أحد أهم أسباب التعلق السلبي بالدنيا هو طول الأمل ، وطول الأمل معناه التعلق التام بالدنيا والذي يؤدي بصاحبه إلى نسيان الآخرة وهذا بدوره يَحرف مسار الإنسان ويغير ترتيب الأولويات في جدول أعماله أو يشطب على أهم الواجبات التي أُنيطت به وعندما نتحدث عن طول الأمل والتعلق بالدنيا لا ندعوا إلى أهمال هذا الجانب المهم لكن نحاول أن نبين مساوىء الافراط فيه وننطلق من مبدأ لا افراط ولا تفريط وكما قال الإمام علي (عليه السلام) “أعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا وأعمل لأخرتك كأنك تموت غدا” . يقول السيد الأستاذ الصرخي الحسني (دام ظله) في كتابه المنهاج الواضح – كتاب الصلاة – القسم الثاني – الفصل الأول تحت عنوان “عظة وعبرة” صفحة 5 يقول :
الانشداد والارتباط والتعلق بالدنيا وزخرفها من الترابيات والعنصريات من غريزة الإنسان لأنه مخلوق منها ، فيحب ويرغب في جميع ما يؤمل البقاء ، ويطلب ويسعى للحصول على ما يكفيه في حياته ، ومثل هذا الطموح والأمل ليس فيه بأس فيما إذا كان السعي لتحقيقه من أجل الخير والصلاح والسعادة للفرد والمجتمع في الدنيا والأخرة طبقا للتعاليم الإسلامية .أما إذا كان ذلك الطموح والأمل من أجل توفير الرغبات الشخصية المادية بصورة مجردة عن الارتباط بالخالق والمنعم والمعبود المطلق ، ومجرد عن ارتباط بأخيه الإنسان وبعيدة عن تحقيق الألفة والأمان في المجتمع الإنساني فمثل هذا الأمل والطموح داء عضال يوصل الإنسان إلى العمى والضلال وقطع دابر التفكير المنطقي العلمي الصحيح بسبب تفاقم المرض القلبي وتراكم ظلمته لإرتكابه المعاصي والرذائل ، فيحصل الريَن والطبع على القلب فلا مجال للهداية والصلاح . وكذلك فيما إذا وافاه الأجل فلا تتوفر له الفرصة للتوبة وتطهير النفس والقلب ، وقد ورد عن المعصومين (عليهم السلام) {
ما طال عبد الأمل إلا أساء العمل} .
والشارع المقدس الحكيم وضع علاجًا لإستئصال هذا الداء العضال ، فأرشد الإنسان وحثه على الأعتبار والأتعاض لتحديد الطريق والسلوك الصحيح القويم وما يترتب عليه وفي نفس الوقت استعمل اسلوب التهديد والوعيد لحث الإنسان على الأمتثال فأشار إلى العقوبات الدنيوية والأخروية التي سيتعرض لها فجعل الموازنة في حياة الإنسان فلا افراط ولا في الأقدام على الدنيا ولا تفريط في الأعراض عنها بل جعل الإقبال على الدنيا بمقدار ما أحل للإنسان والتزود منها للآخرة لأنها دار البقاء والقرار .
والموت وأهواله وعذاب القبر وأهوال البرزخ والنشر والحشر وجهنم كل ذلك وغيره يمثل أوضح مصاديق الأتعاض والأعتبار لعلاج داء طول الأمل لتصفية وتنقية النفوس والقلوب والإبتعاد عن الرذائل والمبوقات والإلتزام بالأحكام والمنجيات .
وأذكر في المقام العديد من المواعظ والعبر التي أشار إليها الشارع المقدس .
قال تعالى (
1- قوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } .
2- قوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} .
3- قوله تعالى:{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} .
4- قوله تعالى:{وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ …}.
5- قوله تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا…} .
6- ورد عن النبي (صلى الله عليه واله) { التائب يقوس ظهره من مخافة النار ويذيب عظامه شوقا إلى الجنة ويرق قلبه
من هول ملك الموت ويخفَف جلده على بدنه لتفكر الأجل} .
7- وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) {إيها الناس لكم معالم لإأنتهوا إلى معالمكم وأن لكم نهاية فأنتهوا إلى نهايتكم فليأخذ
العبد المؤمن من دنياه لأخرته وفي الشبيبة قبل الكبر وفي الحياة قبل الممات } .
8- عن الصادق ألآمين (صلى الله عليه وآله) { المؤمن الأكيس هو أكثر المؤمنيين ذكرا للموت وأشدهم له أستعدادا} . أنهتى الأقتباس .
إذا علينا أن نتعظ ونعمل على التوازن فلا أفراط في الإقبال على الدنيا وطول ألآمال ولا تفريط وتعطيل الحياة بحجة أنها فانية وعلينا أن نسعى لتحقيق مصالحنا في أطار مصالح المجتمع ولتكن سعادتنا ضمن سعادة أخوتنا وأهلنا وليست على حسابها وكما قال (صلى الله عليه وآله) “من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم” .