على بركة ألله الرحمان الرحيم وحفظه ، نفتتح مكتوبنا الليلة ، بحرف جرٍّ جارٍّ ، يجرّنا مرتاحين ، صوب مرابع ومناعش الصبا ، وأول مصابيح الشباب ، وقد سولفنا سوالفنا ، على سور مائدة لطيفة عامرة ، من موائد الفتى النبيه محمد بن هارون أبو حمرين ، فكان حكيُنا يسترسل ويسيح ، وكان الفتى العطشان والربع المنصتة تصيح وتتوسل ، أن زدنا يا حكّاء المدينة ، مما تيسر ببطن خزان الذاكرة ، من طيب الحكي ، ولذيذ الطرائف ، وبديع اللطائف ، فأستذوقنا الأمر ، وصرنا إليه سائرين متصلين ، لا فاصلة تفصل ، ولا فارزة تفرز ، ولا حرف معترضة تعترض ، ولا نقطة منتهى تنهي ، حتى تناوشنا مطلاع الفجر ، ولمعة الزهرة البائنة ، وخشخشة ورق الشجيرات الصفر ، التي تكنسها ريح الربّ ، فوق صفحة الإسفلت ، منتجة سمفونية عاطرة بهطيل أيام راحت ولن تعود . مفتاح الحكي ، غير قفل الكلام ، والرؤوس تتناود سكرى ، وما الأكتاف التي تشيلها بسكرى ، حتى اندلقنا على باب رحيم من بوابات التذكر ، اسمه باب المشروبات الغازية التي كانت تنعش أهل بغداد العباسية ، وما حولها ، ومن مشهوراتها البيبسي والسفن آب والميراندا والمشن والسينالكو والكندادراي والشابي والصودا ، وحيث انفتح باب السبعينيات الهادىء ، تشنّفت عيون وأسماع وأذواق الرعية ، بمنتج طيب ، اسمه ” كراش ” وكان يجيء على صنفين ، هما الأسود وأخيه البرتقالي الذي كان معادلاً رحيماً موضوعياً لشحة البرتقال العزيز ، الذي لم تره أحواش الفقراء ، الّا في صبحية زرعه بماعون فوق طاولة مريضٍ مهم . في لحظة زمنية هانئة ، ظهر مشروب جديد اشتهر مثل شهرة شهيد ملفوف بعلَم ، واسمه تراوبي ، بزجاجة رِبعة قصيرة ، ورقبة مثل مبوسة عملاقة ، وقيل أنه يُعمل من منقوع عنب الشمال الحلو ، ومن تلك المعلومة القحّ ، ارتبط شراب التراوبي في حشوة مخّي ، بمسألة دعش آذار ، وطقطوقة أحمد الخليل ” هربشي كردي وعرب رمز النضال ” ومسيرات عيد العمال العالمي ، التي تمرق من قدّام سينما بابل ، مثل ” لاس فيجاس ” قاطرة مقطورة ، تجعل من صيحات العائلة ، تكبّر ب ” تراوبي بارد ، بيض وعمبة وصمون ، يلّلا حَب جكاير علج ” ومن تقاليد البيع ذاك الزمن الجميل ، أن الدكان الذي يبيع عشرة صناديق من هذا المشروب ، سيحصل على مكافأة مجزية مشجعة ، هي صندوق مضاف ، صحبة مطقاقة ، وقد يأتيك الموزعون ، بدرزن كلاصات كل ستة شهور . سمعتُ أن سينما بابل ، قد صارت واحدة من أطيان وأملاك الكاتب فخري كريم زنكنة ، وبما أنه كاتب ، وأنا كاتب ، وعندي صاحب صحوب اسمه صلاح زنكنة ، وبما أنني سفحتُ ربع العمر ، ونصف الدمع ، بباب وببطن تلك السينما العظيمة ، أتمنى على فخري ، أن يصدر فرماناً قوياً ، يقضي بتعريشي على كرسي مدير الدار بعد اعمارها ، حتى لو واجه فرمانه ، معارضة ضخمة من حجي محمد أبو ثائر وعماد ، أو من بهجت مشجع الزوراء ، او من وارتكيس مشغّل ماكنة الأفلام ، أو من جواد الأعرج حارس السيارات ، أو من جبار أبو التكة ، أو من عادل ، مثبّت الشيت وصور الجامخانة ، أو من عبد النِبي الأثول ، أو من أبو هاني ، صاحب حانة عشتار ، او من أحمد البواب ، أو من وليد الحلو ، أو من سيد رسول ، صانع أطيب لفّات عروك ، منذ وفاة حمورابي . سأعيد الروح والراح والراحة ، لسينما الستينيات والسبعينيات العذبة ، وعوائلها الأنيقة ، التي تفضّل الألواج الرباعية الكرسي ، والمقاعد ثنائية اللصق . سأنثر بباب السينما ، عربانات البيض والعمبة والحَب والسكائر والعلك ، وبلم تراوبي وكراش ، مغطى بحطام أربعة قوالب ثلج . سيكون المفتتح بفلم ” نحن لا نزرع الشوك ” سأنصب تحت شيت الفلم ، سماعات فواتح عظمى ، تنوح مع شادية بمناحة ” والله يا زمن ” سأجعل دموع الرعية ، تغسل أرصفة المربع البادىء بعمارة كافل حسين ، حتى ضواحي مطعم فوانيس ، عبوراً صوب سينما النصر وانت نازل ، وصولاً الى مكمن جريدة طريق الشعب القديم . كأس عافية بصحة بغداد ، وموت الكرف من سوّاها بيَّ !!
[email protected]