27 تحالفاً أو ائتلافاً من 304 أحزاب وحركات وجماعات سياسية، ستخوض الانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة التي لم يزل موعد إجرائها الأكيد موضع شك.
عدد مهول ولا شك، فالعراق بلد صغير من حيث السكان والمساحة بالمقارنة مع العشرات من بلدان العالم التي يتجاوز عدد سكانها عدد سكان العراق بعشرات المرات، لكنّ الانتخابات فيها لا تُثير طمع الجماعات والاشخاص بمثل ما تُثيره الانتخابات العراقية.
الهند تصلح أنموذجاً ومثالاً للمقارنة.. هي أكبر دولة ديمقراطية في العالم وثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان بعد الصين. عدد سكان الهند بلغ هذا العام ملياراً و285 مليون نسمة. في انتخابات العام 2014 كان عدد الذين يحقّ لهم الاقتراع 814 مليوناً، أي أكثر 22 مرة من عدد سكان العراق بأجمعهم. والهند المتشكّلة من 28 ولاية (إقليماً) تعيش فيها 347 قومية وجماعة عرقية ويُدين سكانها بـ 180 ديناً.
مع هذا كلّه فإن برلمان الهند الوطني يتكوّن من 543 مقعداً، أي مرة و65 بالمئة فقط بقدر عدد مقاعد مجلس النواب العراقي. ومع هذا كلّه أيضاً فإن عدد الاحزاب والائتلافات الوطنية والإقليمية التي خاضت انتخابات العام 2014 في الهند كان 41 حزباً وكيانا سياسياَ فقط.
ما السرّ الكامن وراء العدد الفلكي للاحزاب والجماعات المُتقدّمة للمشاركة في الانتخابات العراقية؟
بالتأكيد لا يكمن السرّ في حيوية المجتمع العراقي بالمقارنة مع المجتمع الهندي ولا بفعالية الحياة السياسية في العراق بالمقارنة مع نظيرتها الهندية ولا بزيادة منسوب الوطنية لدى العراقيين مقارنةً بالهنود… السرّ يكمن في كلمة واحدة، هي: الفساد.
السلطة في العراق منذ 2003 أكبر مستودع للفساد الإداري والمالي، فالمال العام العراقي مال سائب، ومعلوم أن المال السائب يعلّم السرقة. والفساد في العراق تجاوز المال العام الى المال الخاص، فكثيرون ممّن امتلكوا النفوذ والسلطة والسلاح لم يتردّدوا عن التعدّي على أملاك الناس الشخصية، وبخاصة أملاك ما تُعرف بالأقليات، الدينية والقومية.
من دون تردّد يُمكن القول إنّ 90 في المئة من الأحزاب والمجموعات التي شكّلت نفسها كيانات سياسية لخوض الانتخابات القادمة دافعها الوحيد الطمع.. إنها تطمع في الوصول الى السلطة للحصول على النفوذ وللتمتّع بالمال الذي تتيحة السلطة، إنْ في مجلس النواب أو في الحكومة أو في مجالس المحافظات والحكومات المحلية.
لو كانت الرواتب والمخصصات الممنوحة الى أعضاء مجلس النواب والوزراء والوكلاء وأعضاء الهيئات”المستلقة والمحافظين وأعضاء مجالس المحافظات كانت بنصف ما هي عليه الآن لتراجع عدد الاحزاب والكيانات والتحالفات الانتخابية الى أقل من نصف عددها الحالي، ولو كانت بربع قيمة الرواتب والمخصصات الحالية لتراجعت الى أقل من ربع العدد الحالي. أما لو كانت هناك سياسة حقيقية لمكافحة الفساد الإداري والمالي لتراجع العدد الى نحو عشرة في المئة.. وهذا بالضبط ما يحتاج إليه العراق من الأحزاب والائتلافات السياسية لبناء دولة ديمقراطية مستقرة ونامية.
لمناسبة المقارنة مع الهند، فإن رئيس الوزراء الهندي يتقاضى راتباً مقداره 28 ألف دولار أميركي سنوياً.. أي أقل من 2500 دولار شهرياً!