إن أي طارئ او حدث يقع في أي شبر من أية محافظة عراقية، يُعد شأنا عراقيا بحتا، وقطعا يكون له تأثير مباشر على كل عراقي -شريف حصرا- بصرف النظر عن موقع تلك المحافظة وديموغرافيتها. فمعلوم ان العراق جسد واحد من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه، وبهذا يأخذ الاهتمام بأي شأن من شؤون مدنه وقراه وقصباته نفس الأبعاد، ويستقطب التفاعل والتعاطف ذاتهما، من قبل اي مواطن يحمل الهوية العراقية. وفي حقيقة الأمر ان من الثوابت في هذا البلد التي لاتعتريها تغيرات مهما علت أمواج التغيير التي تعصف ببلدان الوطن العربي في السنوات الأخيرة، هو مدى رسوخ وثبات القاعدة الاساسية والخلية الأهم فيه وهو الفرد العراقي، الذي لايأبه بما يأتي به ساسة طارئون يمرون عليه مرور السحاب على فنار شامخ، لايهتز او يميل إلا لمصلحة البلد عامة، نائيا عن مصالح خاصة تميل الى فئة دون أخرى.
ومامر بالعراق من ظروف قاهرة خلال الأعوام 2006- 2007 أكبر دليل على لحمة مكونات الشعب العراقي وقوة الأواصر التي تربط بين أفراده، إذ ان المخطط كان يستهدف الشخص العراقي ذاته للنيل من وحدة صفه وتفريق جمعه، بانتهاز فرص كانت قد افتعلت لإثارة موجة تمكـِّن المتصيدين في الماء العكر من ان يعزفوا على وتر، ظنوا انهم سيؤلفون من عزفهم ذاك سمفونية تحقق غايات عديدة، منها العودة بالبلد الى مربع يسمونه الأول، وهو في الواقع مربع ليس له ثانٍ يريدون أن يقبع العراق تحت نيره، لتمرير مخططات أكبر من ذلك وأوسع على المستويين السياسي والإقليمي، لرسم خارطة شرق أوسطية تمزق وحدته وأرضه وسماءه.
الى هنا والحديث عن اللحمة والتراص والثبات في سطوري مازال عن المواطن العراقي فقط، ولو أردت الإنتقال بمفرداتي للحديث عن السياسيين وربابنة سفينة العراق سيأخذ المقال منحى آخر، حيث لاوجود لمصطلحات اللحمة والتراص والثبات في يوميات أغلب مسؤولينا وساستنا وحيثياتهم، بل تنشط في أجواء اجتماعاتهم ولقاءاتهم واتهامات أحدهم الآخر مصطلحات أخرى، تنأى عن مفهوم التفاني في سبيل المصلحة العامة، إذ نجد المآرب الشخصية والمادية والحزبية والفئوية لها أولويات تفوق مصالح البلاد والعباد بكثير. فهنيئا للعراقيين تكاتفهم الذي لم تزحزحه السنون العجاف، ولعل يوما قريبا يأتي يتعظ به سياسيونا، ممن لايرون في مناصبهم إلا صفقات رابحة على حساب المواطن، ويرعوون بما يملك الشعب بعامته من روح المواطنة الحقة والغيرة على بلدهم، ولعل أقرب دليل على وحدة الصف بين أفراد الشعب العراقي، هو ردود أفعالهم إزاء أي اعتداء يحصل على أرضهم، فهم في شرائحهم وقومياتهم ودياناتهم وطوائفهم كافة، يستجيبون لنداء الوطنية الصميمية، والتي يفتقدها ساسة العراق وحاكموه، سواء أكانوا في العراق الجديد كما يسمونه، أم في العراق (ماقبل الجديد) إن صحت التسمية، فهم في كلا الحالتين ليس لهم في العراق غير المصالح الأنانية، فنرى كلا منهم يبكي على ليلاه، وفق ما تمليه عليه مآربه.
وما يثبت هذا أن أغلبهم له غير العراق بلد يلجأ اليه حين تنتفي مصلحته من العراق، إذ هناك أسس له وطنا، وبناه من خيرات العراق ومما نهبه من حقوق العراقيين، ومادام جواز السفر مؤشرا، وحقيبته جاهزة على أتمها، فالرحيل هو أقرب الطرق النافذة الى النجاة والنفاذ بما سلبه، ولنا في هذا كثيرون لو شئنا استذكارهم كأمثلة، لجفت الأقلام من تعدادهم، ومن البديهي أن ولاءهم لن يكون للعراق -كما لم يكن له يوما قط- ولحمتهم التي يحثون العراقيين عليها ليست سوى أداة من أدوات التخدير الموضعي، يجرون بعد زرقها في دماء العراقيين عملياتهم المشبوهة ويرحلون بعد إتمامها الى بلدهم الأم.