خاص : ترجمة – محمد بناية :
الصورة مرعبة.. يخيفك رؤية حياة أفراد في قنوات المياه الضيقة والمظلمة، حيث تفوح رائحة العفن، تلك القنوات المليئة بالفئران والصراصير والنمل.. تصدر عن هذه القنوات أصوات إستعمال أكياس بلاستيكية، أنفاس بشرية تضطرب، وبخار الأنفاس، وسحب كارتون على سطح غير مستوي.. تتسلل إلى الأسماع أصوات أقدام، بطيئة وعالية، أصوات أفراد، ثم تظهر عيون بيضاء من تحت هذه القنوات، ويُعرف هذا المكان باسم “المدينة الجارية”.. هي مدينة تحت الأرض يسكنها أناس، من المدمنين والمشردين، يعيشون حياة كاملة، وهي قنوات تجاور الطريق السريع شمال طهران.
لا أحد يسأل عنا وكأنهم لا يشعرون بنا هنا !
أجرت صحيفة (شهروند) التابعة للهلال الأحمر الإيراني، أحاديث ومحاورات مع بعض ساكني تلك المجاري أو القنوات من قاطني “المدينة الجارية”..
إنها أقدام “حميد”.. يظهر “حميد” رافعاً بنطاله حتى الركبة، ويقول: “أنظري”؛ موجهاً حديثه إلى امراسلة الإيرانية “زهرا جعفر زاده”..
يرفع ساقه اليمنى أمام عدسات الكاميرا، ليكشف عن جرح غائر في ساقه النحيلة والضعيفة. بدا الجرح غائراً كما لو كان آثر سوط. وهو من سكان هذه المدينة تحت الأرض.. يمدد ساقه إلى جانب “علي”، وكان “علي” مختبأً تحت بطانية قاتمة اللون، ويعاني عفونة في كليته، ويقول: “في الحقيقة لا أحد يأتي ويسأل مالك ؟.. وما هي طبيعة مرضك ؟”. ويضيف “حميد”: “وقع قبل أربعة أيام وعجزت عن حمله إلى المستشفى.. هو يعاني مرضاَ في كليته”.
وكانا يتحدثان من خلف قضبان القنوات. تلك القنوات صغيرة العرض والطول هي بمثابة المنزل، ومأوى الليل، يلجأ المدمنون المشردون إلى هذه القنوات، التي لا يفصل إرتفاعها عن مستوى سطح الأرض عن المتر. وفي ليالي البرد القارص ينام “حميد” في وضع القرفصاء واضعاً رأسه على ذراعه.
- كيف عثرتما على هذا المكان ؟
- نحن من المنطقة.. وحين تزداد برودة الطقس، ندخل إلى هذه القنوات.
- منذ متى ؟
- منذ سنوات.
- أما جاء أحدهم إلى هنا بحثاً عنكما ؟
- لماذا.. نادراً. أحياناً يأتي بعضهم ويقول نريد مساعدتكم، وبعد ساعة تأتي مجموعة من الأفراد ويقومون بجمعنا. وهذا ما حدث قبل أيام.
- أين المسؤولين ؟
- في كل مكان.. يأتون ويجمعوننا بالقوة، ويحتجزوننا مدة ثلاثة أشهر في معسكر أو مكان آخر. ثم يتركوننا مجدداً.
- أين كنتم قبلاً ؟
يشير بيده؛ “في هذه الحديقة.. ثم جاء المسؤولون وأجبرونا على المجئ إلى هنا”.
- لكن أليس هذا المكان سيئاً ؟
- أجل سيء، إنها قنوات الصرف، لكن حسناً ماذا نفعل ؟.. والحقيقة أن أي مكان قد يبعدنا عن المسؤولين بضع ساعات، نمكث فيه.
أحياناً نتسلق الأشجار هرباً من المسؤولين..
“أكبر” يجلس إلى المدخل مسنداً ظهره إلى القضبان. ويضيف إلى كلام “حميد”: “أحياناً نصعد الأشجار ونمكث هناك لنبتعد فقط عن أيدي المسؤولين”.
يقول هذا الكلام من خلف القضبان، فالقنوات هي المكان الوحيد الذي يعود إليهم ولا يريدون تطاول أي غريب على خصوصياتهم.
يتمدد “حميد” و”علي” في الجهة اليمنى، بينما “أمين” و”أكبر” يجلسان إلى جوار الصمامات. “المكان يعج بالأفراد في نهاية القناة”، حيث تؤدي نهاية القنوات إلى الطريق السريع.
يقول “حميد”: “أريد مضاد حيوي، فأنا مريض”. ويرفع يده من تحت أبطه بسبب الكحة. وهم من سكان طهران إلا “أمين الأفغاني”. كان “أمين” في السابق رسام، ويقول: “خرجت من أفغانستان إلى إيران بحثاً عن لقمة عيش أرسلها إلى أسرتي، والآن لا أعلم ماذا أكل هنا”. ويضحك حتى ظهرت أسنانه السوداء ويقول: “نريد أنفسنا، وهذا ليس خطأ أحد”.
- لماذا لا تذهبون إلى بيوت الإيواء ؟
- لا نشعر بالراحة في هذا المكان.
- لماذا ؟
- هناك بمجرد أن يروا شكلك حتى يؤذونك. أتعرفين لماذا سيدتي ؟.. لأننا لا نريد مكاناً يكون فيه أحدهم واقفاً على رؤوسنا.
يقاطع “حميد”: “إذا كانوا فعلاً يهتمون لأمرنا، فليستأجروا لنا غرفة ويتركوننا لحالنا. فلقد أثبتت لي تجربة 15 عاماً من النوم على الكراتين؛ أن القوة غير مجدية”.
ويقول “أمين”: “يتحدثون إلينا بإحترام. لماذا يضربوننا ؟.. نحن أصلاً لا نعرف من يكونون ؟.. وكل من يأتي يضربنا. ليتنا أستطعنا التصوير، كنا أريناكِ”. رأيت في القناة ستارة مربوطة فسألت عنها، فكانت الإجابة: “ربطنا هذه الستارة حتى تمنع الريح”.