زادت وتيرة النقد غير الموضوعي، الذي يحمل بين طياته، نبرة المصلحة الشخصية في بعض وسائل الاعلام بمختلف اشكالها في الآونة الاخيرة، ومع هذا الازدياد، بدأنا نلاحظ خروج سياقات هذا (النقد) عن جادة الاعراف الاجتماعية، فأخذ يلامس المحيط المجتمعي لجهة النقد، اشخاصاً ومؤسسات، غير آبه بتبعات ذلك على الاسر والعوائل التي لا ذنب لها سوى عائدتيها الى الجهة (المنقودة) .. وهذا امر لم يعتده الاعلام الموضوعي في الازمان التي عشنا عهودها منذ ستينات القرن المنصرم..
وصدقاً، وقفت متأملا، ومتألما امام رسالة كان كاتبها قد ارسلها الى جهة اعلامية ردا على نقد تناول المؤسسة التي يعمل فيها، وفيها اشارات وتشهير بمسؤوليته الوظيفية .. انشر بعضا من سطورها دون الاشارة الى مصدرها .. تقول: (نتمنى عليكم التفكير كثيرا في مَسالة ادراج اسماء الناس او الشخوص …. ارجو التفكير ان بمثل هذه الأمور البعيدة عن الحقيقة ومنطق وسياق الامور تحقق نتائج عكسية لما يبتغيه الاعلام من إصلاح ومحاسبة من خلال زرع حالة اليأس في نفوس من تبقى من الكفوئين، والذين يعتزون بعملهم واخلاصهم لبلدهم ومؤسساتهم … كما ارجو عدم نسيان ان من تذكروهم من هؤلاء بغير وجه حق لديهم اولاد وعوائل وتاريخ يعتزون به، وان ذكرهم واتهامهم وبصورة غير صحيحة تخلق جروحا لدى ناسهم وعوائلهم ومعاناة مستمرة في مجتمع ترتكز تقييماته وقراراته لسمعة الناس وشرفها ونزاهتها … كما اود التذكير بأننا يمكن ان نتحمل ما يأتينا جراء عملنا بالخدمة العامة ومنغصاتها ولكننا لا نتحمل ان نرى عوائلنا وناسنا تتحمل الكثير من ورائنا).. وتنتهي الرسالة..
شخصياً، انا ادرك ان الأمر ربما يختلط على كاتب النقد غير الموضوعي، فيفرح لتفاعل جهة معينة ترغب بذلك ( النقد) بينما لو أمعن النظر، ودقّق في طبيعة وملامح هذه التفاعل الزائف، لأدرك ان تفاعل هذه الجهة، كان مجرد تهليل لتقديمه لهم سلاحاً لاستخدامه في الإساءة لشخص المسؤول الذي تختلف معه هذه الجهة لأسباب شخصية أو وظيفية، ثم يكتشف كاتب ( النقد) أنه أصبح أداة في يد الآخرين لتحقيق أهداف لا تمت للنصح ولا للمصلحة بأي صلة.. فهناك الكثير من العلامات التي يمكن من خلالها التمييز بين التفاعل الطبيعي العادل مع النقد الموضوعي، وبين استغلال النقد في الإساءة أو تصفية الحسابات، لذلك ينبغي على كل كاتب أن يحذر الانزلاق في أتون مستنقع عدم الموضوعية، وأن يربأ بنفسه عن السقوط في شراك الطعن والاساءة .. فلا يمكن الخلط بين انتقاد الخلل بغية الإصلاح، وبين ترصّد الأخطاء وتضخيم السلبيات، والطعن بالذات الانسانية والاسرية..
في الختام، اقول ان الوعي النقدي الشامل المتقدم، هو تلك الافكار ووجهات النظر والمفاهيم التي تضع مصلحة كل إنسان، كإنسان فوق كل أساس أخر، ويتطابق مع الواقع في حركته وتطوره باستمرار لا يحده في ذلك تعصب مذهبي أو مصلحة وظيفية عابرة، فالتعصب، بكل اشكاله، شبيه بالكذب، وطالما ان الكذب حبله قصير، فأن “الكذابين” اليوم يفتقدون الى سبل تدليك أدمغتهم لأنهم يعانون شللاً في الذاكرة، أمام قوة الحق والصدق ..!