لكل مرحلة من مراحل التاريخ الممتدة في أعماق الماضي السحيق ، برز اشخاص ساءهم الوضع الاجتماعي القائم و رفضوا بعض الممارسات و اعتبروها منافية للطبيعة الانسانية ، و لم يكن هؤلاء أناسا عاديين انما كانوا يمتلكون مؤهلات و قدرات (شأنهم شأن الفلاسفة و العلماء) تؤهل تفكيرهم و تشحذه في ان يتحرك و يسمو و يتطلع نحو العلا و يترقب في السماء ، فما كان منهم إلاّ ان يتأملوا و يفكروا في عملية التغيير و انتشال الناس الى ما هو أحسن ، و كانوا قد وجدو ان الانسان و بسبب ما كان يعيشه من حالات الخوف المتعددة سواءا من ظلام الطبيعة او وحشية الحياة او صعوبة العيش او ظلام الليل الدامس او كثرة الامراض او تعدد حالات العدو المجهول ، يحاول ان يرتبط بقلبه الى مَن يحميه و يطمئن اليه ، و كانت هذه هي البداية و هي استغلال جوانب الضعف لدى الانسان و توجيهها الى مضامين الدين الذي يتكفل بحمايتهم و يبعد عنهم عاديات الزمن و ينقلهم الى عوالم أبدية تسود فيها السعادة و يستتب لهم فيها الخلود ، اي ان اولئك الاشخاص كان امامهم طريقان لاجتذاب الناس حول دائرتهم ، اما تشكيل تجمع على شاكلة الاحزاب او الحركات الحديثة و التي قد لا تكون متبلوره في اذهانهم وقتئذ او الاتجاه نحو الاتيان بدين جديد يدّعون فيه انه من عند الله ، فكانت فكرة الدين هي اكثر مقبولية لدى الناس و هي التي يميلون اليها ، و من هنا بدأت فكرة النبي او المتنبيء او المصلح او الحكيم ، انهم يقدمون هذه المغريات لاجل استقطاب الناس و تسهيل إطاعتهم للاوامر التي يلقونها عليهم ، و لا خلاف في ذلك ان فكرة الدين في حينه كانت فكرة جيدة لان الاهداف من وراءها كانت ايجابية ، و هنا اجتمعت بمرور الزمن و تراكمت القصص و الاساطير و التخيلات و الاوهام لتخلق تركيبة من الافكار تغلغلت في عقول هؤلاء الاشخاص و ترسخت في نفوس صانعيها ، و ما يؤيد ما ذهبنا اليه هو ان هنالك اشكاليات كثيرة ، فانك لم تتيقن من الوحي (الواسطة) و لم تجد له دليلا و لم تعرف كيف يلتقي بالانسان و لم تتيقن من صدق نبوءاتهم و لم تجد عليها دليلا و لم تتيقن من الفائدة من الاديان اضافة الى ذلك انك لازلت تجهل سر الحياة و الهدف منها و لم تقتنع بجميع التبريرات التي ساقها هؤلاء الانبياء او المتنبؤون او المصلحون في كتبهم و تصريحاتهم علاوة على ان كلماتهم تتعارض تارة مع ما جاؤوا به و تتناقض تارة اخرى مع جميع الامور التي يرشدنا العقل اليها ، و بتقدم مسيرة الانسان اصبحت هذه الاديان عقبة كبيرة في وجه تقدم الانسان بعد زوال الهدف الذي من أجله جاءت كما انها و بتقدم الانسان لم تستطع الصمود امام التحدي العلمي لها.