تفجير ساحة الطيران في بغداد، أول من أمس، أكبر عمل إرهابي يستهدف العاصمة وسكانها منذ مدة غير قصيرة.. لوقوعه في هذه المنطقة بالذات وبعد يوم واحد من تفجير ساحة عدن، مغزى كبير: الإرهاب عائد كما كان.
لا شيء يمنع الإرهاب من أن يعود مثلما كان عليه في سنوات مضت، يوم كان يضرب يومياً تقريبا بكل راحة… كثيرون كانوا يُلفتون الانتباه إلى سبب قويّ لتفاقم الإرهاب في تلك السنوات، هو قصور النظام الأمني، وكثيرون أيضاً كانوا يُلفتون الانتباه إلى أن هذا القصور مردّه إلى الفساد المتفاقم في مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسة الأمنية والعسكرية التي لم تُراعَ في تعيين قياداتها شروط الوطنية والمهنية والنزاهة، بل كانت التعيينات محكومة بالعلاقات والارتياحات الشخصية ومقيّدة بنظام المحاصصة.
اجتياح الموصل بسهولة شرب الماء، ثم ثلث مساحة البلاد بمدنه المكتظّة، كشف كل الاوراق… بعد فوات الأوان!
منذ إنجاز تحرير الموصل لفت كثيرون أيضاً إلى أن هزيمة دولة الخلافة الداعشية لا يعني أبداً هزيمة الإرهاب… الإرهاب لا يكلّ ولا يملّ، لديه أجندة يستقتل من أجل تنفيذها، وهو كثيراً ما يستغلّ غفلة الأجهزة الأمنية وتواكلها وفساد بعض عناصرها أيضاً لتحقيق مآربه.
تفجيرا ساحة الطيران وساحة عدن أقلّ ما يكشفانه ضعف جاهزيّة المؤسسة الأمنية في مواجهة الإرهاب، ليس فقط لجهة الاستخبارات بل أيضاً لجهة التعامل السريع مع العمل الإرهابي للتقليل من آثاره وأضراره.
كان يتعيّن أن تدرك قيادة المؤسسة الأمنية ورئاسة الحكومة أنّ داعش وسواه من المنظمات الإرهابية ستعود إلى تكتيك حرب المدن الإرهابية القائمة على العمليات الانتحارية وتفجير المفخّخات… كان عليهما أن تدركا أيضاً أنه قد اجتمع في هذه الفترة بالذات عنصران يحرّضان منظمات الإرهاب على العودة الى هذا التكتيك، هما الهزيمة في حرب العام الماضي، وقرب موعد الاستحقاق الانتخابي.
إدراك كهذا كان سيُدلّ قيادات المؤسسة الأمنية ورئاسة الحكومة إلى وجوب تفعيل العمل الاستخباري من جانب، ومن جانب آخر اتّخاذ الاحتياطات في العاصمة والمدن الأخرى، وبينها توفير وجود أمني فعّال في المناطق المرشّحة أكثر من غيرها للعمليات الإرهابية، وهي المناطق الأكثر زحاماً ونشاطاً بشرياً. الوجود الفعّال لا يكون بنشر أعداد كبيرة من العناصر، إنما أيضاً ألا تُمضي هذه العناصر أوقات وردياتها بالتثاؤب واللعب بالتلفونات الذكية.
الأمن أولوية الأولويات.. هذا ما كان يجب أن يكون، وهو ما يجب أن يكون الآن وفي المستقبل. والفترة القادمة الممتدة من الآن الى تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات مرشحة لنشاط إرهابي لا يعرف الهوادة، بيد أن هذا النشاط لن يقتصر على داعش وسائر منظمات الإرهاب.. إرهاب الجماعات السياسية المتنافسة والمتصارعة على السلطة والنفوذ والمال لا يجب بأي حال التغافل عنه.