عندما يغيب المثقف الواعي المؤمن بما يقوله ويفعله والذي يعد صاحب رسالة يريد من خلالها إصلاح الأمة والمجتمع عن دوره المؤثر في الساحة عندئذ سيطفو فوق السطح أشباه رجال وأنصاف أقزام يطلقون على أنفسهم ألقاب شتى وعديدة ثم يقدمون الأموال لأصحاب الأبواق لتصنع منهم كتاب معول عليهم بمناقشة قضايا مصيرية فأنهم يطرحون مواضيع بعيدة كل البعد عن جراح والآم الأمة ويتعاملون بسطحية مع المشاكل لأنهم غير قادرين على معالجتها وتقديم رؤية حقيقية ناجعة لها ولذلك نجد أن اكبر مشكلة يواجهها الطغاة على مر التاريخ هو الشخص المثقف الواعي الفاعل بمجتمعه الذي يطرح أفكاره بروح التغيير الصحيح وليس من باب تزييف الحقائق والوقائع ..وظيفته استنهاض الفكر ونشر ثقافة عدم الإذعان والخنوع لأي مستبد ..فهو دائما يصور للناس أن الفاسد حبله قصير ومنقطع والتصدي له هو تعبير فطري يولد مع المرء لأنه حر الإرادة ..والسكوت عنه سيخلق منه فرعون زمانه ومن ثم ينطلق في التمادي بإستباحة الحرمات واغتصاب ما يحلو له ,فقد استخدم الطغاة أساليب حقيرة ووحشية مع المثقف منعا التعذيب الجسدي وأخرى التنكيل والتعريض بسمعته لتسقيطه أمام محبيه وأنصاره لإعطاء صورة ورسالة أن هذا هو قائدكم أو من تهتدون به ,أن عملية التصدي لأي مفسد تحتاج لآليات وأهمها وجود رجال مؤمنين بمشروعهم الإصلاحي مع مصلحهم توكل لهم مهام وأمور ومن أوليات عملهم بمتابعة قضايا الناس وإيجاد الحلول لها وإنصاف المظلومين والمحرومين ورفع الحيف الذي يصيبهم جراء سياسات خاطئة ..عند ذلك سنجد التفاف جماهير حولهم لأنهم وجدوا بهم الصدق في التعامل مع مشاكلهم ومعاناتهم مؤتمنين على أرواحهم ودمائهم وهم اقرب أليهم من نفسهم وأما أذا تخلوا عنهم ستكون الساحة مهيأة للانتهازيين والوصوليين وهذه أخطر مرحلة تعيشها الأمة بأن يتقلد مناصبها ويتحكم بمقدراتها أشخاص ليس لهم ماضٍ وحاضر يفتخر به ,صعود الولاة الأكفاء لمواقع المسؤولية هي النقطة الفيصلية المهمة في بناء دولة تحترم الإنسان وإنسانيته من خلال تعاضد الرعية معها ومساندتها وهذا ما أكده الإمام علي (ع) بقوله :فليست تصلح الرعيّةُ إلاّ بصلاح الوُلاة،ولا يصلح الولاةُ إلا باستقامة الرعيّة.فإذا أدّت الرعيّةُ الى الوالي حقّه،وأدى الوالي اليها حقّها،عَزّالحقّ بينهم،واعتدلتْ معاُلم العدل وجرَتْ على أذلالها السّنَنُ، فصلُحَ بذلك الزمانُ وطُمِعَ في بقاء الدولة،وإذا غلبتِ الرعيّةُ واليها، أو أجحف الوالي برعيّته، اختلفتْ هنالك الكلمة وظهرتْ معالم الجور وتُركت مَحاجّ السّنن، فعُمِلَ بالهوى وعُطّلتِ الأحكام وكثرتْ علل النفوس،فلا يُسْتوحَشُ لعظيمِ حقٍ عُطّلَ ولا لعظيم باطلٍ فُعلِ، فهنالك تذلّ الأبرار وتعزّ الأشرار وتعظم تَبعاتُ الله عند العباد .