الرحمة تعني الرّأفة ولين الجانب والعطف، وقد قيل إنّ الرحمة رقّةٌ في النفس، عكس القسوة والغِلظة، وهي خلق رفيع يمتاز به أصحاب النفوس الرقيقة، والقلوب اللطيفة، تبعث على سَوْق الخير لمن تتعدّى إليه، وتكفيها شرفية أنّها من أسماء الله الحسنى: الرّحمن الرّحيم، وبهما تفتتح كلَّ سورةٍ القرآن الكريم بقولنا: بسم الله الرحمن الرحيم، ولقد انفردت صفة الرحمة في القرآن بالصدارة، وبفارق كبير عن أي صفة أخلاقية أخرى، حيث تكررت صفة الرحمة بمشتقاتها ثلاثمائة وخمس عشرة مرةً،
وفي ذلك دلالةٌ واضحةٌ على أهميتها في المنظور الإلهي, فقد جاءت رسالة الإسلام السّمحة نموذجًا مُتميزًا للرحمة وقد حثّت على الرّحمة العامّة وأوصت بها، وأمرت المسلمين بالتخلّق بها، ، وما كانت بعثة النبي محمد إلا رحمةً للعالَمين أجمعين، قال تعالى: (وَمَا أَرسلناكَ إلّا رحمةً للعالَمين)، فكان أرحم النّاس بالنّاس، وأوسعهم صدرًا وعاطفةً، من طبعِه السّهولة، واللين، والرّفق، والرأفة بكل من حوله من المسلمين وغيرهم، يقول: «ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»
في الاتجاه المعاكس نجد أن الرحمة من ابغض الصفات على إبليس، وإن من يتصف بها، هو أول أعدائه وأبغضهم إليه، كما تكشف عن ذلك الحوارية التي ينقلها الأستاذ الصرخي، بين إبليس وبين نبينا محمد حول أصناف البشر الذين يكرههم إبليس: ((قال المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): كم أعداؤك من أمتي؟ قال إبليس (لعنة الله على إبليس): عشرون ، أولهم أنت يا محمد فإني أبغضك ، إذًا أول أعداء إبليس هو محمد (صلى الله على محمد وعلى آل محمد)،، ذو القلب الرحيم : الذي يهتم لأمور المسلمين بغضّ النظر عن دياناتهم وطوائفهم وتوجهاتهم، يهتم للأطفال ، يهتم للناس ، يهتم للشيوخ ، يهتم للأبرياء ، يهتم للسجناء ، يهتم للنازحين ، يهتم للمهجرين)).
وعلى ضوء ما تقدم يتضح جليا أن الممارسات التكفيرية والطائفية والعنصرية والتمييزية والتصنيفية والتقسمية والقمعية والإقصائية والتهميشية والتشريدية والتهجيرية والتطريدية وغيرها التي تتعارض مع الرحمة والتي قام ويقوم بها الدينيين( اللادينيين) وملحقاتهم، في كل زمان ومكان، تتعارض مع توصيات الإسلام، بل مع الهدف الذي بعث من اجله النبي الرحيم، وهو: الرحمة بالعالمين من المسلمين وغيرهم، فهؤلاء هم أحباب إبليس وأولياءه كما صرح إبليس بذلك، والمعركة لازالت مستمرة بين أعداء إبليس وهم الرحماء وفي طليعتهم نبينا الأقدس، وبين أحباب إبليس وهم أعداء الرحمة والإنسانية وفي طليعتهم الدينيين( اللادينيين).