الفضاء الروائي بين مفكرة الشاهد و صوفية التصحر
ــ الصحراء بين الهوية المكانية و العلاقة الروائية .
مدخل : قد لا يشكل مفهوم و هوية ( =المكان ) في النص الروائي ، ذلك التمفصل الحدودي الدال على هوية و خصوصية الثيمة المكانية في شكلها الجغرافي تحديدا ، بل هو ذلك الفضاء الجمالي و الروحي المتشاكل و حدود أفق مرجعيات تمظهرات المدلولية الروائية بكافة أبعادها الدلالية و الوظيفية و الأسلوبية . لقد حدد الروائي علي بدر في روايته ( ملوك الرمال ) مجالية الصحراء كثيمة محورية ، أخذت تتعمق ملامح مرجعيتها الدلالية في آتون من السعة المكانية و الفضائية المشاكلة و فاعلية حالات و تموضوعات وظيفة الشخوص و الأمكنة و العلاقات و الأزمات الأحوالية ، المتعامدة عمقا في معنى و خصوصية المحكي الروائي . فالروائي راح يكشف لنا عبر مسار أحداث نصه ، عن جوهرية العلاقة الواقعة ما بين رمزية و فلسفة و مرجعية البيئة الصحراوية تماشيا مع مرجعها الثقافي و التاريخي و المعتقدي ، إزاء فعلية و شمولية موقعها و طبيعتها و علاماتها المرتسمة بدلالات وحشية المصير التي تحدثنا عن حكاية شخوص الرواية الجنود اللذين ماتوا في ظل تفاصيل أرساليات نادرة و غريبة من الشد الحبكوي و التصعيد الدرامي الذي لا تفارقه محكومية الامتداد اللامتناهي من حسية و حافزية غيبانية ظهور هوية ذلك القاتل من عمق رمال الصحراء القاسية .
1ــ الفضاء الصحراوي و فاعل العلاقة التنفيذية :
يستهل الفاعل المحكي في الرواية ، بمجموعة ملفوظيات سردية من شأنها تقديم الأجزاء الأولى من وحدات ( فاعل العلاقة ) و التي يتمثلها عادة السارد الشخصية ، حيث تظهر الأحداث في الرواية في حدود تنصيصات خاصة تختص بهوية صوت السارد كشخصية مشاركة في موقعية ( = الفاعل = الشاهد ) وصولا منه إلى تحولات بقية الشخصيات إلى وضعية (=مرسل = الفاعل المنفذ = وجوب الفعل ) و تسمح هذه العناصر العاملية بدورها إلى تفعيل دور (=المرسل المضاد = تفعيل المضاد ) و هكذا تباعا نلاحظ بأن المرسل في النص هو وسط وضعية مكانية و شخصانية ، كعلاقة وصلية بين المكان كمرسل و الفاعل المنفذ كشخصية راح يجسدها السارد الشخصية . أما حالة دليل المكانية في فقرات الرواية ، فسيرتبط ضمن حدود مؤشرات تتعلق وخاصية علاقة ( = السارد الشخصية = فاعل منفذ = مدار تأشير استدلالي ) و تبعا لهذا الأمر تبقى فاعلية الإرسال مترابطة ضمنا و حدود توافقية سياق علاقة السارد الفاعل المنفذ ببقية العناصر العاملية الأخرى ، كشخوص الموضوع الدينامي و جهة الموضوع ذاته ، الذي يتضح من خلاله وجوبية فعل أظهاريات التواصل نحو بؤرة المكان المشترك في دائرة الدال المؤشر في السرد الروائي .
2ــ فرضية المحكي في بؤرة المحايثة النصية :
و نحن نعاين معطيات الأظهار النصي ، في مستهل أحداث الرواية ، تواجهنا أوصاف الذوات و خصائص مستوى الوظيفة الزمنية و المكانية و الشخوصية و الحكائية ، كسياقية نستدرك من خلالها علامات الدليل السردي ، و مدى أرتباطه البؤروي في أيقونة جهة الموضوعة الداخلية و الخارجية من الرواية ، و ذلك يعني بكل دقائق ترابطات و محققات مترتباتها الوظيفية و الدلالية و الإرسالية . تخبرنا الرواية نقلا عن حال لسان ساردها الشخصية : ( كنا في كتيبة المغاوير الثالثة و العشرين .. حينما جاءتنا الأوامر المتعجلة للالتحاق بفصيل جديد و تنفيذ مهمة قتالية أطلق عليها ذلك الوقت ــ غارة الصحراء ــ وهي ملاحقة مجموعة من البدو لأسرهم أو قتلهم .. بعد أن قاموا بذبح ثلاثة من ضباطنا عند التلال الحمراء الواقعة في الجنوب الغربي من العراق / الرواية ) تشكل أحداث الرواية مجالات واسعة من رسم تلك العلاقات السردية الخاصة و حدود ثنائية ( =المكانية = الزمانية ) فتدخل جملة هذه العاملية الفضائية في محايثات محكي النص ، و كأنها فتوحات جبارة من أختراق البرنامج السردي في الرواية ، وصولا به إلى موقع الشخصيات و الأحداث في عمق الصحراء ، الحافلة بلحظات المعادية و الضاغطة على كاهل تعقبات جنود هذه الكتيبة : (في الواقع لم نكن نعلم في البداية عن هذه المهمة القتالية أي شيء .. بل تم انتدابنا بسرعة كبيرة عن طريق برقية استخبارية سرية و مستعجلة جدا .. ولم تتضمن هذه البرقية المقتضبة التي استلمها ضابط المخابره ــ وهو ضابط قصير .. أسمر الوجه .. عيناه صغيرتان .. يسير بسرعة كبيرة ومن النادر أن يتكلم عن هذه المهمة القتالية أي شيء .. بأستثناء أن نجلب معنا عدة القتال الكاملة . / الرواية ) و تتوالى دلالات تحول فضاء السرد نحو مشخصات ، ارتباط شخوص الجنود بالواجب ، امتثالا لأوامر الجهات العليا ، و التي كانت تتمثل بمجموعة من ضباط الاستخبارات كما تحدثنا الرواية : ( فجأة خرج ضابط الاستخبارات الصموت و بميعته ثلاثة حراس / وهنالك مجموعة من الحرس ينفخون بشيء من العنفوان في الأبواق إيقاع نفير.. توقف الضابط بطريقة مصطنعة بعد أن شطر الفوج شطرين عند نقطة قريبة من خندقه .. ثم أخرج من جيبه ورقة و قرأ علينا أسماءنا للالتحاق بدائرة الاستخبارات الواقعة في الخطوط الخلفية . / الرواية )
ـــ المتن الحكائي و شواهد الرواية .
ومن خلال معالجة و عرض السير الخطي للسرد ، حرصنا على أن تكون طريقة تعاملاتنا التوصيفية و التحليلية لأحداث الرواية ، تباعا و ضمن ما هو منصوص عليه في أوليات الشكل الكتابي النابع من بؤرة ( المتن الحكائي ) وصولا إلى تحقق العلاقة الشخوصية مع فضائية بياض تلك المكونات الصحراوية المتكونة من تلك المجاميع القبلية / البدوية . فمن الملاحظ أن هناك فئة من البدو تدعى بني جدلة ، حيث كانوا من أشد القبائل البدوية فتكا و تمردا على نظام الدولة : ( كما أنهم لم يكونوا قط على وفاق مع أعمامهم من بني جابر .. و لأسباب غير معلومة بطبيعة الأمر . / الرواية ) و من خلال معاينتنا لشخوص الرواية ، تبين لنا أن مجموعة الجنود التسعة مع الضابط كانوا هم من يشكل آلية ما يسمى بغارة الصحراء تلك المهمة القتالية المكلفة بمطاردة بني جدلة : ( قبل خمسة أيام ذهب ثلاثة من ألمع ضباط الاستخبارات للاستطلاع عند تل أحماد من الجهة الشرقية من العراق / حيث من المحتمل أن تدور معارك ضارية مع قوات التحالف هناك .. و كانوا يحملون كمية كبيرة من المال ومعهم مجموعة صغيرة من الحرس .. و قد أوقع بهم البدو من بني جدلة بكمين و تم قتلهم و سلبهم أسلحتهم و أموالهم . / الرواية ) و تبعا لهذه الفقرات، راح يخبرنا سارد الشخصية نقلا حول تلك الأموال التي كانت بحوزتهم ، أنما هي كانت أشبه بالدعم من قوات الجيش إلى بني جابر : ( أعمام بني جدلة و كلاهما من بطون آل مضر .. و بنو جابر معروفون بموالاتهم الدائمة للدولة . / الرواية ) من المؤكد جدا أن الدولة كانت تخصص إلى آل جابر تلك الرفعة الموثوقة ، خصوصا و أنها اعتمدت دليلا منهم يدعى منور : ( و تعتمد الاستخبارت العسكرية عليهم في رصد عمليات التسلل أو جمع المعلومات المهمة / بل كان بعضهم يدخل و يخرج من حدود الدول المجاورة مع إبله مثل أي بدوي آخر .. ولكن مهمته الحقيقية هي جلب المعلومات الأساسية من هذه الدولة المجاورة . / الرواية ) تخبرنا الرواية أيضا من جهة أخرى و بعد واقعة قتل الضباط الثلاثة ، حيث قامت الدولة بعمليات كبيرة ، نفذتها قوات طيران الجيش عدة مرات نحو فلول بني جدلة ، ولكن تلك الغارات الجوية لم تحظ بأي نتيجة مفيدة : ( فبنو جدلة قد اختفوا بين التلال الرملية مثل إبرة في القش / بل إن الطائرات أخطأت هدفها و قتلت عشرين رجلا من بني جابر .. كانوا هم أيضا يبحثون بين تلال أحماد عن بني جدلة لأسرهم و تسليمهم للحكومة أو قتلهم . / الرواية ) .
1ــ جساس بن مخيمر :
من خلال مجازر ما أوقعته تلك العصابات البدوية ، ما بين عملية قتل و سلب لضباط الاستخبارت و المراتب الجنود ، يبرز لنا أسم شخصية البدوي القاتل جساس بن مخيمر ، و الذي كان يشكل الهدف الأكبر في ملاحقات قوات الجيش ، فجساس كان هو المتزعم الأكبر لتلك العصابات البدوية المتكفلة بأفعال جرائم قتل الجيش و سلب أسلحتهم و أموالهم و معداتهم الحربية الأخرى : (أنما كان المطلوب الأول هو جساس بن مخيمر .. وهو شاب في العشرين من عمره .. متزوج من كمرة من آل طعمة .. يقال أنه هو الذي ذبح الضباط الثلاثة و سلبهم مالهم و أسلحتهم .. يعاونه أربعة من أبناء عموميته / غالب بن عبود بني جدلة / و جويد بن شمران بني جدلة / و غريب حويط بني جدلة / و مناهي حواس بني جدلة . / الرواية ) .
2ــ فضاء الموت و جاسوسية الدليل منور :
و من خلال تواصل خطية مسار الأحداث الروائية ، يبرز لنا الشخصية منور من آل بني جابر ، وهو بمثابة العين المرشدة و الدليل البوصلي ، الذي كان يرافق تحركات و تخفي الهدف المعادي جساس إلى جانب الجنود التسعة مع النقيب رعد : ( كان وجه منور بلا انفعال تقريبا .. أنه وجه شامخ لبدوي سحنته بلون الأرض .. لحية قصيرة على الحنك سوداء فاحمة / عيناه برموشها الثقيلة ترسل نظرات واثقة .. هادئة و متعالية مخيفة إلى حد ما بمكر و ذكاء حادين . / الرواية ) ومن بنية التأمل و التشخيص ، تتحول ممارسة الكتابة الروائية إلى وعي فاحص و مكمل و مدرك لسمات الملامح الشخوصية الصحرواية ، بيد أن هذه الممارسة أخذت تسمح للروائي بأكتشاف واقع الصحراء عبر لسان حال سارده الشخصية ..( كان الضوء داخل الطائرة أصفر شاحبا .. و قد ظهر الطيار من باب موارب في القمرة وهو يعطي اشارة الاقلاع .. وقد جلست أنا بسرعة على الجانب الشمالي قرب النافذة السميكة / دقائق وحلقت الطائرة إلى الأعلى .. فأصبحت أضواؤها التي كانت تومض على المهبط بعيدة عن الأرض / أخذت أنظر بهدوء من نوافذ الهليكوبتر السميكة إلى تلال الرمال المتحركة كأنها أمواج بحر سوداء تغطيها طبقة فضية واسعة / كانت صحراء السماوة التي أضلت إبراهيم الخليل وعائلته وهو في طريقه إلى فلسطين تمتد خلفنا و كنت أميز على نحو مشوش بعض الأهداب الرملية الصفر و المذهبة التي ترسم الحدود الفاصلة بين أرض نبوخذ نصر و أرض كنعان .. كنت أرى عتمة الصحراء عند الطرف القصي لأحد النتوءات .. و المصادفة وحدها هي التي أضاءت بلا ريب النور على أطلال مدن سومرية أبتلعتها الرمال . / الرواية ) كانت هذه الفقرات التوصيفية الخارقة تحملنا نحو مؤشرات التشكيل الرمزي الذي سوف يتمثل حياة الجنود في معركة البحث عن عصابة جساس . فالروائي أخذ يمنحنا قدرا كبيرا من تلك الأفضية الصحراوية ، التي سوف تقع فيها مجزرة قتل الجنود على أيدي عصابة البدو ، بعد أن تبين فعل خيانة منور لهم و أتفاقه المبيت مع زمرة جساس : ( يا ألهي قد ذبح رفاقي . / الرواية ) ومن خلال مأزومية واقعة مقتل الجنود بشكل كلي ، فيما ظل السارد وحده الذي تخلى عنه الموت ، وهو يواصل سيره نحو مواطن هروب الخائن منور ، متعقبا أثر خطواته ما بين الصخور و الأخاديد وصولا إلى سماعه : ( سمعت صوت الريح ينحت في الرمل و في الصخر و هناك صيحات عقبان أسمعها تنساب فوق الريح و بتردد صداها بين الصخور / فجأة نهضت على صوت غريب و أزيز قوي / ثم أدركت إن الحرب قد بدأت .. وهذه الطائرات هي طائرات الحلفاء المتجهة لقصف بغداد . / الرواية ) .
ــ جمالية الصحراء الوجودية و الصوفية .
أن الفضاء الصحراوي في رواية ( ملوك الرمال ) راح يهيئ في مخيلة الشخصية الساردة عمقا صوفيا و وجوديا نادرا ، فالفضاء المتصحر ، غدا يشكل في مخيلة السارد الجندي ذلك الفيض من الصفاء الصوري و خلوة النفس إلى جوهر سكنات الروح الخاشعة لخالقها ، وصورة الصحراء و بكل علاماتها الوجودية و الصوفية ، أخذت تشكل و تحفز في بؤرة وعي الشخصية ، جملة تلك الاستعارات الميتافيزيقية و التساؤلات الفلسفية الوجودية الأبدية ، بل أنها تلك التداعيات المبثوثة في صور الرمزية و الإيحائية في قلب الشخصية الروائية ، مما جعلته ينداح في مخيلته نحو سياقية حلمية وجودها زوال كل الوجود المدني هناك في المدينة ، لينعكس هذا التساؤل الفلسفي في لعبة مرآيا الرمال و نتوءات صفير الصخر : ( لم يعد الله في الصحراء غريبا و متعاليا عليهم بل هو منهم و فيهم .. هو البدوي الأكبر و الذي يسوح في كونه الذي خلقه يمينا و شمالا .. شرقا و غربا .. شمالا وجنوبا .. هو الجهة حتى لا تكون هنالك جهة للكون .. هو الحد الذي لا حد له .. هو روح الوجود في الوجود ذاته / لقد عرفت للمرة الأولى أن الله ليس بعيدا عني هنا .. كما كنت أشعر به بعيدا عني تماما في المدينة . / الرواية ) كان السارد الشخصية كما تخبرنا الرواية قد ألتحق بقافلة كانت تسير نحو جهة الشمال ، لتحمل ذلك الجندي المنتقم فوق أحدى الإبل نحو جهة صحراوية شمالا : ( سارت القافلة بخطوات بطيئة مسيرة يوم واحد .. ثم توقفت في الصباح في مكان لم أستطع تمييزه بدقة كبيرة .. ولم أميز منه سوى واحة صغيرة عليها أجمات شجر قصيرة .. و بضع خيام منصوبة . / الرواية ) و قد تبين للشخصية و بعد مرور فترة من الزمن بأن هذه القبيلة هي قبيلة جساس بني جدلة ، كما إن تلك المرأة العجوز التي كانت تصحبها فتاة ، إذ أنها تعاود مرورها عليه كل ليلة تطعمه خبز الشعير و تقدم له حليب النوق ، ما هي إلا والدة جساس و الفتاة التي بصحبتها كانت زوجة جساس : ( يا إلهي ما الذي حدث حقا لأرتكب هذا الخطأ الكبير و أكون هاربا من بني جساس محتميا ببني جساس ؟ كيف حدث هذا الأمر . / الرواية ) و تبعا لهذا الأمر يخبرنا الشخصية بأنه سمع ثمة قافلة قريبة من المخيم كانت تعزم السفر إلى الصحراء فيما أخذ يرتب نفسه : ( للهروب من هذا المخيم و الالتحاق بالقافلة ، / الرواية ) .
( تعليق القراءة )
في الفصول الأخيرة من أحداث الرواية ، تنكشف لنا عملية هروب الشخصية الموفقة مع القافلة و وصوله إلى قبيلة بني جابر ، حيث أخذت تجمعه علاقة أيروسية مع تلك الفتاة البدوية رابعة ، التي كانت تبحث عن ذلك الرجل الذي يأخذ بثأر دم زوجها الذي لاقى مصرعه هو كذلك على يد جساس و أعوانه : ( كانت هناك مجموعة من النساء يحملن الجرار على أكتافهن و يلعبن بالماء / في الليل وما أن نظفت سلاحي و أردت إطفاء الفانوس و النوم .. حتى دخلت علي رابعة إلى الخيمة / وقفت أمامي تماما و خلعت عن وجهها وشاحها / قالت أنها أرملة جابر بن خلف .. وكان أحد شباب بني جابر من آل مضر .. و قد قتله جساس في الصيف الماضي / ومنذ ذلك اليوم وهي تنتظر من يأخذ لها بثأرها و ينتقم لشرف زوجها القتيل . / الرواية ) غير إن الأمر لم يتوقف عند هذه الحدود الأعتبارية التي كانت تسكن جوارح قلب البدوية رابعة ، و إنما الأمر صار على النحو الذي يأخذ لها بثأر فوراتها الجنسية القاتلة ، و التي هي في الواقع الأشنع من واقعة فقدانها لزوجها : (كانت يد رابعة دافئة في الليل لم تكن بحاجة لأن تشرح لي سبب وجودها .. أو تبحث لنفسها عن عذر لوجودها / و عيناها السوداوان الوحشيتان تنظران في عيني مباشرة .. و كنت ألحظ فيهما رغبة عارمة / و بعد دقائق استسلمت لتقبيلي و مداعباتي .. ثم استلقت في الفراش على ظهرها و فتحت ساقيها .. و قد تمددت فوقها بكل ثقلي . / الرواية ) و في الختام تخبرنا الرواية عن التحاق الجندي الشخصية مع عدد من فرسان بني جابر سعيا منهم لمحاولة القبض على منور الخائن و جساس القاتل و أعوانه : ( فبدأ يصرخ و يتوسل و ينكر إن له علاقة بالموضوع .. أي إنه لم يخن .. ولكن الجيش ما كان بإمكانه أن يواجه جساس و إنهم كانوا مجموعة من الجهلة بفن الحرب . / الرواية ) كان هذا ما قاله منور إلى الرجال و الجندي مبررا موقفه بلاخيانة الجيش و إنما : ( و حين قلت له أنه هرب في اليوم الأخير .. ذكر أنه أدرك إن جساس منتصر عليهم .. و أنه سيذبح لو تم إلقاء القبض عليه . / الرواية ) ورغم عدم اعتراف منور بفعل الخيانة ، إلا إن رجال قبيلته مارسوا معه عملية كشف الكذب و تسمى باللهجة الصحراوية البشعة : ( أبشع .. أبشع ) فما إن مد منور لسانه 🙁 حتى جز الصوت و خرج البخار من اللسان و صرخ منور صرخة عالية : ــ خاين .. خاين . / الرواية ) و هكذا تخبرنا الرواية باحتجاز منور مخفورا إلى قبيلته ، فيما قاموا الفرسان بالسير جميعا بحثا عن جساس : ( أنقضوا عليه وهو نائم .. حين رفع رأسه عرفته .. وكان ينظر نحوي بحقد و بعينين من نار . / الرواية ) هكذا تنتهي فصول رواية ( ملوك الرمال ) : ( بقية القافلة تسير معي .. و جساس أسيري . / الرواية) و حتى لحظة بلوغ النصر بأخذ جساس أسيرا من قبل جندي المنتقم لشرف دماء رفاقه الجنود ، الذي قام جساس بزهق أرواحهم قسرا ، أقول لم يكن نصر ذلك الجندي على الوجه المكتمل .. خصوصا و أن المدينة كانت غارقة بالدخان و الزوال بعد محوها تماما من قبل طائرات قوات التحالف ، و ذلك ما غدا يشكل فقدان القاعدة و السلطة و القانون في غياب الدولة ، فما الحاجة بعد لقيمة جساس مهزوما أمام هزيمة القانون و الدولة ؟ : ( مرت بي سيارة شحن .. فصرخت عليها صرخة حادة و ركضت وراءها .. حتى وقفت / : إلى أين أنت ذاهب ؟ ــ إلى طرف صحراء السماوة خذ هذا البدوي معك و أرمه هناك .. لم يصدق جساس إذنه كنت فككت وثاقه .. و صرخت به : أهرب .. أهرب / الرواية ) هكذا إذن تنكشف مشاهد و صور الرواية أمام ثلاثية : ( الطموح / الفرح / الانكسار ) تبخر الآمال و النصر قد صار يعلن عن مدلولية من الفراغ : ( و بعد أن غابت الشاحنة التي حملت جساس وراء الأفق .. نزعت الكوفية البدوية ورميتها على الأرض و ركضت في الفراغ . / الرواية ) هكذا هو حال مصير دلالات شخوص رواية ( ملوك الرمال ) عبارة عن رهانات طويلة مع الصخر و الرمال و القتلة و الفقدان وخسارة بطولة الدور و الأدوار إزاء مهزومية حقيقة الأوطان . غير أن صورة الرواية الجمالية و البنائية ظلت منتصرة كمناجاة صحراوية حزينة تطلق مرثيات خطى سيرها نحو تلك العلاقة الروائية المجملة بين دليل ( مفكرة الشاهد ) و زمن مدلولية فلسفة ( صوفية التصحر ) المركبة في تفاعلات حالات ذلك الجندي السارد مع محيط و فعل و فردانية دلالة عوالم تساؤلات الصحراء.