في بدايات الثمانينات عرفت السعيدي كطالب دراسات عليا في جامعة الموصل – كلية الزراعة والغابات , فقد كان شخصية قوية امتاز بحصافة الراي وحكمة العقل وقوة الذاكرة وهدوء الطبع وقلة الكلام وقول الحق ومحبة الاخرين ومساعدة الضعفاء والمحتاجين , هذه بعض من سجاياه وليس كلها فقد تعلمت منه الكثير الكثير…بعد ان انهى السعيدي الماجستير عين م.م مدرس في نفس الكلية , ومن هنا بدءت مرحلة معاناته ’ فقد رفض ان يكون اداة مطيعة عمياء للسلطة حتى ولو منحت له كل الامتيازات الشخصية والمراكز الوظيفية والقيادية , فقد اختار الموقف المبدئي الذي يتلائم مع ضميره واخلاقه بارادة قوية صلبة بالتحدي فلم يجامل او يهادن او يتردد في رفض ما اريد ان يملى عليه فكريا بخدمة السلطة وقرر ان يتحمل النتائج برحابة صدر مهما بلغت التضحيات , فكانت النتيجة الفصل من الوظيفة كمدرس جامعي التي احزنت كل الشرفاء التدريسين , وقد اخذ الخبر يتناقل في اروقة الجامعة ووصل الى الجامعات الاخرى , فلجا السعيدي ان يعمل بعقد في وزارة الري لفترة ثم تركها ليواصل دراسة الدكتوراه ثم بعد ان انهاها هاجر من العراق الى ليبيا وبقي مغتربا فيها اكثر من ربع قرن من الزمن حتى سقوط النظام , انا شخصيا قلدت السعيدي في موقفه المشرف هذا ولكن بشجاعة اقل وبصلابة رخوة فقد استخدمت التقية وتعللت بالمرض حتى لا اكون تابعا للنظام بنفس الوقت اردت ان احتفظ بوظيفتي .
الصدمة الكبرى للسعيدي الذي اوشك ان يكون بسن العمر التقاعدي يعود الى العراق ليجد ان اوليات فصله من الجامعة بسبب عدم ولاءه للنظام البعثي قد فقدت في جامعة الموصل ووزارة التعليم العالي , ولم يشمل بمميزات الفصل السياسي الذي تعددت اوجهها على مدى 13 سنة بخدمة جهادية او سجن رفحاء , وهنا التساءل لو كان د. عثمان تبعا لاحد الاحزاب السياسية الحاكمة اليوم في الساحة العراقية , فهل يواجه هكذا مصير؟! بالامس مضطهد من النظام السابق واليوم منسي من النظام الحالي , اليس الحكومة تدعي الاسلام والاسلام يحكم بشهادة الشهود ؟ فالسعيدي يشهد له الكثير من زملاءه بموقفه المشرف هذا وبهذا لا نحتاج اوراق ومستمسكات الفصل ؟! وهذا مافعله للكثير من المفصولين السياسين فاحدهم يشهد للاخر, فلماذا لا يطبق هذا القرار على المستقلين ؟ وانا اسال والاجابة يحددها العقل والمنطق والخلق ايهما افضل من يتحدى النظام وهو جزء منه او من هو مضطهد ومحروم منه وبسببه ؟ طبعا الاول هو الافضل لانه رفض الباطل وهو مستفيد منه في حين رفض الثاني متاتي من ان الضرر الذي لحق به بسببه .
قضية استحقاق د. عثمان السعيدي باعادته للوظيفة واحتساب فترة فصله من الجامعة خدمة وظيفية ليتسنى له الاحالة على التقاعد لموقفه المشرف المبدئي والاخلاقي اسوة بالمتضررين السياسين الاخرين وليس من العقل والمنطق ان يقف عدم العثور على مستمسكات تعينه حجر عثرة امام استحقاقة والتي فقدت ولا يعرف كيف فقدت ؟!…هذه القضية اعرضها في الاعلام ليطلع عليها اصحاب القرار وليضعوا الحق في محله وفقا للاستحقاق الوطني رغم ان الرجل لم يطلب مني ان انشر هذه القضية وانني لم التقي به منذ اكثر من 20 سنة .