناها. كان أداء الأطفال في بيئات ثنائية اللغة أفضل من الأطفال في بيئات أحادية اللغة. وكما توضح الدكتورة كاثرين، فإن “الأطفال في بيئات متعددة اللغات لديهم تجارب اجتماعية توفّر ممارسة روتينية في معرفة وجهات نظر الآخرين، أي أنهم يفكرون في من يتحدث تلك اللغة والى من يفهم محتواها وكذلك في الأوقات والأماكن التي قد تختلف فيها معاني اللغة”.
7- أظهرت بعض الدراسات، أن الناس الذين يتكلمون بانتظام لغة ثانية، تتأخر فيهم اعراض مرض الزهايمر، وغيره من أنواع الخرف بنسبة 4.5 سنة. الفرضية هي أنه من خلال تحسين الوظيفة التنفيذية للدماغ عند ثنائيي اللغة يتطور “الاحتياطي المعرفي” الذي يساعد في تأخير أعراض الخرف.
8- أظهرت الدراسات، أن المتحدثين باللغات النغمية، مثل الماندرين والكانتونية الصينية، كانوا أفضل في تحديد النغم الموسيقية من المتحدثين باللغات غير النغمية مثل الإنكليزية والفرنسية.
9- أحد الأسباب المهمة لرغبة العديد من الآباء في أمريكا وأوربا من أصل أجنبي في تعليم أطفالهم لغة أخرى، هو لكي يتمكنوا من التحدث إلى أفراد الأسرة في لغتهم الأم. ليس فقط يمكن بتعلم اللغة تحسين التواصل، وانما يأتي جنباً إلى جنب مع قدر كبير من البصيرة الثقافية التي يمكن أن تساعد الأطفال في تفهم وجهة نظر عائلتهم. في المجتمع المغلق عندما يتقدم الأطفال في السن، غالباً ما يتعلمون أنهم يستطيعون العيش من دون لغة اجنبية، ونتيجة لذلك، فإن المجتمع يفرض على نفسه حصاراً ثقافياً مما يزيد من التطرف والتزمت واتخاذ القرارات الخاطئة.
10- بالتأكيد، هناك سعادة تأتي من القدرة على التحدث مع الآخرين في لغتهم الأم – ناهيك عن شعور الإنجاز. ولكنَّ جزءاً من متعة تعلم لغة أجنبية هو اكتشاف الاختلافات في كيفية نظرة الناس إلى العالم. انها متعة للتفكير على سبيل المثال، لماذا ينطق الكلب “ووف ووف” في اللغة الإنكليزية، و “وانغ وانغ” في الماندرين الصينية و “كوا وا” باللغة الإسبانية و “هوهو” بالفرنسية و “عوعو” باللغة العربية بالرغم من أن للكلب نباحاً واحداً. ما هي الكلمة الصحيحة؟ انها متعة اكتشاف الكلمات في لغة أجنبية والتي لا وجود لها في لغتك الأم.
أرجو أن تكونوا قد اقتنعتم بضرورة تعلم اللغات الأجنبية في مقتبل العمر، وبأن قرار الاستغناء عن تدريس اللغة الإنكليزية في إيران قرار غبي، راجياً عدم الاقتداء به مهما كانت الأسباب والمسبّبات.

أحدث المقالات

أحدث المقالات