23 سبتمبر، 2024 9:31 م
Search
Close this search box.

حتى سينما الثمانينيات .. قصة العرب مع “الفن السابع” !

حتى سينما الثمانينيات .. قصة العرب مع “الفن السابع” !

خاص : عرض – سماح عادل :

“السينما” أحد أهم الفنون بالنسبة للإنسان.. وقد بدأت تظهر في منطقة الشرق منذ زمن طويل، فقد ظهرت في مصر من أواخر القرن التاسع عشر، ثم بدأت تنتشر كفن في باقي البلدان العربية ببطء، ورغم ذلك لا نجد دراسات تتناول نشأة السينما وتطورها في البلدان العربية سوى دراسة خرجت في الثمانينيات بعنوان (السينما في الوطن العربي)؛ لـ”جان الكسان”، وباقي الدراسات تهتم بدراسة السينما بشكل قومي، حيث تتم دراسة السينما في كل بلد على حدة، وتكمن أهمية كتاب “جان الكسان” في أنه يروي قصة السينما داخل الوطن العربي، ويسعى الكتاب إلى رصد مسيرة السينما العربية خلال نصف قرن من الزمن، منذ بدايتها وحتى فترة الثمانينيات وقت صدور الكتاب.

مشكلات السينما..

يعترف الكاتب في بداية كتابه بصعوبة هذه المهمة، لأن الباحث نفسه عندما يحاول دراسة هذه السينما من خلال ملامح مشتركة للإنتاج السينمائي العربي في البلدان المنتجة للسينما بالوطن العربي يكتشف أن هذا الفن، بشكل أو بآخر، إنعكاساً للوضع السياسي والاقتصادي المتباين بنسب متفاوتة بين هذه البلدان، كما يكشف الكتاب عن المشكلات المشتركة في صناعة السينما في البلدان العربية حتى الثمانينيات، والتي تتلخص في:

– إكتساح الأفلام الأجنبية دور العرض؛ وعدم إستطاعة الإنتاج العربي، المحلي بصورة خاصة، مزاحمة هذه الأفلام أو أن يكون البديل لها، وهذا بعض من تركة الإستعمار في الوطن العربي.

– سيطرة القطاع الخاص في جميع الأقطار العربية، باستثناء الجزائر، على دور العرض السينمائية، الأمر الذي جعل مستوردي وموزعي ومستثمري الأفلام يفضلون الأفلام التجارية ذات الرواج الجماهيري الواسع على غيرها.

– سوق التوزيع المحدودة أمام الفيلم العربي، ويعد الفيلم المصري ،ˆلما له من تاريخ طويل، مختلفاً في هذا اﻟﻤﺠال، فما تزال أكثر الأسواق العربية شبه مغلقة أمام الأفلام العربية المنتجة في أكثر أقطار الوطن العربي، إلا في بعض المناسبات النادرة مثل المهرجانات أو الأسابيع السينمائية المتبادلة.

– اللغة العربية الواحدة المفقودة في السينما العربية، إذ أن كل قطر عربي ينتج أفلامه باللهجة المحلية التي يصعب فهمها في أقطار أخرى، وبصورة خاصة بين أقطار المغرب العربي ومشرقة، ولهذا لم نستغرب عندما قال اﻟﻤﺨرج المغربي “أحمد المعنوني”، في ندوة لمناقشة أحد أفلامه في “مهرجان دمشق السينمائي” ١٩٧٩، إن أكثر الجمهور خرج من الصالة أثناء عرض الفيلم لعدم فهم لهجة الحوار المغربية.

– الصدام التقليدي بين العقلية الإدارية البيروقراطية وبين عقلية الفنان السينمائي، خاصة إذا كان من الشبان الجدد المتخرجين حديثاً، والذين يحاولون أن يقدموا سينما جديدة تخرج عن الأطر المتوارثة للسينما العربية التقليدية، بالإضافة إلى الصدام مع الرقابة التي كثيراً ما تتشبث بجزيئات تراها مهمة في حين يرى الفنان تجاوز أمر حذفها لأنها تخدم الهدف من الفيلم وليس عليها من غبار، مادامت مقبولة في السياق العام للحدث أو القصة، كبعض مشاهد الجنس مثلاً أو بعض الحوار الذي له مدلول سياسي معين.

– قلة الكوادر والإمكانات الفنية مع الإشارة إلى أن بعض مؤسسات السينما تقدم الدعم المادي والفني للسينمائيين، إلا أن هذا لا يمنع من أن كثيراً من الأعمال السينمائية أنتجت بإمكانات متواضعة وبجهود فردية كبيرة. ولا تزال هذه السينما تحتاج إلى المزيد من الكوادر والإمكانات، خاصة وأن هناك بين اﻟﻤﺨرجين العرب طاقات كبيرة بحاجة إلى مثل هذه الكوادر والإمكانات الكبيرة ليكون عطاؤها على مستوى طموحاتها الكبيرة، وأمامنا مثال صارخ هو اﻟﻤﺨرج العربي السوري “مصطفى العقاد”، الذي أستطاع أن يقدم أعمالاً سينمائية على مستوى عالمي عندما توفرت له الإمكانات والكوادر الفنية المطلوبة كفيلم (الرسالة) وفيلم (عمر اﻟﻤﺨتار) وغيرهما.

– الإتجاهات المتباينة في السينما العربية بين القطاع العام والخاص؛ من جهة وفي إنتاج القطاع العام نفسه بين قطر وآخر من جهة أخرى. ففي حين أتجهت “الجزائر”، وعلى مدى سنين طويلة، إلى إنتاج الأفلام الروائية التي تؤرخ سيرة حرب التحرير، خصصت سينما القطاع العام في “سورية” قسماً كبيراً من إنتاجها للقضية الفلسطينية وللصراع الطبقي، وأتجه القطاع العام في “العراق” إلى إنتاج الأفلام الروائية عن تاريخ النضال السياسي في العراق والنضال في الريف ضد الإقطاع والإستغلال. وأما في “مصر” فتجربة السينما بين القطاع العام والخاص أصبحت تاريخاً حافلاً.

ويرى الكتاب أن المشكلة الأساسية لهذا الواقع، ولهذه الإتجاهات المتباينة، وخاصة التي كانت بين القطاعين العام والخاص، هي هذا التأرجح بل والإختلاف في الرأي والإجتهاد بين كون السينما فناً يجب أن يعتبر جزءاً من التوجيه الملتزم العام كالإذاعة والتليفزيون والصحافة وبقية أجهزة الثقافة والتربية والأعلام، وبين أن يظل قسم منه سلعة للربح والمتاجرة مثل بقية السلع العصرية المتداولة في سوق العرض والطلب، بالإضافة إلى أن التعاون والتنسيق والتخطيط المشترك أمور لا تزال دون الطموح المرجو بين القطاعات المشرفة على السينما أو المنتجة لها في الوطن العربي، وكذلك إختلاف النظرة إلى هذا الفن ودوره من قطر إلى آخر.

مغامرات فردية..

يبين الكتاب أن بعض البلدان العربية ليس فيها صناعة سينما أو أن هذه الصناعة فيها لا تزال في بدايتها، ومجرد محاولات أولية أو مغامرات فردية، مؤكداً على أنه كانت السينما في جميع أقطار الوطن العربي، باستثناء “الجزائر”، مغامرات فردية في بداياتها، حققها أفراد بهرتهم صناعة هذا الفن الجديد كما بهرتهم أضواؤه والهالة التي كانت تحيط بنجوم السينما الأميركية والأوروبية. ولكنه مع ذلك يعترف بأنهم كانوا ينطلقون في تلك البدايات من منطلق جاد ومحاولات فيها نوع من الإلتزام الطوباوي بالمثل وببعض القضايا الإنسانية والخلقية في مفهوم تلك الفترة. وعلى الرغم من الإمكانات المحدودة التي أنتجت بها الأفلام الأولى في السينما العربية؛ فإنها في مجمل مضمونها لم تكن أفلاماً بلا هدف، بل كانت تحاول أن تطرح بعضاً من واقع الصراع بين مفاهيم خلقية واجتماعية معينة في الريف والمدينة.

السينما سلعة تجارية..

يكشف الكتاب أن البدايات في السينما داخل البلدان العربية، وعلى الرغم من تقارب أكثرها زمنياً وموضوعياً، تحولت فيما بعد إلى إتجاهات متباينة، وبصورة خاصة، في “مصر” التي كانت “أم السينما العربية”، فبعد أن كانت البدايات الأولى لهذه السينما الرائدة في الوطن العربي تبشر بأنها سينما فيها الكثير من الجدية في محاولة تناول قصص من واقع ومعاناة الإنسان العربي في مصر آنذاك، بدأت تتحول على أيدي عدد من تجار الخردة وأثرياء الحرب إلى سلعة تجارية من نوع جديد؛ فتحولت القصص الجادة التي كان يختارها بعض اﻟﻤﺨرجين الجريئين واﻟﻤﺨلصين إلى نوع آخر من القصص الإستعراضية المحشوة بتابلوهات مفتعلة، من إستعراض الرقص الشرقي والغناء المتهافت في مشاهد هي أقرب إلى الأوبريتات المبتسرة، تندس في الفيلم ˆمناسبة وبغير مناسبة وتحقق للجمهور نوعاً من التسلية ونوعاً من الإنشغال عن الهموم الحقيقية، ومنها مآسي الحرب والإحتلال ووجود الإستعمار والأزمات الاقتصادية إلى آخر هذه القضايا، التي كانت تنخر في عظام الناس والوطن.

وقد أصبحت أكثر الأفلام تدور حول شاب فقير يحب بنت الباشا، وموظف صغير تحبه ابنة صاحب المصنع، وزوج تخونه زوجته وآخر يتزوج من أجنبية ويأتي بها إلى البلد، ومطرب موسيقي مغمور يقع في هوى الأميرة التي يدرسها الموسيقى، وفنانين غلابة يعانون في فرقتهم المتواضعة حتى تنقذهم الفتاة الثرية الجميلة الرائعة صاحبة القلب الطيب، وحي شعبي يعيش فيه الناس مع طبق الفول على طريقة “القناعة كنز لا يفنى”. بالإضافة إلى موجة أفلام “فريد الأطرش” و”الحب من غير أمل” والميلودراما الاجتماعية.

إنتكاسة للسينما..

يعتبر الكتاب تلك الفترة إنتكاسة حقيقية للسينما العربية، أمتدت سنوات عديدة وخرجت بالسينما عن أهدافها كفن جماهيري هادف إلى مجال المتاجرة، وظهر عدد من المنتجين واﻟﻤﺨرجين الذين أستعجلوا الثراء والشهرة الفارغة على حساب الفن والذوق والأخلاق، وأصبح “الفن السابع” بعيداً عن قضايا الناس وهموم الجماهير. وعندما قامت المؤسسة العامة للسينما وحاولت أن تطرح بديلاً لهذه السينما أستغل تجار السينما الأخطاء الإدارية التي وقعت فيها، والأموال الكبيرة التي أنفقتها فأجهزوا عليها وعادت السينما في مصر إلى سيرة المتاجرة.

إتجاهين للسينما العربية..

يصنف الكتاب السينما في البلدان العربية إلى إتجاهين؛ موضحاً أنه، باستثناء تجربة السينما الجزائرية، التي تشرف على قطاع السينما كاملاً، بما فيه دور العرض التي —تملكها البلديات، كان هناك إتجاهين في السينما العربية، أحدهما للقطاع الخاص الذي أستشرى في بعض الفترات بصورة جنونية والآخر للقطاع العام الجاد والملتزم. وإذا كان القطاع الخاص قد أستطاع أن (يلتهم) القطاع العام في “مصر”، إلا انه بدأ ينحسر في “سورية ولبنان”، وأنتهى بصورة قطعية في “العراق”، ولكن السوق ما تزال مغرقة بالإنتاج المتوفر لهذا القطاع، المصري بصورة خاصة، والذي ساهم في إفساد أذواق الجماهير على مدى نصف قرن من الزمن.

لقد كان قيام مؤسسات السينما في بعض الأقطار العربية، مرحلة إنعطاف في تاريخ السينما، “الجزائر – مصر – سورية – فلسطين – العراق”، وترافق ذلك مع ظاهرة أخرى لا تقل عنها أهمية، بدأت مع عودة مجموعة من السينمائيين الشبان الجدد الذين درسوا السينما في الخارج، وجاءوا يحملون شهادات إختصاص ويحملون معها أحلاماً وطموحات كبيرة كانت كثيراً ما تصطدم بالواقع التقليدي للسينما وبالعقبات الأخرى الروتينية، وبالآراء التي يحملها حتى السينمائيون الذين كانوا من أسباب الأزمة ومن مصلحتهم ألا يفسحوا اﻟﻤﺠال أمام هؤلاء السينمائيين الجدد الذين جاءوا يحملون وعد السينما البديلة، التي قد تستطيع أن تتجاوز واقع الإتجاهات المتباينة للسينما العربية.

لقد خلق تباين الإتجاهات والمستويات للسينما العربية، بين أقصى مراحل المتاجرة وأقصى حدود الجدية، جمهوراً من النخبة، وهو جمهور لا يزال قليلاً من حيث العدد، إلى جانب جمهور آخر واسع من المتفرجين التلقائيين ساهم التليفزيون في زيادة عدده يبكي مع أبطال الميلودراما ويطلق ضحكات جوفاء مع الحركات والقفشات الكوميدية المبتذلة، ويتعاطف مع قصص الغرام السطحية التي تحشى عادة بكل توابل السينما التجارية من مفاجآت ورقصات ونكات وأغان ومشاهد جنسية لا مبرر لها.

تيار جديد..

يضيف الكتاب أنه على الرغم من جميع النتائج السيئة لنكسة حزيران/يونيو ١٩٦٧، فأنها أفرزت تيار السينما الشابة الجديدة بشكل واضح في عدد من أقطار الوطن العربي، وكان ممثلو هذا الإتجاه يرفضون مبدئياً الواقع السينمائي القائم وقد أنتقلوا من التنظير إلى الممارسة العملية، وإن كانت أفلامهم تجد صعوبة في أن تشق طريقها بين الجماهير العريضة. مع هذا أثبتت هذه السينما وجودها وبدأ السينمائيون العرب، الشباب بصورة خاصة، يحاولون أن يكونوا أصحاب قضية ويهدموا في البنى التقليدية المتخلفة ﻟلمجتمعات العربية، ومن هنا كانت أهمية “مهرجان دمشق الدولي” الأول لسينما الشباب عام ١٩٧٢، الذي كان بداية لعملية مد جسور اللقاء والتعاون بين السينمائيين العرب لتجسيد هوية السينما الجديدة التي تخاطب إنسان العصر بلغة تؤكد أنها تحترم وجوده وعقله وتساعده على تجاوز مواقع الإتكال واللامسؤولية والتخلف، إلى مواقع متقدمة أكثر فعالية وأكثر جدوى.

تقدم في الستينيات وأزمة في السبعينيات..

يستمر الكتاب في تتبع قصة السينما، مبيناً أنه من المؤسف أن تكون نهاية السبعينيات بداية أزمة جديدة في السينما العربية، بينما كانت الستينيات نقطة إنطلاق حقيقية لحركات تجديد جادة وأصيلة إنبثقت في وقت واحد في عدة أقطار عربية، كأنها كانت على موعد مع التقدم.

ففي “مصر” تجمع شباب السينما في “جماعة السينما الجديدة “، وطالبوا بتغيير جذري لنظم الإنتاج وبثورة كاملة في وسائل النفاذ إلى الواقع، ولم تقتصر فعاليتهم على مجرد “التنظير” لهذه السينما الشابة، بل أرتبط فكرهم بالتطبيق العملي منذ بداية ظهور ذلك التيار. وفي “سورية” بدت إنعكاسات تلك الحركة في الأسلوب الذي أتخذته اﻟﻤﺠموعة التي ألتفت حول “مؤسسة السينما”.

وفي “الجزائر” أقترن ظهور الجيل الثاني من السينمائيين، وفي مقدمتهم “محمد أبو عماري” و”سيد علي مازيف” و”عبدالعزيز طولبي” و”محمد زينات”، برفض رد حركة الواقع إلى التاريخ، فالفيلم من أهم وسائل الكشف عن وعي الإنسان بالعلاقات المحيطة به، وإذا كان الواقع في تطور وتغيير مستمرين فإن إقتصار السينما على إنتاج أفلام تسرد بطولات “حرب التحرير” و—تمجد رواد “الثورة الجزائرية” يؤدي إلى نتائج عكسية، طالما أن الجمهور قد وصل إلى حد الإشباع بالنسبة لوعيه بالماضي، وبلغ درجة فقدان المكان بالنسبة لمعاصرته لمن حوله، ومن هنا ضرورة الإتجاه إلى الحياة إلى الواقع.

وقد وصلت أصداء هذه الدعوة التقدمية إلى سائر أطراف المغرب العربي، فبدأ اتحاد السينمائيين في “تونس” المعاصرة وأنتقل أكثر الشبان جرأة من النظرية إلى التطبيق، ولأول مرة قام فيلم مثل (وغدا) لـ”إبراهيم باباي” بتصوير كيف تتمزق أحلام الفلاح التونسي الذي تلفظه الأرض عندما يهاجر إلى المدينة، وفي فيلم (الخماس) لـ”الطيب الوحيشي” صور كيف لا تتغير علاقات الإنتاج الإقطاعية – العشائرية في الريف؛ رغم ما ينتشر في المدينة من حديث، مجرد حديث، عن التطور والمدنية والدخول في العصر الحديث، وهذا أيضاً ما حدث في “المغرب” عندما بدأت حركة السينما الشابة بفيلم (ألف يد ويد) لـ”بركة”.

سينما وطنية في الستينيات..

يوضح الكتاب أن السينمائيين الجدد في الوطن العربي، والذين ولدت عطاءاتهم في ظل أجهزة الدولة الإيديولوجية، باستثناء سينمائيي “تونس والمغرب”، وجدوا أمامهم أسباب تحقيق وكفالة استمرارية الإنتاج وتخطي مصاعب النفقات خاصة، عندما يقتنع المسؤولون في هذه الأجهزة بأهمية السينما لربط الجمهور بحركة الثورة الاجتماعية، ومن هنا كانت الستينيات فرصة مواتية أمام هؤلاء لخلق سينما وطنية، ثم محاولة تجاوزها إلي سينما أكثر تقدماً، على الرغم من سيطرة العقلية التكنوقراطية على بعض هذه الأجهزة ‚مما أبعد بعض المحاولات الجادة – أو كثيراً منها – عن تقديم الفكر القومي. قال البعض: إن مشكلة السينما تكمن في تخلفها التقني، وقال البعض الآخر: إن المشكلة هي في تجمد محتوى الفيلم الجاد ضمن بناء محدود.

حتى الفيلم الجزائري الشهير (وقائع سنوات الجمر)، برغم الشهرة التي حققها، كانت حوله ملاحظة هامة من هذا النوع، طرحها الناقد “صبحي شفيق”، في مجلة (السينما العربية) العدد الأول، عندما قال: “ما نلمحه في أغلب أفلامنا أن رؤية الواقع تتحول إلى رؤية فرد واحد نحمله حديثنا، وغالباً ما يكون الحديث الذي تريده السلطة لا الذي يمليه الواقع، وأضرب مثلاً بفيلم واحد يصلح وحدة قياسية لعشرات الأفلام وأعني به (وقائع سنوات الجمر) للجزائري محمد الأخضر حامينه، رغم كادراته وتكويناته الرائعة ورغم حسه السينمائي المفرط، ينتهي الأمر ˆبمخرج الفيلم إلى توسيع الهوة بين التكنيك وبين المضمون، لأنه جعل من فرد واحد هو أحمد شخصية بطولية لا تنهزم أبداً، نراه منذ عام ١٩٣٠ حتى إنطلاق أول رصاصة من معسكر الثوار في عام ١٩٥٤ لا يجرح ولا يمرض، رغم موت أهله وأبنائه وتدمير قريته عن آخرها، ورغم موت كل رفاقه الذين أشتركوا في الحرب العالمية الثانية، وذلك لأن الواقع هنا يبدو وحيد البعد بينما واقع الجزائر متعدد الأبعاد، وعلى المستوى الدرامي نعبر عن هذا بأن اﻟﻤﺨرج جعل الواقع ينكمش في دائرة الدراما البرجوازية، بينما المضمون يتطلب معالجة ملحمية”. وليس هذا الفيلم هو المثال الوحيد، ولكن هذه المحاولات كانت بلا شك الوجه المشرق والمتقدم للسينما العربية في عدد من الأقطار العربية، ولكنها ظلت دون طموح المهمة الأساسية، مهمة خلق سينما قومية على الرغم من أن عدداً منها قد نال جوائز في مهرجانات دولية وعربية.

دور إيجابي للسينما..

يؤكد الكاتب على أن السينما لا تصنعها المبادرات الفردية وحدها، مهما كانت المواهب والإمكانات المتاحة بين يديها، وبصورة خاصة في بلاد نامية أو متخلفة، وأنه يجب أن يكون للسينما دور إيجابي كبير بعد أن أصبح “الفن السابع” الملهاة الجماهيرية الواسعة، وبعد أن أصبحت هذه البلدان مستهدفة كسوق للتسويق من قبل تجار السينما من المنتجين وسماسرة السينما من المستوردين والمسوقين. ويشدد على أن السينما لا تصنعها مبادرات فردية فقط، فتجربة “خالد الصديق” في “الكويت” تجربة متقدمة في هذا اﻟﻤﺠال، ومثلها تجارب جماعة السينما الجديدة في “مصر”، وتجارب أخرى في “الجزائر وسورية وتونس”، ولكن هل تستطيع هذه التجارب أن تقف في وجه هذا الطوفان المرعب من الأفلام التجارية التي أصبحت سلعة عالمية تخضع لمنطق العرض والطلب، وتخضع لسوق واسعة تلعب فيها المساومات دوراً كبيراً، وهناك دائماً طرق لتسويق هذه السلعة مهما كانت مواصفاتها، مادامت ملايين البشر لا تجد أمامها من سبيل للتسلية غير السينما في أكثر الأحيان.

ويتساءل الكاتب؛ لماذا لا تكون السينما العربية على مستوى الهم القومي، ما دامت تستقطب هذا العدد الكبير من الجماهير ?.. وإذا كان الواقع يؤكد أنها خطت خطوات عملية في هذا اﻟﻤﺠال وخرجت إلى مرحلة المواجهة ضد الإستغلال والقهر والتخلف، وضد محاولات العدوان والإستيطان والإستعمار والتوسع على حساب الشعوب المناضلة، ويعترف الكاتب أن هناك جنوحاً لدى السينمائيين العرب للتحقيق في الماضي وتفادي الصدام المباشر مع الواقع الراهن أو المستقبلي، رغم أن هناك استثناءات قليلة، ويتسائل: هل هذا نوع من الخوف أوالتهرب من المسؤولية أو هو نوع من الإتكاء المريح نسبياً على الماضي ?.. مؤكداً على أنه شيء مفيد وهام ومطلوب أن نسجل الماضي والتراث والأحداث الكبيرة في السينما وأن يقف الجيل العربي الجديد على مشاهد ترصد بعضاً من تاريخ شعبه، ولكن السينما العصرية في بلاد نامية ومتخلفة وطموحة يجب أن تتجاوز أبعاد المواجهة التقليدية إلى مواجهة فعلية للمشكلات والأخطاء والتجارب، خاصة وأن التليفزيون العربي يعيش الفترة المرضية نفسها التي عاشتها سينما التسلية العربية مع القصص السطحية والميلودراما المفتعلة والتاريخ المزيف والرصد المشوه لحكايات الأسلاف والإخلاف على حد سواء أن كان ذلك في قصة بدوية من الصحراء أو في قصة عصرية من عواصمنا العربية.

ويؤكد الكاتب على أن  شعبنا العربي يعيش أقسى مرحلة في تاريخه المعاصر وهو شحن إمتحاناً مصيرياً صعباً على جميع المستويات إنه يجابه مؤامرات من كل نوع ومن عدو شرس يستهدف وحدة ترابنا العربي وثرواتنا القومية ومستقبل أجيالنا. بالإضافة إلى أن هذا الشعب يخوض معركة أخرى قاسية على صعيد التنمية وفي مجابهة تركة ا لماضي من عهود التخلف والإستعمار والإستغلال. والسينما أمام هذا الواقع مطالبة بان تكون في قلب الأحداث ليس بالأسلوب التوثيقي والتسجيلي فقط بل بجميع أساليبها المعروفة.

وهذا الكلام من الكاتب؛ يجعلنا نتساءل إن كان هذا الحال في السينما حتى الثمانينيات، فما بال هذا التدهور الذي وصلت إليه السينما العربية وتحولها إلى سلعة تجارية بحق، بل ووسيلة لإلهاء الناس وتغيبيهم.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة