حقيقة دامغة لم يعد احد يجهلها ،هي إن سياسة بلدنا تفتقر إلى البوصلة التي تستعين بها لتحديد مسارها الصحيح وابتداء من الانتخابات التي تجري والتي تتسم بالعشوائية سواء كانت انتخابات الحكومة أو أعضاء البرلمان أو مجالس المحافظات أو غيرها ، لأن المرشح ، كتلة أو حزبا أو فردا ، لا يقدم منهاج عمل واضحا يرضي الناخبين ، كما هو معمول به في كل دول العالم ، يُطالب بتنفيذه في حالة فوزه ، والسبب في ذلك هو تيقن هذه (الهلمة ) السياسية من أن البلد وثرواته (كيكة ) بين أيديهم ،يتقاسمونها بطريقتهم ، ولا يجرؤ احد على مشاركتهم فيها، لذا هم لا يبذلون جهدا في إعداد خطط مدروسة ومحكمة، تكون بمثابة ورقة للفوز وشرط للتنافس السليم. وعلى هذا الأساس ، نجد إن الحكومة ، تفتقر إلى رؤية واضحة ومنهاج مثمر يحقق بناء البلد ، وهذا ما حصل فعلا فبعد عشر سنوات من تعاقب الحكومات لم يتحقق أي تقدم في مجال الخدمات والبني التحتية وبناء المجتمع ، مادام منهج هذه الحكومات ،الارتجال والتجريب والمزاجية في إصدار القرارات. والسبب هو الجهل بالعمل السياسي وغياب خبرة كيفية البناء والأعمار وإدارة العملية السياسية والتهافت اللامعقول على تحقيق المكاسب غير المشروعة، بينما الظروف التي يعانيها البلد لا تتحمل منهجا اعتباطيا مثل هذا، يستهلك الوقت والجهد والمال ولا يخرج بنتائج ايجابية . معظم خطوات حكومتنا، تدعو إلى الحيرة والتساؤل فبعضها يفتقر إلى الموضوعية والبعض الآخر يحقق مصلحة فئة دون أخرى وبعضها يتسم بالغرابة وعلى سبيل المثال لا الحصر ، إننا لا ندري هدف الحكومة من الحملة القائمة على قدم وساق منذ فترة طويلة لاستيراد آلاف السيارات وبيعها للمواطن بالتقسيط ، ولا نعرف من يقف وراءها. ولاشك ان هناك جهة مستفيدة ، في الوقت الذي يشهد بلدنا أزمة مرورية آثمة تكاد تقضي على ما تبقى للمواطن من صبر، وهو ينتظر منها حلولا لازمات متفاقمة . فبعد إحداث 2003 دخلت العراق أكثر من مليون سيارة وبمستويات متدنية، يعد بعضها من نفايات الدول المصدرة إلينا ، تجوب شوارع كانت قبل دخولها، تعاني الزحام والاختناقات المرورية ثم أضيفت إليها الصبات الكونكريتية والسيطرات التي لا جدوى منها سوى تشديد الخناق على المواطن المغلوب على أمره واستنزاف وقته وجهده . بينما كان على الحكومة التوجه إلى حل مشكلة المرور عن طريق 1- سحب السيارات ذات الموديلات القديمة لما تسببه من تفاقم الزحام واستهلاك غير مبرر للوقود وتلوث للبيئة إضافة إلى أن وجودها يعزز صورة التخلف التي نعيشها 2- تحوير الساحات والجزرات الوسطية وتقليصها بما يخدم حركة المرور وتسهيل انسيابيتها 3- التخفيف من السيطرات التي أثبتت عدم فاعليتها وسببا في تفاقم أزمة المرور وتعطيل السير،بينما يتوجب تعزيز هذه السيطرات بما يكفل جدواها وذلك بتجهيزها بأجهزة كشف المتفجرات المتطورة ومدها بالسلاح الفعال والتنظيم المحكم 4 – زيادة أساطيل حافلات نقل الركاب وتشجيع المواطن على التخلي عن استعمال سيارته الخاصة في كثير من مشاويره واستخدامها . حملة الحكومة لبيع السيارات بالتقسيط للموطن واحدة من شطحاتها الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى بينما هناك من المشاكل الكثيرة التي تحاصرنا ،مثل مشكلة السكن ،وحلها ببناء مجمعات سكنية متواضعة للفقراء وذوي الدخل المحدود ،بالمبالغ التي تصرف على استيراد السيارات او حل غيرها من المشاكل . اذ عليها البدء بالأهم أولا ثم المهم .