17 نوفمبر، 2024 9:55 م
Search
Close this search box.

مصير التحالف الكردي الشيعي ؟

مصير التحالف الكردي الشيعي ؟

دخل العراق متاهة ازمة سياسية حادة منذ الانسحاب الامريكي نهاية العام الماضي والتي لاتزال يتسع نطاقها بمرور الاسابيع والشهور دونما بارقة امل بحلها وكانت قضية نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي هي من اشعلت فتيل الازمة على اثر وقوف الاكراد مع الهاشمي وضد رئيس الوزراء المالكي الذي يبدوا انه ماض في ملاحقة خصومه السياسيين الواحد تلو الاخر ووضع يده على كل مرافق الدولة الحيوية تمهيدا لولاية ثالثة وتطور الامر الى خلافات شديدة التعقيد قد تصل الى حد الانفجار بين الحكومة المركزية في بغداد وسلطة اقليم كردستان العراق من خلال مشروع سحب الثقة الذي تزعمه رئيس اقليم كردستان مسعود برزاني وتحمست له كتلتا العراقية والاحرار قبل ان يبوء بالفشل لافتقاره للدعم الخارجي والسطوة الواضحة للسيد المالكي وحزب الدعوة على الحياة السياسية العراقية وصولا الى الخلاف القديم الجديد على الشركات الاجنبية النفطية العاملة في اقليم كردستان وانتهاءا بتشكيل المالكي لقيادة عمليات دجلة ونشرها في المناطق المتنازع عليها ولنا هنا ان نتسائل هل باتت ايام التحالف الشيعي الكردي الحاكم للعراق منذ الغزو الامريكي عام 2003 معدودة ام هو مجرد اكذوبة بحسب قول النائب عن ائتلاف دولة القانون سامي العسكري .
في البداية ينبغي التاكيد على ان الحديث في هذا المقام سيتناول الاحزاب الاسلامية الشيعية والحزبين الكرديين دون الاشارة الى ابناء الطائفة الشيعية العراقية احد اعرق طوائف الامة العراقية او اخوتنا الاكراد العراقيين ثاني اكبر قوميات هذه الامة الرائعة لعدم وجود صلة بين عوام العراقيين شيعة واكراد وهذه اللعبة السياسية  وان كنت اقر لهذه الاحزاب بقدرتها العجيبة على حصر تمثيل طوائفهم بهم واسكاتهم لكل الاصوات المضادة لهم من داخل طوائفهم رغم كثرتها وينبغي تقسيم التحالف الكردي الشيعي في العمل السياسي العراقي الى مرحلتين

1- المرحلة الاولى ماقبل عام 2003 وهي مرحلة المعارضة
تبدوا اولى ملامح هذا التحالف بالتعاطف الذي ابداه المرجع الاعلى الامام محسن الحكيم  (رحمه الله) مع الاكراد العراقيين من خلال اصدار فتواه الشهيرة بتحريم قتال الجيش العراقي للمتمردين الاكراد في الشمال ابان حكم الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم فمن هذه الفتوى كانت البداية فمنذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 والى سقوطها المدوي على يد قوات الغزو الامريكي عام 2003  كانت هناك عدة عوامل مشتركة بين الناشطين السياسيين الكرد والشيعة اولها سياسة القمع والتهميش والاقصاء التي مورست ضدهما وهنا لدينا وجهة نظر اذ ان طبيعة المعارضة الكردية تختلف عن نظيرتها الشيعية فالاكراد هم معارضون اصلاء لكل الانظمة التي تعاقبت على الحكم في بغداد منذ المغفور له الملك فيصل الاول مرورا بالملك غازي والوصي عبد الاله ونوري السعيد و الزعيم عبد الكريم قاسم والاخوين عارف والرئيس البكر وصدام حسين وابراهيم الجعفري وانتهاءا بنوري المالكي نعم لقد وقف الاكراد ضد كل هؤلاء وليس ضد نظام الرئيس الراحل صدام حسين حصرا كما يشاع  اما الشيعة فرغم عدم رضاهم عن الحكم في بغداد طوال فترة الدولة العراقية الاولى (1921-2003) الا انهم لم يصنفوا كمعارضة سياسية حقيقية الا في مطلع الثمانينات في مواجهة نظام صدام حسين حصرا على اثر بروز الحركة الاسلامية في العراق بعد انتصار الثورة الايرانية عام 1979 وهذا باعتقادي يعود الى سبب المعارضة لدى الطرفين فبينما كان الشيعة يرغبون في المشاركة بادارة شئون البلاد وبمزيد من الحريات وبحقوق المواطنة الكاملة كانت المعارضة الكردية الدائمة تهدف الى الانفصال وتكوين الدولة الكردية (الحلم) الذي طال انتظاره وكانت ولاتزال العوامل الاقليمية تقف بالضد منه فهذا هو الهدف الاسمى والاعلى للمعارضة السياسية الكردية فالقيادات التاريخية للاكراد تحديدا كانوا معارضين لانضمام ولاية الموصل للدولة العراقية وكانوا يرون تشكيل دولة في الموصل تحت الانتداب البريطاني وقد حاولوا تشكيل الدولة الكردية في ثلاث مرات اعوام 1919 و1923 و1931 على يد زعيمهم التاريخي محمود الحفيد الذي ثار وحارب لاجل تحقيق الحلم الكردي بالدولة  الا ان جميع محاولاته وثوراته باءت بالفشل على يد القوات البريطانية في المحاولة الاولى والثانية والجيش العراقي في الثالثة ثم تكررت محاولات زعيمهم الاخر احمد البارازاني في طلب الحكم الذاتي على اثر تبخر حلم الدولة عام 1931 قبل ان تتم مهاجمته عام 1932 من قبل الجيش العراقي ومن ثم انتقلت الراية لاخيه الاصغر الملا مصطفى الذي ثار عام 1943 قبل ان يتم سحق حركته عام 1945 ولجوءه لايران ومن هناك للاتحاد السوفيتي وهكذا كان الحكم الذاتي وحتى الفيدرالية تمهيدا للدولة الحلم وتواصل نفس السيناريو عام 1961 مع الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم وفي السبعينات مع الرئيس البكر وصولا الى الانتفاضة الشعبية عام 1991 ضد نظام الرئيس الراحل صدام حسين وفي كل الحالات كان الجيش العراقي بالمرصاد لهذه النوايا الانفصالية اما الشيعة فقد عانوا من الجيش ايضا وان بوتيرة اقل اثناء قمع انتفاضة العشائر في الفرات الاوسط عام 1935 والانتفاضة الشعبانية عام 1991 حيث سحقت هذه الحركات بمنتهى العنف والقسوة ومن هنا نشا عدو مشترك  لكل الطرفين وهو مؤسسة الجيش العراقي لذا كانت الاحزاب الشيعية والكردية اولى الاحزاب المرحبة بقرار الحاكم الامريكي المدني بول بريمر بحل هذا الجيش في العام 2003 كما توثقت اوصال هذا التحالف بعد سيطرة الاحزاب الكردية على محافظات دهوك والسليمانية واربيل في اعقاب حرب 1991 واقامة نوع من الحكم الذاتي بحيث باتت المناطق الكردية حاضنة اساسية للمعارضة العراقية عموما والشيعية خصوصا .

2- مرحلة بعد عام 2003 مرحلة الحكم
بعد الغزو الامريكي للعراق عام 2003 بدات مرحلة جديدة للحكم في العراق وبما ان الاحزاب الكردية والشيعية كانت في مقدمة معارضي النظام البعثي لذا كانت هي الاكثر استفادة خصوصا بعد الخطا التاريخي للطائفة السنية بالمقاطعة على غرار خطا الشيعة التاريخي بالمقاطعة في عشرينات القرن الماضي وهنا ايضا استمر التحالف الكردي الشيعي وان بمعايير اخرى ففي الوقت الذي رات فيه الاحزاب الكردية تحالفها مع الاحزاب الشيعية على انه استراتيجي والذي على اساسه تم بناء العملية السياسية الحالية يبدوا ان الاحزاب الشيعية وحزب الدعوة خصوصا رات في هذا التحالف على انه تكتيك مؤقت ينتهي بتحقيق اهداف هذا التحالف فالمعروف بان الحكم الشيعي للعراق واجه مقاوما وعصيانا سنيا  كان موجها بالاساس ضد الاحتلال الامريكي ومن يقف خلفه وارهابا تكفيريا منظما من قبل تنظيم القاعدة كما ناصبه العداء جميع الدول العربية والمجاورة لاسباب طائفية  باستثناء ايران طبعا كما ان الاحزاب الشيعية  ليس لها اي خبرة بادارة شئون البلاد والاستفادة في هذا الاطار من التجربة الكردية في الحكم الذاتي منذ عام 1991 الى عام 2003  كان امرا ضروريا وهكذا شكل هذا التحالف العمود الفقري للعملية السياسية العراقية الحالية وساهم عبر اتفاقية اربيل ببقاء المالكي نفسه بمنصبه بعد ان كان قاب قوسين او ادنى من فقدانه عقب فوز القائمة العراقية بالانتخابات الاخيرة والان بعد مضي هذه السنين يتجه مسار السلطة في العراق من احتكار فئة وهي الاحزاب الشيعية الى حزب واحد وهو حزب الدعوة  ومن هذا الحزب الى شخص واحد اسمه نوري المالكي في محاكاة  غريبة لاستفراد حزب البعث بالحياة السياسية والسلطة في العراق وانتقالها لشخص واحد اسمه صدام حسين وتبدوا معها صعوبة واضحة باستمرار هذا التحالف ازاء اتساع سقف المطالب الكردية بشكل لايمكن لاي سياسي عراقي ان ينفذه وتقارب الاكراد مع القائمة العراقية الخصم الحقيقي للمالكي ورغبة الاخير نفسه باحتكار السلطة لنفسه وحزبه وعدم رغبة اي طرف بتقديم التنازلات واستمرار حرب التصريحات المتبادلة التي لاتعترف بالخطوط الحمراء .
ولنا بعد هذه القراءة لهذا الموضوع الشائك ان نقول ان هذا التحالف وان كان مقبولا تحت اي صفة في مرحلته الاولى الا انه لايمكن نكران انه في مرحلته الثانية كان سببا اساسيا في اشاعة النفس الطائفي الخبيث عبر تاسيس العملية السياسية استنادا لمبدا المحاصصة الطائفية وهو مادفع السنة بدورهم لتكتل طائفيا شانهم شان الاخرين وبالتالي ضياع العراق تدريجيا وتفتيت الهوية الوطنية العراقية وتشويه صورة العمل السياسي الذي بات لايقوم على اساس الاحزاب والبرامج السياسية انما على اساس المذهب والقومية …الخ والحقيقة الماثلة للعيان بان استمرار الوضع السياسي العراقي بصيغته الحالية وهو صراع المتاجرون بمظالم الطوائف وممثلي الارادات الخارجية وهيمنة الفاسدون وسارقي المال العام ورغبة رئيس الوزراء بتقمص دور الديكتاتور ينذر لابانهيار التحالف الكردي الشيعي فقط وانما بانهيار العملية السياسية ودخول العراق في متاهات الفوضى التى تنزلق به الى التقسيم والتفتيت لاسمح الله .

أحدث المقالات