18 ديسمبر، 2024 11:28 م

سيكولوجيا الاحتجاج في العراق للدكتور فارس كمال نظمي

سيكولوجيا الاحتجاج في العراق للدكتور فارس كمال نظمي

عنوان مهم وشروحات اهم تناولها هذا الكتاب للدكتور فارس كمال نظمي، ولا يخفي علينا أن السيد نظمي هو كاتب وباحث في سيكولوجيا الشخصية والمجتمع والدين والسياسة، دكتوراه وماجستير وبكالوريوس علم نفس، وبكالوريوس هندسة مدني.

تناول الكتاب في مقدمته والتي لا تقل أهمية عن محتويات الكتاب، حيث جاءت المقدمة سريعة الإيقاع مركزة محملة بكل الجوانب التنشيطية للعقل، تاركة ورائها الاسلمة السياسية خاضعة ومرتهنة تحت إرادة الحقائق، فبان أفولها من أول صفحة.

إذ انه يصف نزعة الاحتجاج كونها استعدادا كامنا في الشخصية.

(اللحظة المفصلية التي اتضحت معالمها في أواسط 2010م. لحظة بدء العد التنازلي للأسلمة السياسية في العراق بكل ما أشاعته من وعي خضوعي وتدين زائف وخدر ارتهاني لدى الفرد العراقي خلال السنوات السبعة التي أعقبت الاحتلال الأمريكي. أما الوجه الآخر لهذه اللحظة المفصلية فكان البزوغ التدريجي للنزعة الوطنياتية بوعيها المعارض وممارستها الاحتجاجية القائمة على ثقافة المشاركة السياسية والمناداة السليمة بالإصلاح الجذري الهادف إلى التغيير الشامل لبنية النظام السياسي في نهاية المطاف).

خلصت المقدمة إلى الحتمية الدراماتيكية للانهيار الغرائبي المرتقب للسلطة الحالية.

من المهم أن اضع ملخص لبعض النقاط التي اعتبرها مهمة رغم أنى واثق جدا إن ما في دفتي الكتاب جميعه مهم على الأطلاق:

1- استند المؤلف على أبستمولوجية غرامشي في خيار “الكتلة التاريخية” ومن بعد أن وضع المقاربات العقلانية السيكو سياسية للحراك المدني الصدري والتقارب على المشتركات الوطنياتية بين الجهتين والتي خلص بها إلى التبشير بالكتلة الشعبوية مع أفول الاسلمة السياسية وتصدر الوطنياتية كهوية مدنية حتمية. إذ يقول المؤلف (الإصلاح الاجتماعي الفاعل في التاريخ الحديث كان على الدوام نتاجا لتلاقح الاتجاهات الإصلاحية الدينية الجريئة بالقيم التنويرية العلمانية، وصولا لإنتاج نمط أرقى من الدولة العاقلة).

2- قبل مسارات الاحتجاجات الحالية ومنذ الوهلة الأولى لبزوغ التنامي والوعي للفرد العراقي في عام 2010م ونتيجة لكثير من الظروف الموضوعية. أشار الكاتب إلى مرتكزات علمية في التنبؤ فيما يمكن أن يكون إذا شار إلى نظرية.

الحرمان النسبي Relative Deprivation

التي ترى أن إدراك الفرد بصرف النظر عن مدى موضوعية هذا الأدراك لانخفاض الموارد في حياته كالدخل والتعليم والصحة والخدمات والضمانات والمكانة الاجتماعية بالمقايسة مع موارد الأخرين يجعله يعتقد أو يشعر بحرمان أو استياء يدفعه للتحرك فرديا أو ضمن جماعة لاستعادة ما يظنه حقا له.

يخلص في مقال له في عام 2010 إلى الأهمية المتوقعة من العقلانية الشعبية المنبثقة من ضرورات الجدل السيسيولوجي لدى الفرد والمجتمع، والتي ستقضم شيئا فشيئا التراث الرجعي الظلامي اللاعقلاني الذي خلقته كل أنوع السلطة التي حكمت العراق طوال الخمسين عاما الماضية.

3- الجماهير الصدرية والتقارب المدني في نظر دكتور فارس كمال نظمي والذي يعتبره الفضاء العمومي المشترك، ويضع من خلاله الكثير من المقاربات السكيوسياسية والانطباعية عن ماهية هذا التقارب وجذرانيته لدى الفرد العراقي ومتلازمة “السلوك الاحتجاجي ونزعة الاحتجاج” وتطوراتها وما ينطلق منها نتيجة للظروف إلى الفضاء الخارجي، وما يترتب عليها من شعبوية جماهيرية طامحة لإحداث تغيير حقيقي في بنية الواقع المتهرئ. لم يكن البحث يخلو من وقفات نقدية لكلا الجانبين وإعطاء تفسيرات نفسية للتوجهات وأسبابها ومدى دقتها مشيرا إلى العمق في فلسفة الولاءات خاصة في أدبيات الجماهير التابعة للتيار الصدري.

4- البزوغ الحتمي لدولة وسلطة العقلانية الوطنياتية في مخيال الدكتور نظمي المستندة إلى قواعد نفسية وسياسية اتبع من خلالها أدق النظريات العلمية في هذا الاتجاه والتي قادته إلى التبشير بدولة المواطنة الحتمية حيث يذكر المؤلف ((التاريخ البشري لم ينتقل في وعيه الحقيقي من عصر العبودية إلى عصر الحريات، إلا بتوهج الشعلة المدنية الصبورة التي حملها ملايين البشر عبر القرون دون أن تتلكأ أو تسقط.

5- نقطة التحول المنشودة في خيار الكتلة التاريخية لم يصفها بالمثالية لكنه يرجئ نقاط الاختلاف في الأيدولوجيات والمواقف إلى ما بعد تأسيس الهدف والحصول على دولة المواطنة إذ يقول ((التناقضات أو التنافسات الأيدلوجية أو الطبقية بين أطراف الكتلة فيجري تأجيلها طوعيا وموضوعيا ريثما يتم إنجاز التحول من دولة المكونات المتناحرة إلى الدولة الوطنية الجامعة. إذ سيعود حينها الصراع الطبقي والايدلوجي والثقافي لإنتاج نفسه من جديد, ولكن ضمن ظروف جديدة تصبح فيها الثقافة السياسية السائدة اقرب إلى الطابع المدني من أي وقت مضى)) إن هذا القول بالنتيجة يعزز الصلاحية للأنظمة الشرعية المدنية ويقوض ويسحب البساط من الأنظمة المدعية للديمقراطية وبغطاء الاسلمة السياسية وهو حسب وجهة نظري ارقى ما تصل به المجتمعات من التحضر والفكر العقلاني في إدارة شؤون الاختلافات الطبقية أو الايدلوجية فيما بينها أو كما يعبر عنها فرانسيس فوكو ياما في تبشيره نحو الليبرالية ومحاسن الأنظمة المدنية في كتابه نهاية التاريخ إذ يقول ((الأنظمة الشرعية تملك رأس مالا من الإرادة الطيبة والتعاطف يدفع إلى الغفران عن أخطائها على أمد قصير, حتى ولو كانت أخطاء خطيرة, فكل خطيئة يمكن التكفير عنها رمزيا بعزل رئيس الوزراء أو بتغير حكومته. أما في الأنظمة غير الشرعية فالفشل يحدد ويسرع في الغالب انقلاب النظام نفسه)).

6- يصف المؤلف اليساروية بشقيها الكامن في طبيعة الفرد العراقي والأخر المنبثق على شكل تجمعات أو أحزاب أو كتل يسارية واليساروية الاجتماعية ويعطي انطباعاتها الاستدلالية في النقد لليسار بشكله العام أو للتعضيد لفكرة اليسار المجتمعي والفردي وأسبابه ونتائجه المترتبة على تلك اليساروية الناقدة والمصححة للمسارات العامة أو الفردية.

7- ينقلنا الكاتب إلى مجالات واسعة في الأفق المدني اليساري منه أو اليمني وهذا التوسع يعطي نتائج مفصلية في التعاطي مع الشعبوية الاجتماعية الصدرية ومعززة لهذا الاتجاه بشقيه الاحتجاجي والتحالفي السياسي.

8- هناك نظرة ذات قاعدة تنبؤيه امتاز بها المؤلف في مقالاته الصادرة في عام 2010م إلى تقارب هذا التوجه المدني الصدري والمراهنة سيكولوجيا وسياسيا عليه في إنقاذ البلاد.

9- هنا أود إن اختم الحتميات التي فصلها وشرحها الأستاذ في كتابه المهم فيما يخص النزعة السلوكية الكامنة في الشخصية أو السلوك الاحتجاجي ودوافعه والنظرة اليسارية في تقويض البعد الميثولوجي “للإسلام السياسي” ونهاية هذا العصر بإرادة أكثر عقلانية وهوية وطنياتية دوافعها الأساسية ديناميكية الحركة الفزيائية في الطبيعة وفي الشخصية دون الاعتماد بشكل مطلق على تلك الديناميكيات وإعطاء أهمية للثوابت التراكمية وعياً وسلوكاً، لا فقط للقياسات الفيزيائية. في تأطير السلوك الاحتجاجي المعرف لدى المؤلف كونها ثقافي وطنياتي باحث عن هوية أصل أكثر مما هي باحثة عن فوارق طبقية واضمحلال وانتهاء أسطرت الدين وتآكله السياسي يوم بعد يوم.

والذي يقودني في نهاية المقال هذا إلى الحتمية التاريخية في سقوط المجتمعات التي تحوي على التناقضات الخطيرة في بنيتها العامة والناتجة من القدرية الدينية أو السلطوية التدينية السياسية والهيمنة على المؤسسات والهوية الفردية بشكل يجعل من هذا التناقض منظورا للعيان، وبالتالي فحتمية السقوط تكون وشيكة ويتم الاستبدال بمجتمعات أخرى (شعبوية يساروية) تنجح في ردم هذه الهوة وحلحلت التناقضات لتصبح اقل فارقا واقل خطرا. وهذا ما يسمى بالكتلة التاريخية.