خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
على الرغم من استمرار مظاهرات الغضب إزاء تردي الأوضاع الاقتصادية في إيران, وتوقع كثير من المراقبين والمحللين بقرب موعد سقوط النظام الديني في طهران، إلا أن النظام لا يزال مستقراً وإحتمال سقوطه لا يلوح في الأفق. هذا ما كشفه المحلل الإسرائيلي، “ألكس غرينبرغ”، في مقال نشره موقع (ميدا) العبري.
النظام مستقر..
يقول “غرينبرغ” إن الإحتجاجات الشعبية التي إندلعت في إيران، قبل عدة أسابيع، لا تزال مستمرة وإن كانت بزخم أقل. والآن تبدو بعض التوقعات بإقتراب سقوط النظام أبعد عن الواقع, وعلى أية حال فإن الأوضاع المعقدة في إيران تجعل من الصعب للغاية تحديد تصور واضح لما ستصير إليه الأمور.
ولقد بدأت موجة الإحتجاجات مع إنطلاق الشرارة الأولى في مدينة “مشهد” عندما تظاهر المواطنون ضد الرئيس “حسن روحاني”, وربما أن خصمه في الإنتخابات الرئاسية السابقة، “إبراهيم رئيسي”، هو من كان وراء تلك المظاهرات. وسرعان ما خرجت تلك المظاهرة المحلية عن إطار السيطرة فتحولت إلى موجة غضب شعبي إجتاحت أرجاء البلاد. أضف إلى ذلك أن المظاهرات الحالية في إيران تختلف في كثير من الإعتبارات عن الإحتجاجات السابقة التي كانت قد إندلعت بسبب الإنتخابات الرئاسية في عام 2009.
فالإحتجاجات الحالية تحركها دوافع اجتماعية واقتصادية في المقام الأول؛ ثم تأتي بعد ذلك الدوافع السياسية والإيديولوجية. وهناك فارق آخر وهو أن معظم المشاركين في المظاهرات الحالية ينتمون للطبقات الفقيرة في الدولة، التي أصابها الضرر الشديد بسبب صعوبة الوضع الاقتصادي. كما أن المظاهرات الحالية ليس لها على أرض الواقع قيادة رسمية وواضحة تحدد مسارها. وهذا من ناحية يجعل من الصعب على النظام الحاكم تحديد الجهة المُحركة للإحتجاج وجعلها في معزل, ولكن من ناحية أخرى؛ فبدون قيادة ترفع المطالب المحددة سيكون من الصعب تجسيد نبض الإحتجاج لفترة طويلة في كل أرجاء البلاد.
من الأمل إلى الإحباط..
يضيف المحلل الإسرائيلي أنه عندما ننظر إلى شعارات الإحتجاج نجدها تحمل عدة رسائل أساسية يتم توجيهها خلال المظاهرات. وتبدأ تلك الرسائل بالتعبير عن الإحباط من الثورة الإسلامية والمطالبة بعودة نظام الشاه, مروراً بإنتقاد التدخل الإيراني السافر في دول الشرق الأوسط, ثم إنتهاء بالسخط من الوضع الاقتصادي الذي يعيشه الشعب الإيراني. وهناك شعار آخر تردد كثيراً وهو: “الموت للديكتاتور”؛ الموجه بالطبع ضد المرشد الأعلى “علي خامنئي”، كما ردد المتظاهرون أحياناً شعار: “الموت لروسيا”، التي تعتبر الحليف الأقرب لدولة إيران.
وتعكس الإحتجاجات في الشارع الإيراني مدى غضب الشعب بسبب تبدد الآمال العريضة بعد توقيع الإتفاق النووي, كما تعكس أيضاً مدى الإحباط واليأس المتزايد جراء سوء الأوضاع. وفي الحقيقة هناك شعارات عديدة تتردد ضد النظام الإسلامي، لكنها في معظمها تعكس على ما يبدو عدم الرضا عن الوضع الاقتصادي الذي يؤثر مباشرة على المزاج العام في الدولة, ولا تعكس بالضرورة الرغبة في إسقاط النظام.
معوقات الاستثمارات الأجنبية..
يرى “غرينبرغ” أنه حتى بعد توقيع الإتفاق النووي بين طهران والدول العظمى لا زالت كثير من الشركات الغربية تخشى الاستثمار في إيران مخافة التعرض للعقوبات. حيث تأخذ تلك الشركات في حسبانها ما قد يلحق بها من خسارة بسبب قطع العلاقات مع البنوك الأميركية وهي تفوق أي أرباح قد تتحقق من الاستثمار في إيران. وحتى نظام الحكم في طهران لم يتخذ أي مبادرة لحماية المستثمرين الأجانب, وفي ظل هذا الوضع لا يمكن للشركات الأجنبية إقامة مشاريع اقتصادية، ومن الصعب كذلك جذب مزيد من الاستثمارات.
هناك مشكلة أخرى يعاني منها المجتمع والاقتصاد في إيران تتعلق بتفشي ظاهرة الرشوة والفساد, حيث أن جميع الشركات الأجنبية تقريباً ترصد ميزانية للرشوة لعدم عرقلة مصالحها. وبالإضافة لكل تلك المشاكل فهناك نسبة كبيرة من اقتصاد إيران خاضعة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر, لهيمنة “الحرس الثوري” الذي لن يسارع بالتنازل عما يمتلك من إحتكار هائل. وفي ظل تلك الظروف ستتفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران, لا سيما بعدما أعلنت كثير من الشركات الإيرانية عن إفلاسها خلال الأشهر القليلة الماضية. وهناك تأخر في دفع رواتب العاملين وغلاء المعيشة يرهق المواطنين.
أين الأموال ؟
يرى “غرينبرغ” أن جزءاً من الإحتجاج الشعبي مُوجه أيضاً إلى السياسة الخارجية العدوانية التي، بحسب زعم المتظاهرين، تلتهم كثيراً من الموارد العامة لتحقيق مصالح خارجية. ويؤكد على أن الغضب الشعبي في هذا الشأن تحديداً, لا مبرر له رغم إمكانية تفهمه.
مُضيفاً: “بالطبع لا توجد أرقام دقيقة في هذا الشأن لكن العبقرية الاستراتيجية للنظام الإيراني تقوم تحديداً على مبدأ التكلفة القليلة نظير تحقق أكبر المكاسب. وفي حقيقة الأمر فإن الإنفاق الإيراني في كل من “لبنان وسوريا” – اللتين تمثلان أهم إنجاز استراتيجي لها – يعتبر ضخماً بكل المعايير, ولكن في الأماكن الأخرى التي تمتد يد إيران الطولى إليها، فإنها تُنفق قليلاً مقارنة بما تحصل عليه.
ولقد أستطاعت إيران أن تُقيم في جميع أرجاء الشرق الأوسط جماعات موالية لها بأقل النفقات دون أن تجر الشعب الإيراني نفسه إلى الحروب, أو كما قالت مؤخراً الباحثة الفرنسية “انياس لوفالوا”: “إن إيران تنفق القليل من الموارد وتحصل على مكاسب ضخمة, على النقيض من السعودية التي تنفق مبالغ طائلة دون أن تحقق أي نتائج”.
لذلك لا نتوقع الآن أن يغير النظام الإيراني من استراتيجيته على المستوى الإقليمي, على أعتبار أن بضعة مليارات من الدولارات هنا أو هناك لن تحقق التحسن المطلوب للاقتصاد الإيراني. وحتى الآن ليس هناك أي دليل يثبت أن ما حصلت عليه إيران من إمتيازات في إطار الإتفاق النووي يُستخدم في تمويل سياستها الخارجية.
إنهيار النظام غير وارد..
ختاماً يقول “غرينبرغ”: “إذا عُدنا قليلاً إلى المظاهرات نفسها، وردة فعل النظام عليها, سنجد أن قائد الحرس الثوري (علي جعفري)، قد أعلن الأسبوع الماضي، أنه (تم دحر الإضطرابات الخبيثة). ومن الصعب حقيقة معرفة ماذا يحدث بالضبط حالياً في إيران, لكن ما يمكن قوله إن (جعفري) لم يكن ليخاطر بسمعته بإطلاق تصريح متعجرف لا يستند إلى برهان”.