عرض/ السيد الزرقاني
-“عندما يأتيكم زادكم من وراء البحر فقدتم عزيمتكم وأصبح أمركم في أيد غيركم ” هذه هي حكمة الروائي المصري ” محمد جراح” في روايته “الذيل ” الصادرة عن “مركز الحضارة العربية في 112صفحة حيث أخذنا في رحلة الغربة المقيتة التي اجبر عليها في ظل الظروف الاقتصادية التي مرت بها البلاد عقب سياسية الانفتاح الاقتصادي التي أدت إلي تحلل المجتمع من يعض القيم والمثل سواء علي المستوي العام أو حتي علي المستوي الأسري ولم تكن تلك الرحلة إلا صرخة مدوية في عقل كل مغترب عن وطنه من اجل تحقيق بعض الأحلام البسيطة التي طرأت نتيجة لهذا التغير الديمغرافي والسيكولوجي لدي المصريين، تلك الصرخة التي أطلقها الكاتب من خلال تلك اللغة السردية البليغة مستخدما تلك المفردات التي حاصرته منذ الوهلة الأولي لوصول البطل إلي تلك البلاد التي رفض الكاتب الإفصاح عن وسمتها صراحة واكتفي فقد بالترميز المكاني والجغرافي متحليا ببلاغة اللغة البادية التي لم تلوثها تلك المفردات الاروبية أبان الانتقال من البداوة إلي التحضر في مفارق كنيرة من وطننا العربي ،حيث تملك الكاتب من أدواته الأدبية منذ الانطلاقة الأولي علي مسرح الحدث حيث المغادرة الأولي له لوطنه وما صاحبة من وجع داخلي كان يري إن في سفره هذا بداية الانتقال الاجتماعي حتي ولو كان مرافقا لزوجته التي تعمل مدرسة وتخلي عن وظيفته ،كان مسرح المغادرة يمثل العتبة الأولي للانطلاق إلي عالم المواجع الذي يظنه البعض الخروج إلي فضاء الرحب بعيدا عن تأزم الوضع بين جنبات الوطن الأم ،وكانت كلمة “الذيل ” تحمل دلالات كثيرة في تلك الرواية التي أخذتنا إلي تلك المجتمعات المتناقضة فيما تحمله من جينات سياسية أو حتي تقاليد اجتماعية حيث أصابها الخبث والعطب الفكري والثقافي ولم تنهض في متن تحضرها عن تلك الجبال الصلدة التي تحطم أي أمال نهضوية حيث يقول في ص 6(أتسال وأنا مسلوب القرار والفعل وهائم في منطقة اللاشيء )إلا انه رغم تخليه عن وظيفته ” صحفي ” في البداية ثم التخلي عن اسمه في متن الرواية إلا انه لم يتخلي عن تلك المبادئ والقيم التي تربي وترعرع عليها في وطنه الذي مهد له السبيل ليتلقي تعليما جيدا ،ورفض تلك الضغوط الكبيرة من قبل بعض بني جلده حتي الزوجة التي تنازل من اجلها عن الثوابت تخلت عنه في لحظة ليس فيها أي اختيار لديه في محبسه وغربته إلا انه تمسك بقيمه وقيمته وأصر في النهاية علي التمسك بحقه في عرض قضيته علي الرأي العام داخليا وخارجيا حتي تحول من مجرد وافد لا قيمة له في غربة قاسية قسوة تلك الجبال القائمة في الذيل الي إنسان له قدر من الاحترام لتأتي الصرخة عالية لكل مغترب انه لم ياتي متسولا بل جاء ليعمل ويؤجر مقابل عمله وليس هبة اومنه او زكاة كما حدثه هذا الضابط الذي تخلي عن قيم العروبة في أسلوب متدني أثناء التحقيق مع البطل ……..تلك الرواية . فيها الكثير من الوجع والشجن. وفيها من محاكاة الذات المتعبة والحالمة في طيات الأيام التي يراد منها أن تكون كما يحلم إنها مطرزة بسرد جميل وحكي للواقع المر الذي عاشه الكثير من بني أمته، إذ يكشف لنا صورا لمجتمع مغترب عن بقية المجتمعات المتحضرة ثقافيا واجتماعيا ،وتتمحور الرواية في عدد من المحاور هي:
– المحور البيئي حيث أصر الكاتب علي الرصد البيئي في الموطن الذي هاجر إليه مع زوجته حيث يقول في ص 15( نتسلم الجبل من جانب تدلي منه مدق ينحدر انحدارا شديدا فبدا مثل ذيل الافعي متلويا ،فتعلقت به السيارة بأطرافها الأربعة تحفر لعجلاتها طريقا فاستأسد علينا بعضلاته فلفتنا غلالة ترابية تسللت الي أنوفنا المزكومة بغبار هيج نفوسنا ، والجبل يواصل ارتعاشه منتفضا ) ويقول في موضع أخر في ص 21(تملكني هاجس الثعابين والأفاعي فطلبت طلاء سقف الغرفة بالواحة وعروقه الخشبية باللون الأبيض ليسهل لي اكتشاف الثعابين التي كنت واثق أنها ستقصدني في يوم ما )هكذا نجد الكاتب قد توغل وأسهب في استخدام تلك المفردات البيئية التي طالما عايشها وتعامل بها ونجح في ان يضع القارئ أسيرا لتلك البيئة بكل معالمها
– المحور الاجتماعي وهو من أهم الجوانب التي نجح الكاتب في أبرازها بشكل يحسب له في تناول الأحداث من اللحظة الأولي حيث رصد تلك الحميمة بين البطل وبين زوجته التي تنازل من اجلها عن بعض الأشياء وقبل ان يكون “ذيلا” في بعض المواقف ونجح في رسم ملامح هذا المجتمع الجديد الذي الذي ساير حاله مع تطور الأحداث والتحقه بالعمل في البقالة فكان عليه الانتقال من خانة المثقف ذو المشروعات الأدبية إلي خانة ” البائع” التي يتعامل مع كل أصناف المجتمع فما بالك من مجتمع يحمل عادات وتقاليد البداوة بكل مافيها من تخلف ثقافي وجهل اجتماعي ، مجتمع أسير لمعتقدات وغيبيات يجهلها وتجلي هذا المحور في تلك النهاية الغريبة عندما وضعته الزوجة في خانة الاختيار وهو في محنه المحبس الا انه تمسك بحقه في الاحتفاظ بابنه حتي لا يقع في براثن هذا المستنقع الاجتماعي الذي عاني ومازال يعاني منه ، حيث نجح كاتبنا في رصد هذا التحلل الاجتماعي في اجل صورة مما أصاب المجتمع المصري في فترة ما بعد الانفتاح ، حيث يقول في ص 105 (قالت حررني من قيدك حتي لا أعود إلي فقر أفكارك ، أفقرتنا في بلدنا بكلامك العقيم ، وها أنت وقد جاءتني الفرصة التي تمنيتها ، والتي حسدوني عليها زملائي وزميلاتي تحمل معاولك لهدمها ولكنني لن اسمع لك بان تقتل حلمي الذي بدا يتحقق أو تحول بيني وبين جني ثمار غربتي حتي وان عشت حياتك كلها في السجن ؟
-صدمتني آراؤها وزلزلتني نيتها حتي كادت أعصابي تفلت مني فأقوم اليها مؤدبا فزفرت مرات ومرات ،حتي عدت متملكا لبعض لساني فقلت لها : وان أجبتك إلي ما تطلبين فكيف سيكون حال ابننا ؟؟
قالت :معي
قلت :لا اقبل أن يظل معك فشرطي لانفصالنا تنازلك لي عن حضانته متي فكوا اسري
فقالت : أوافق علي ماتشترط
قلت فليشهد علي ذالك جاري وزوجته بصيغة مكتوبة تظل معي )هكذا نحج الكاتب في خلق حالة من حالات الصراع الاجتماعي في تسلسل الأحداث دون خلل في البناء الدرامي بالرواية .
– المحور الأسطوري نجح الكاتب في رسم ملامح العالم الاساطيري لبيئة البادية من خلال تلك الاساطيري التي كان يسمعها في مجالسهم او في حكايات “الشيبة “حين ياتي الية ويروي له عن تلك “الجنية ” التي أخذته علي عالمها ولقنته نظم الشعر العربي بطلاقة لانظير لها في عالمهم الكائن في أحضان تلك الجبال بعيد عن حواضر الدولة ومحاولة الكاتب لايجاد تلك الأساطير كان مؤثر في تطور إحداث الرواية وكان ايجابيا في تلك الإضاءة الأسطورية وربطها بما يدور في باطن الكاتب من شغفه بالأدب والشعر والثقافة الاان تطور الحدث الي الاتهام بالجاسوسية نتاج هذا الولع بالعالم الغيبي الذي كان يريد الاطلاع عليه
– المحور السياسي استكمالا للبناء الفني والدرامي للرواية العربية كان الكاتب حريص علي البوح عن آراءه السياسية علي لسان البطل في إضاءة كانت ضرورية للحدث لمحو تلك المفاهيم الخطأ لدي بعض شعوب تلك الذيول الكائنة في كهوف الجبال ممسكة بأموال أبار النفط الذي وهبة الله لهم معتقدين أنهم يمتلكون رؤية سياسية وعلي المصريين التخلي عن وطنهم الحضاري الذي حمل لواء الدفاع عن القضايا العربية في فترات كانت هي الأخطر في التاريخ العربي حيث تجلت عظمة البطل في الدفاع عن هذا الوطن الأم مهما كان الاختلاف مع الحاكم حيث قال في ص91(قال ساخرا:ظلمتم دولتكم وظلمتم انتم أنفسكم لما ارتم ان تلعبوا أدوارا اكبر من حجمكم وتحدي من بأيدهم الأمر حيث القوة والجاه
قلت منتبها :لماذا تأخذني الي نقاشات عقيمة لن نتفق فيها علي راي خصوصا وأنت شامت لسبب لا اعلمه فتفوح من كلامك روائح التهكم والسخرية .
قال :شانكم الخاص انتم ادري به ، ولكن الا يبدو لك إنكم أخطاتك لما عاديتم كل القوي فتحالف ضدكم الجميع ؟
قلت مستفسرا : هل نحن الذين عادينا ام ان العداء فرض علينا ؟
هل ذهبت جيوشنا لتغزو تلك الدول وهل مارسنا بطشا ونهبا في أناسهم وثرواتهم هب انك كبدوي تجلس مع اهلك في خيمتك وهجم عليكم اللصوص فماذا انت فاعل وقتها ؟
هل تجلس مصغرا خدك له؟ هل تترك له مالك؟ هل تتنازل عن شرفك ؟
قال : القياس مختلف ؟
قلت : كيف يكون مختلف وقد جثم الاستعمار علي صدورنا عقودنا طويلة فإما جهادنا وتحررنا من جبروته استكثر علينا الحرية التي يتشدق بالدعوة اليها فعاد إلينا متحالفا ومعاديا ……….هل تري انه المفروض ا نسلم له ؟
قال انتم الذين حاربتم وانتم الذين استسلمتم ؟
ثار الدم في عروقي فانتفضت زاعقا :من هذا الذي يقول أننا استسلمنا ؟أننا نزال نجاهد حتي ألان ……………)هكذا حرص الكاتب بحرفية وإتقان ان يول رسائله السياسية دون الإسهاب الممل وهذا يحسب له كروائي يمتلك أدواته اللغوية والحوارية
– وأخيرا نقر بان هذا النص الروائي في حد ذاته يحاكي الكثير من النصوص الأدبية على المستوى العربي والعالمي على حدٍ سواء .. فقد قام الكاتب الروائي بالغوص العميق المعمق في أعماق شخوص وأحداث النص الروائي بحذق ودراية وخبرة عريضة بما يملكه من مفردات لغوية وتحكم في إدارة الحوار من ناحية والسرد الأدبي من ناحية أخري