هذه هي الحلقة الثالثة والأخيرة من رسالتي إليكم وإلى الأخ السيد رئيس الوزراء.
إني ومن حيث المبدأ أؤكد على صفتكم كإصلاحيين، أكثر من تأكيدي عليها كداعمين للأخ رئيس الوزراء، لأننا نعيش في عصر مركزية المؤسسة لا مركزية الفرد، وإن كنا في مجتمعاتنا ما زلنا بعيدين عن تجسيد ذلك، ولأن المبادئ من أجل العمل لتحقيقها لا بد أن تنطلق على المستوى العملي من الواقع. ولذا يفرض عليّ الواقع أن أخاطبكم كتيار داعم للأخ رئيس الوزراء. ولكن، وكما تعلمون جيدا، فإن الداعمين للأخ العبادي في الحزب لا يمكن عدّهم جميعا من الإصلاحيين، فمنهم من تحوّل من الغلو في دعم وتأييد رئيس الوزراء السابق إلى دعم وتأييد رئيس الوزراء الحالي، منطلقين من منافع شخصية، مع إنه لا يبعد أن يكون البعض منهم قد أعاد النظر بصدق وقناعة مستجدة في موقفه، ومنهم الذين رأوا في تحولهم من تأييد المالكي إلى تأييد العبادي ما فيه مصلحة للحزب، مع إن مصلحة العراق يجب أن تتقدم على أي مصلحة. ثم إن بعض الرموز المؤيدة للأخ العبادي حاليا، عليها ملاحظات مهمة، وهم من غير المقبولين في الوسط سواء النخبوي أو الشعبي المتطلع إلى الإصلاح. لكن أقرّ في نفس الوقت إن النظرة الواقعية وعملية الإصلاح المرحلية لا تسمح بإقصائهم والتخلي عنهم حاليا على الأقل. لكني أنصحكم إن كنتم جادّين في الإصلاح، أن تتجنبوا المتورطين في الفساد بشكل كلي، مهما رأيتم أهمية في وجودهم معكم.
الخطوة الشجاعة والتاريخية والمنتظرة منكم هي إعلان انفصالكم ومعكم وفي مقدمتكم الأخ العبادي عن حزب الدعوة الإسلامية، إذ إنكم الآن في صراع حقيقي، بل وفي خصومة شديدة مع الاتجاه الآخر الذي يسعى ليفشل مهمة العبادي، كي يعيد العجلة إلى الوراء. ولذا مع هذا التناقض الذي أصبح الجميع مدركين له، لا يعقل أن تبقوا في حزب واحد، علاوة على وجوب أن يكون تياركم، وبالتالي كيانكم السياسي الذي آمل أن تملكوا الشجاعة لتأسيسه بعيدا عن الصفة الدينية والمذهبية.
ولكن إذا كنتم معتزين بتاريخ حزب الدعوة، لأسباب أقتنع بها أو لا أقتنع، والذي قضى البعض منكم أكثر عمره، ومنذ بداية شبابه، ناشطا فيه، فبإمكانكم أن تحتفظوا لكيانكم السياسي باسم «الدعوة»، إن كنتم معتزين بالاسم على وجه الخصوص، ولكن لتكن (دعوة) إلى الإصلاح والمواطنة والعدالة والمساواة، كأن يكون الاسم، سواء بتوصيفه كـ«حزب» أو «حركة»، أو أي توصيف آخر، هو «… الدعوة للمواطنة والإصلاح»، أو «… الدعوة للمواطنة»، سواء تقدمتها كلمة «حزب» أو «حركة» أو أي شيء آخر.
كما أرجو أن تدرسوا تحالفاتكم المقبلة دراسة جيدة ودقيقة وبعيدة النظر، وبتقديري إنه يكون حاليا إلى حد ما مقبولا، إذا تحالفتم مع «التيار الصدري»، والأهم هو إلم تتحالفوا مع «تحالف القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)»، فلا بد من حوار وتفاهم مع هذا التيار. وعلى الصعيد الكردي، فربما يكون الأقرب حاليا «حركة التغيير»، و«حركة جيل المستقبل»، وربما بدرجة ما «الاتحاد الوطني الكردستاني»، لاسيما الجناح الذي يتزعمه بافيل طالباني، كما لا بد من البحث عن تيارات سنية لها سمعة جيدة، وغير طائفية، وذات اتجاه مدني، وغير متورطة بالفساد؛ ولو كل ذلك ليس بالدرجة المثالية، لكن بدرجة مقبولة إلى حد ما، كما قد يكون نافعا التفاهم مع ائتلاف الوطنية لأياد علاوي.
أما على صعيد مستقبل كيانكم السياسي الجديد، فلا بد أن ينفتح حقيقة، وليس شعارا ولا تزويقا، على السنة، والليبراليين وغير المسلمين، لتتحولوا بالتدريج إلى حزب عراقي يقوم حقيقة على أساس مبدأ المواطنة، وبالتالي عابر للطائفة والدين والقومية، وسيكون مفيدا لو كسبتم من الآن بعض العناصر غير الشيعية، وغير الإسلامية، ولعله غير المسلمة، إن أمكن.
وأملي ألا تقعوا في خطأ التحالف مع أطراف سيئة السمعة، كـ «تيار الحكمة الوطني» لعمار الحكيم. وإذا تسألون كيف أقبل بالتحالف مع التيار الصدري، ولا أقبل بالتحالف مع جماعة الحكيم، فأقول مع كل ما يسجل على مقتدى الصدر، لاسيما في الماضي، حيث كان من أشد التيارات السياسية الإسلامية الشيعية تطرفا، فإن التغيُّر الذي حصل عند الصدر في السنوات الأخيرة هو تغير حقيقي، وعلى أكثر من صعيد، وإن كان ما زال يؤخذ على هذا التيار أنه رهين قرارات فرد واحد، وهو ما زال كيانا إسلاميا وشيعيا، لكن الواقع يتطلب ربما القبول بالأقل بعدا. فالتحالف معه مرحليا قد يكون بتقديري نافعا حاليا، هذا لاسيما إذا فكرتم، وهذا ما أرجوه، أن تنفتحوا على التيار المدني (تقدم)، لقرب الصدر من هذا التيار خلال الأربع السنوات الأخيرة، فلا يكون هناك تناقض بالانفتاح على التيارين الصدري والمدني.
أما درجة الانفتاح، سواء كانت على نحو التحالف أو الحوار والتنسيق والتعاون، أو الاتفاق على تحالف ما بعد الانتخابات، فهذا ما يجب إخضاع كل منه للدراسة، وبلا شك إن الذي في الميدان أدرى من المُنظِّر من بعيد.
ومن أجل تحقيق نجاح في الانتخابات القادمة، لا بد من تحقيق خطوات حقيقية ونوعية ومهمة فيما تبقى من الوقت في محاربة الفساد ومقاضاة عدد، ولو اثنين أو ثلاثة، من الفاسدين الكبار، ولو الكبار نسبيا.
ولكون تياركم الإصلاحي يُعوِّل حاليا على الأخ رئيس الوزراء، ومدى ما يحققه من نجاحات فيما تبقى من ولايته الحالية، لذا أتمنى أن تصل إليه بعض النصائح، لاسيما في ثلاث قضايا مهمة عاجلة:
أن يقلل من الكلام الأسبوعي بإعطاء الوعود في محاربة الفساد، لأن كثرة الكلام عن الفساد، دون أن تتحقق خطوة عملية مهمة في محاربته، خلق استياءً حتى في الأوساط التي أيدت الأخ العبادي وتأملت فيه خيرا.
أن يخطو بدلا عن ذلك خطوات عملية حقيقية مهمة في محاربة الفساد، كما مر ذكره.
أن يخفف من المبالغة بالتشدد تجاه إقليم كردستان، ويباشر بفتح باب الحوار، مع التفريق بين الأحزاب السياسية الكردية، وبين مواطنينا من شعب كردستان العراق، ومن (إقليم كردستان)، ككيان ثبته الدستور، ولا بد من احترام ما أقره الدستور، ومن ذلك عدم التعامل مع محافظات كردستان على انفراد كمحافظات، إلا بحدود ما يسمح الدستور بذلك، بل التعامل مع كردستان كإقليم فيدرالي مُقَرّ دستوريا. كما لا أرى من الصحيح مواصلة التعامل بنَفَس الأقوى تجاه الأضعف، أو الغالب تجاه المغلوب.
ولا أريد أن أفصّل أكثر، بل أكتفي بهذا المقدار، آملا أن يكون في رسالتي، ثمة ما يستحق الاهتمام والدراسة منكم، ولا أشك إن بعضه مما يفكر به بعضكم، وربما الكثير منكم. لكن التفكير لا يكفي، فعجلة الزمن تدور ولا تنتظر، والفرص تذهب ولا تعود، وضياع فرصة فرد هينة، بل وضياع فرصة حزب هي الأخرى ليست خطيرة، ولكن الخطير هو ضياع فرصة وطن وشعب وأجيال، والمُضيِّع لها عن وعي حاشا لكم آثم وموقوف أمام محكمة التاريخ، والمُضيِّع لها عن غير وعي، خير له أن يعتزل العمل السياسي، لعدم أهليته.
مع احترامي ومودتي.
ملاحظة: بدأت ملامح مشهد التحالفات تتضح قليلا، منها ما يعطي ثمة أملا، ومنها ما هو محبط ومخيب للآمال، وسأكتب في ذلك، بعد أن تتضح كل الملامح.